أوقن بأنه لا يجوز قراءة أي كتاب مُقدس قراءة نقدية، كون الكتب المُقدسة كُتب سماوية أُنزلت من عند الله عز وجل، وليست نتاج مُخيلة قاص أو قريحة شاعر. ولكنني اليوم عندما أتحدث عن "إنجيل" القرن الواحد والعشرين ، وتحديداً "إنجيل العهد الجديد"؛ فإني أتحدث عن مؤلَف موضوع من بشر، وتحريفاً لما أنزله عز وجل، كما أنه- في رأيي- لا يحمل من الكتاب المُقدس غير الاسم وقليل من القواعد التي توحدت فيها جميع الكتب السماوية المنزلة..! كما أني هنا لن أتطرق للكم الهائل من المُغالطات التاريخية الذي حملها الكتاب، من بداية افتراءات الكتاب حول نسب عيسى ابن مريم عليه السلام، والسقطات الأخلاقية التي نُسبت لأنبياء الله- حاشا أن يكونوا كما قالوا- وصولاً إلى أكذوبة التنين والمرأة، وسأحاول فقط، تسليط الضوء على الجانب الأدبي للكتاب والذي أستطيع أن أسميه المجموعة القصصية والتي بعنوان "الإنجيل العهد الجديد" دون التطرق إلى مجموعة الشخصيات التي شاركت في تأليف هذه المجموعة القصصية، لأننا ببساطة لن نستطيع تحديدهم لكثرتهم على مر العصور فلكل زمان بصمة من مُعاصريه، حتى تم اعتماد الأناجيل الأربعة المعروفة اليوم، والمجموعة في كتيب الإنجيل (متّى، مرقس، لوقا، يوحنّا)، في حين قد تم إلغاء ما أسموها بالأناجيل المزورة من قبل قساوسة الفاتيكان..! بدايةً.. استُهِل الكتاب بمقدمة من واضعيه ، كأي كتاب يحمل في طياته رسالة موجهة ، كما أشارت هذه المُقدمة إلى محتوى الكتاب بإيجاز. وبعيداً عن التناقضات والاختلافات الجوهرية فيما عدها المؤلفون حقائق، لوحظ اختلاف نسبي في أسلوب الطرح والسرد للأحداث، فقد غلب على الكتاب أسلوب السرد البسيط السهل، والذي يُشير إلى أن كاتبه عبارة عن هاوٍ لسرد قصص الأطفال والتي تُحكى غالباً قبل نومهم، أو التي تُعلمهم على القراءة..! فمثلاً: لا يخلو سطر من الكتاب إلا ووجِدت أدوات وجُمل الإشارة للفعل أو الواقعة أو للقول أو الزمان أو المكان وبشكل ممتهن وملفت في أغلب السطور مثل: (وكان التلاميذ، وكان رؤساء الكهنة، وقال يسوع للجموع، وخرج من هنا وجاء إلى بلده، وكنّا في أحد الأيام ذاهبين إلى الصلاة، فوقف بطرس مع التلاميذ، و تمّت عجائب وآيات كثيرة، إلى ما لا نهاية). وما أعنيه هنا و كرأي خاص بي، أنّ امتهان هذا الأسلوب في السرد القصصي غير مُحبذ ويُعتبر ركيك لدى القارئ الذي يقرأ لأي مؤلف من مؤلفي القصص والروايات سواء كانت عالمية أو إقليمية، في المُقابل قد يكون الكتاب مستساغًا من قِبل المبتدئين في القراءة، ولن أجحف في حق أحد إن قلت أنَّ هذا الكتاب قد يكون مناسباً لصغار السن، بالرغم أن مؤلفي هذا الكتاب حاولوا أنّ يظهروا كتابهم بشكل بليغ كما قالوا في مقدمة الكتاب..! كما أنه من الأشياء القليلة التي قد ترشح الكتاب للقراءة من قِبل البعض، هو احتواؤه على أقوال فلسفية أو حكيمة، تذكرني بأقوال بعض الحكماء والفلاسفة وحتى المؤلفين مثل "سقراط، وأرسطو، وداون براون، أو أوسكار وايلد ) و من هذه الحكم و المقولات: (فمن يأخذ بالسيف بالسيف يهلك) متّى 26 : 52 (أيأخذ إنسان نارا في حضنه ولا تحترق ثيابه. أيمشي إنسان على الجمر ولا تكتوي رجلاه.) أمثال 6: 27 و28 (ظالم الفقير يعير خالقه ويمجّده راحم المسكين.) أمثال 14: 31 (البر يرفع شأن الأمة وعار الشعوب الخطية) مثال 14: 34 (مقاصد بغير مشورة تبطل وبكثرة المشيرين تقوم.) أمثال 15: 22 وفي رأيي أنه قد نتج عن هذا الخلط بين أسلوب السرد البسيط و بين الأقوال الفلسفية والتي قد تكون مقتبسة من حدود حُددت في كتب سماوية أو مقولات لبعض الحكماء و المفكرين؛ مركّباً أدبياً يفتقر إلى ترابط المحتويات، كما أن هذا الترقيع والتركيب يُضعف من موضوعية الرسالة التي يهدف إرسالها المؤلفين عبر هذا الكتاب. من جهة أخرى، وبهدف التأسي بالكتب المُقدسة و المُنزلة من السماء، حاول مؤلفي كتاب الإنجيل الجديد حشو الكتاب بأمثلة بدا على بعضها الغرابة في الوصف والتشبيه، ففي ( متّى 24، 25 ) شبهوا المسيح باللص كما جاء: " فاسهروا، لأنكم لا تعرفون أيَّ يوم يجيء ربكم. 43 وأعلموا أنَّ رب البيت لو عرف في أيَّة ساعةٍ من الليل يجيء اللص، لسهر وما تركه ينقب بيتهُ. 44 فكونوا أنتم أيضاً على استعدادٍ، لأن ابن الإنسان يَجيءُ في ساعةٍ لا تنتظرونها" قد تكون هذه الأمثلة محط إعجاب بعض المتذوقين، لكن ستبقى هذه المؤلفات غريبة، ولا تمثل إلا عقليات أصحابها، ولا يمكن أن تكون منهجاً تقتدي به المُجتمعات.