يمر العالم اليوم بأسوأ أزمة مالية منذ الحرب العالمية الأولى والثانية، طالت هذه الأزمة معظم الدول والحكومات خاصة الصناعية منها، في اليمن وحيث أننا كدولة نعتبر تصنيفا ضمن دول العالم الأفقر فأننا والحمد لله لم نتأثر بهذه الأزمة إلا في جوانب محدودة لا تمثل رقما يذكر. ولكننا بالطبع تأثرنا كثيرا بالانخفاض المفاجأ والغير متوقع لسعر النفط حيث يمثل النفط كما نعلم ما نسبته 70% من ميزانية الدولة، وفي مواجهه هذا التحول السعري الغير عادي للنفط أعلنت الحكومة اليمنية تخفيض ميزانيتها لعام 2009 م إلى حدود 50% ، ترافق مع ذلك بعض الإجراءات والقرارات الشجاعة و الفاعلة في هذا الجانب ومنها تبني سياسة التقشف التي نتمنى إن تطبق بشكل صادق وشامل لأن هذا القرار بالذات يمكن أن يخترق بشكل جزئي قد يتحول إلى كلي إذا "تلاعب" النفعيين وعديمي الشعور بالمسؤولية بمضمون القرار وبالتالي إفراغه من أهدافه المرجوة فهناك تجارب مماثلة سابقة لقرارات مماثلة فرغت من مضمونها بطرق وأشكال ملتوية قبل أن يجف حبر هذه القرارات. الحكومة اليمنية تواجه صعوبات مالية جمة في ظل هذا الوضع الاقتصادي العالمي وهذه حقيقة لا يستطيع أي منصف أو محايد إنكارها، ولكن مهما كانت هذه الصعوبات إذا وجدت إرادة وطنية صادقة وفاعلة وحكيمة من قبل أعضاءها فأن كل هذه الصعوبات ستزول وهذه هي فقط وظيفة الحكومات الرشيدة لإدارة الأزمات والخروج بحلول ناجعة. وفي اعتقادي لو حددنا ميزانية خاصة بكل وزارة ومرفق حكومي بحسب ألاحتياجات الفعلية والضرورية وفق دراسة علمية وواقعية وبناءا على إمكانات الحكومة الفعلية لخرجنا من هذه الأزمة بسلام خاصة إذا طبقت بالفعل سياسة التقشف والحد من الصرفيات العبثية أو الغير ضرورية ومنها على سبيل المثال: 1- إيقاف صرف السيارات نهائيا مهما كانت المبررات وبعيدا عن أي استثناءات. 2- إيقاف رحلات السفر العبثية أو حضور المؤتمرات النظرية أو رحلات العلاج المبالغ فيها. 3- إيقاف المصروفات العبثية كعمليات إعادة تأثيث المكاتب أو صرف المكافآت "بالهبل" وفق أسس غير قانونية فهناك مكافآت كبيرة ومجزية تصرف في الغالب لمن لا يستحق أو قد تكون بشكل مبالغ فيه لتدخل فقط ضمن التحايل على المال العام تحت أبواب وبنود تسمى "قانونية". 4- إيقاف الإعلانات والدعايات الحكومية العبثية في وسائل الإعلام المختلفة فعلى سبيل المثال رفع سماعة التلفون التي لا تكلف عشرة ريال للقيام بواجب التهنئة أو التعزية أفضل بكثير من دفع مائة ألف أو مائة وخمسون ألف ريال لشراء صفحة في أحد الصحف للقيام بهذا الواجب الذي قد يتحول بهذه الطريقة في الغالب إلى نفاق وعلاقات عامة أو حب ظهور على حساب خزينة المال العام. 5- تقليص بعثاتنا الدبلوماسية في الخارج إلى حدود ضيقة خاصة في تلك الدول التي لا تمثل لمصالح البلد أي شئ يذكر. هذه بعض الإجراءات البسيطة والتي لو طبقت بجدية حقيقية وبصدق نابع من إحساس حقيقي بالمسئولية الوطنية لخرجت حكومتنا الموقرة بنتائج ايجابية للغاية تغنيها عن اتخاذ بعض القرارات المتسرعة أو بعض الإجراءات الغير عملية بل وستبعدها عن أي حماقة قد تقدم عليها كما يشاع من مسألة عزمها على رفع الدعم عن المشتقات النفطية الذي أن تم لن يجلب لها الاستقرار الذي تتمناه خاصة إذا أيقنت أن سياسة رفع الدعم في ظروف اجتماعية وسياسية مثل ظروفنا قد تضر أكثر مما تنفع بكثير. ثم إن الدعم الذي تقدمة الحكومة لمعظم المشتقات النفطية اليوم لم يعد بذلك المستوى الذي كان علية عندما وصل سعر برميل النفط إلى 160 دولار باستثناء مادة الديزل التي يستفيد منها بالدرجة الأساسية المزارعون وهذه المادة بالذات عندما يرفع الدعم عنها فأن ذلك لا يعني سوى رفع أسعار الخضروات والفواكه إلى أسعار خياليه كأسعار اللحوم التي لم يعد لغالبية الشعب اليمني القدرة على الوصول إليها. ثم أن هناك معالجه فاعلة قد تخفف بشكل كبير من دعم مادة الديزل وذلك بقيام الحكومة بمحاربه مهربي هذه المادة إلى دول الجوار ومنع أولئك الذين يستغلون هذا الدعم بشراء كميات كبيرة فوق الحاجة المنطقية للاستخدام الزراعي ومن ثم بيعة في السوق السوداء، أي أن المسألة هنا تحتاج إلى ترشيد الدعم بحسب الحاجة الفعلية للمزارع وليس رفعه على حساب لقمة عيش غالبية الشعب، وأما عن مسألة رفع سعر اسطوانة الغاز المنزلية فأن ذلك سيؤدي إلى انصراف أكثر الناس إلى استخدام الحطب وقلع الأشجار لتتحول اليمن بعدها إلى أرض قاحلة صحراوية بالإضافة إلى ما تمثله هذه الخطوة من خطورة على البيئة اليمنية بشكل عام. ختاما وكما أسلفت في مقال سابق اعتقد أن حكومتنا الموقرة لن تلجأ إلى هذه الخطوة أي رفع الدعم عن المشتقات النفطية لأسباب موضوعية عديدة ذكرنا بعضها في المقال السابق خاصة وقد قامت كخطوة عملية لمواجهه هذه الأزمة أي أزمة انخفاض أسعار النفط بتخفيض ميزانيتها لهذا العام إلى النصف وهي الخطوة العملية الأكبر بالإضافة إلى خطوة تبني سياسة التقشف والحد من المصروفات الغير ضرورية وهذه الخطوتين عقلا ومنطقا وأرقام اقتصادية تغنيها بشكل كبير وعملي عن القيام بأي إجراءات إضافية. غياب القانون هو السبب: الأحداث الأخيرة التي وقعت في منطقة الحبيلين وكذلك الأحداث التي تعرض فيها لاعبوا كرة القدم من محافظة الحديدة التسعة والذين تعرضوا لاعتداء "مناطقي" جبان وآثم تبين- أي هذه الأحداث- للأسف الشديد جرأة غير عادية لهؤلاء الذين يعيثون في الأرض تخريبا وفسادا باسم الحراك والنضال "السلمي" وهذه الجرأة أعتقد أنها لم تظهر وبهذه الصورة الفجة إلا عندما غاب القانون وغابت هيبة الدولة وهذه حقيقة لابد أن يدركها القائمون على الأمر ولا ندري بالضبط لمصلحة من هذا الغياب الغير مبرر للقانون ولهيبة الدولة في الكثير من المناطق اليمنية؟!! هذا السؤال سنحاول الإجابة عليه في موضوع قادم إن شاء الله يتحدث عن دولة النظام والقانون التي نتمنى أن تسود في كل أرجاء اليمن.