سئلت ذات يوم عن القبيلة في اليمن، فوجدت ذاكرتي غارقة بصور تلك القبائل التي لقنت الاتراك والانجليز أقسى الدروس.. وتلك التي هبت من كل الأرجاء للدفاع عن ثورة سبتمبر وفك الحصار عن صنعاء، وتلك التي تصدت لعصابات التخريب في المناطق الوسطى.. وتذكرت أيضاً عشرات المشائخ الذين كانوا عنوان شموخ اليمن، ووقفت بكل إجلال أمام ذكرى الشهيدين الشيخ حسين الأحمر ونجله «حميد» اللذين بذلا نفسيهما في مواجهة الطغيان الإمامي.. وتساءلت: ياترى هل مازال بيننا مشائخ يضحون بالمال والنفس والوجاهة من أجل الوطن..!؟ لا شك لقد كان الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر- رحمه الله- هو الانموذج الذي اجتمعت فيه كل خصال تلك الأسرة المناضلة، من شجاعة، وحكمة، وشهامة، وكرم، وتفانٍ في خدمة اليمن وشعبها، حتى إننا اليوم نجد أبناء اليمن في مختلف المحافظات يصفونه ب«صمام الأمان»، ولا غرو في ذلك وقد كان حتى رئيس الجمهورية يناديه «يا عم»، ويستشيره في أمور البلاد، وحين توفاه الله بكى عليه بدموع حرّى.. الشيخ عبد الله الأحمر- رحمه الله- نجح في كبح جماح النزوات والعصبيات القبلية لدى بعض القبائل، ونجح في ترويض بعض المشائخ المتهورين، وكان كما أبيه يقدم اليمن على نفسه ومصالحه وحزبه الذي يرأسه "الاصلاح"، ويقدس الوحدة، ويرى في أي مساس بها مقدمة لاذلال اليمن وشعبها، لذلك كان يسارع لاحتواء أي خلاف سياسي لئلا ينعكس سلباً على تلاحم الصف الوطني اليمني.. بعد رحيل الشيخ عبد الله الأحمر إلى جوار ربه لم تجد اليمن من يشغل الفراغ الذي خلفه ليس بصفته شيخ مشائخ، وإنما بصفته «صمام أمان».. إذ إن جيل مشائخ هذا الزمان هم من نوع ذلك الشيخ الذي منذ بداية حرب صعدة وحتى اليوم وهو يتنقّل بين العواصم الخليجية، ولا يجرؤ حتى على المبيت في منزله خوفاً من ان ينال منه الحوثيون..! مشائخ هذا الزمان- وأستثني منهم بعض الرموز الوطنية المشهود لها- عندهم الوطن ليس أكثر من تجارة ومناقصات، ومشاريع استثمارية خاصة، وأراضٍ مباحة للنهب العلني تحت تهديد السلاح.. أما العمل الوطني عندهم فهو لا يتعدى حفنة من المال لشراء المرتزقة، والمطبلين، والمصفقين، بل وشراء الألقاب والمسميات السياسية المختلفة، لانهم لا يملكون من المؤهلات الثقافية والفكرية والنضالية ما يكسبون به ثقة الشارع واحترامه. نعم.. بعض المشائخ في هذا الزمان أقرب ما يكونون إلى «نيرون» الذي عندما وجد نفسه عاجزاً عن الإتيان بمثل روما فضّل إحراقها عن بكرة أبيها، ليتساوى إفلاسه بخرابها.. لذلك تجدهم يلعبون على أوتار الفتن بين القادة في بلادهم، ليس انتصاراً لاعداء الوطن من قاعدة وحوثيين وانفصاليين وايرانيين، بل لانهم عجزوا ان يكونوا قادة، ويحظوا بثقة الشعب، ويحققوا انتصارات كمثل التي يحققونها.. لذلك هم يلهثون وراء كل ما من شأنه مساواة الجميع بالسقوط والفشل والهزيمة..! في كل أرجاء العالم هناك للمشيخة أعراف وأخلاقيات ولون رفيع من الحكمة والشجاعة.. لكن بعض من لدينا مشائخ (أبو ألفين) ريال الذين يتزاحمون على بوابة شؤون القبائل بداية كل شهر، وهم على قول المثل الشعبي (إنْ أحجرت مَرَق ، وإن عزّت مَرَق).. وهناك مشائخ يصبح أحدهم "جمهوري" ويمسي "ملكي"، إن تدفع لهم ملكتهم، وإن تعطلت عنهم- ولو مكرهاً- باعوك وباعوا شعبهم ووطنهم.. أما القسم الآخر من بعض مشائخ هذا الزمان، فهم بلاء اليمن الأكبر.. لأنهم يعتبرون المشيخة بالتهور، والبلطجة، ونهب الأراضي، و"عُكفة مبندقين" لو نظرت"الواحم" إلى وجوههم لأسقطت جنينها إشمئزازاً.. وتراهم يرددون ما لا يفقهون، ويقولون ما لا يفعلون، والوطن عندهم ليس أكثر من "مناقصة" إن أخذوها أمنت شرّهم، وإن منعتها عنهم أحرقوا البلد ومن فيه، لأن شعارهم: (شهر ما لك فيه نفقة لا تحسب أيامه)! وللأسف.. هذا النوع من المشائخ هم أكثر من يعجبوننا في عالم الصحافة، لأنهم أفضل من يدفع لأتفه ما تكتب أقلامنا.. فبتفاهاتنا وحدها يصبحون أبطالاً..! رحم الله الشيخ عبد الله الأحمر، فكل اليمنيين يجزمون اليوم بأن لا شيخ بعد الشيخ عبد الله..!!