استغل علي سالم البيض، نائب رئيس اليمن السابق، الحرب الدائرة بين الجيش اليمني والحوثيين في شمال البلاد لتجديد دعاوى الانفصال، التي أثارها أكثر من مرة بعد خروجه من البلاد إلى المنفى. فبموازاة كل أزمة سياسية أو عسكرية تعاني منها اليمن يظهر نائب الرئيس السابق ويطالب بالانفصال، إلا أنه هذه المرة طالب الأممالمتحدة بإجراء استفتاء بين شعب اليمن الجنوبي حول رغبتهم في الانفصال، كما طالب المجتمع الدولي خلال حوار أجراه مع وكالة الأنباء الفرنسية من منفاه في ألمانيا، بحماية أهل الجنوب من "القمع والاعتقال والإجراءات التعسفية التي يتعرضون لها من قبل حكومة صنعاء". جاءت تصريحات البيض على خلفية مظاهرات أقامها نشطاء الجنوب، الذين يدعون إلى الانفصال، احتفالاً بذكرى استقلال الجنوب عن الاحتلال البريطاني، وهو ما أعقبه قيام دولتين في اليمن إحداهما في الجنوب وعاصمتها عدن، والأخرى في الشمال وعاصمتها صنعاء، إلى أن تم توحيد الدولتين عام 1990 تحت رئاسة علي عبد الله صالح، وتم تعيين علي سالم البيض نائباً للرئيس، وحاول سالم البيض الانفصال بالجنوب عام 1994، ولكن محاولته باءت بالفشل، حيث تدخل الجيش اليمني بقوة لردعه، ومن وقتها يقيم البيض في المنفى، وتعلو الأصوات في الجنوب رافضة ما تعانيه من تمييز واضطهاد، وعدم مساواتها بمحافظات الشمال في الخدمات والوظائف، ونصيبها من الدخل القومي، والعديد من مظاهر التمييز الأخرى. منذ شهور قليلة، وقبل اندلاع الحرب الحالية بين الجيش اليمني والمتمردين الحوثيين في الشمال، اندلعت المظاهرات في محافظات الجنوب مطالبة بالاستقلال، وهو ما وجده علي سالم البيض، الذي كان يقيم وقتها في سلطنة عمان، فرصة سانحة لتجديد أحلامه الانفصالية، وبالفعل أصدر البيانات التي تدعم نشطاء الجنوب، وطالب المجتمع الدولي بدعم الحركة الانفصالية لتحقيق العدالة بين سكان اليمن بشطريه الشمالي والجنوبي، حتى أن بعض الآراء رجحت أن يكون هو المحرض على اندلاع هذه المظاهرات التي واجهتها الحكومة اليمنية بشكل حاسم وعنيف لقمع المتظاهرين، ووجدت عمان حرجاً في وجود علي سالم البيض بها وطالبته بالكف عن النشاط السياسي أو الرحيل، حتى لا يتسبب لها في أزمة مع الحكومة اليمنية، بعد أن كانت سلطنة عمان قد منحته الجنسية بشرط عدم القيام بنشاط سياسي، وبالفعل سافر إلى أوروبا لاجئاً سياسياً، وظلت أحلام الانفصال تراوده هو وباقي النشطاء من أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني، الذين نجوا من الحادث الشهير المعروف بمذبحة يناير 1986، عندما تمت تصفية كافة قيادات الحزب الاشتراكي في اجتماع اللجنة المركزية، وما تبعها من أحداث دموية قام بها هذا الحزب الحاكم وقتها لجنوب اليمن ضد النشطاء السياسيين من العسكريين والمدنيين الأبرياء على السواء، راح ضحيتها آلاف الضحايا، وتم تنصيب البيض رئيساً للجمهورية (1986 1990) وقتها، لأنه هو الوحيد الذي تبقى من مذبحة اللجنة المركزية. رغم أن الدعوة الانفصالية، التي جددها البيض هذه الأيام، ترفع راية حق الجنوب في تقرير مصيره، وإنقاذ سكانه من العنف والاضطهاد والتمييز الذي يتعرضون له، إلا أنها لا تقدم أية ضمانات بهذا الشأن، خاصة مع استعادة التاريخ الدموي للحزب الذي يتحدث باسمه سالم البيض، كما أن هذه الدعوة تحمل أبعاداً أخرى، منها ما يتعلق بمطامع النشطاء السياسيين المنفيين بالعودة إلى اليمن وشغل أماكن سلطوية في الدولة، ومنها ما يدخل ضمن إطار إضعاف الحكومة اليمنية وإظهار أنها غير مستقرة وتعاني من عدة أزمات، ويدعم هذا التوجه مطالبة البيض بتدخل دولي لحماية المواطنين في الجنوب، في تحريض مباشر وصريح للمجتمع الدولي على الحكومة اليمنية، في الوقت الذي تخوض فيه الحكومة حرباً ضد الحوثيين في الشمال، كما طالب أيضاً بإجراء استفتاء بين سكان الجنوب حول رغبتهم في الانفصال وتقرير المصير، من خلال منظمة الأممالمتحدة، وهي مطالب من شأنها أن تشعل ثورة الجنوبيين وتحرضهم على الثورة بشكل موسع لتحقيق الانفصال، وتساهم في إنهاك الجيش اليمني خلال حربه ضد الحوثيين في الشمال، نظراً لتشتت قواه ما بين تصفية متمردي الشمال وقمع متظاهري الجنوب، إلا أن هذه المطالب لن تحقق في النهاية سوى إراقة مزيد من الدماء، وربما إشعال حرب أهلية جديدة في الجنوب، إلى جانب الحرب المشتعلة بالفعل في الشمال. ظهور دعاوى الانفصال الآن ليس من قبيل الصدفة، وإنما يعتبره الكثير من المحللين امتداداً طبيعياً للتحالف القديم بين الحزب الاشتراكي، الذي كان يترأسه البيض ويحكم اليمن الجنوبي، وبين الحركات والأحزاب الإسلامية عموماً، والحوثيين في صعدة على وجه الخصوص، وهو ما يتنافى تماماً مع دعوة الحزب إلى علمانية الدولة، وتلويحه بمبادئ القومية والاشتراكية، فكثيراً ما كان هذا الحزب يدعم الحوثيين في تحركاتهم ضد حكومة صنعاء، باعتبار أن الحرب بين صعدة وصنعاء يمكن أن تؤدي إلى تحقيق الانفصال، في حين أن الأمر يمكن أن يكون عكسياً تماماً، ويصبح فتح أكثر من جبهة للحرب في اليمن يصب في صالح نشر المذهب الشيعي في البلاد، وهو ما يكون في النهاية لصالح النظام الشيعي الأقوى في منطقة الشرق الأوسط، ممثلاً في إيران التي تشير إليها أصابع الاتهام في تقديم الدعم اللوجستي للحوثيين، في سبيل نصرة المذهب الشيعي ونشره في المنطقة العربية، وهو ما يجعل من مطالب سالم البيض الانفصالية، الآن، جزءاً من هذا المخطط الذي يهدف لإضعاف النظام اليمني، ولكنه لن يصب في النهاية في مصلحة انفصاليي الجنوب. عن: "السياسي"