بيت شعري جميل لا يمكن تعميمه على كل ذوي اللحى (وأنا أيضاً ملتحٍ) لكنه على الأقل يعطي مؤشراً، فهناك بالفعل من طالت لحيته فجعلته يعتقد أنه حامي البشرية، وأنه أكثر علماً، وأكثر ديناً، وأكثر فهماً للأمور، فما زاده ذلك إلا بلادة! ولا يمنع ذلك من أن يكون من طويلي اللحى من نحترم عقليته وأسلوبه في التفكير، وهناك العديد من الأمثلة على ذلك كالشيخ القرضاوي على سبيل المثال لا الحصر، ولذلك تجد هؤلاء العلماء الأفاضل عرضة لانتقادات بل ولشتائم أولئك الذين طالت لحاهم لتغطي عقولهم. تلك كانت مقدمة بسيطة، أما الموضوع فيكمن في (تهديدات) نائب ممن يتم جمعهم على نوائب وليس على نواب، لوزير الاتصالات وتقنية المعلومات أنه سيقوم باستدعاء الوزير إلى مجلس النواب لمساءلته في (الترويج للفاحشة) عبر الإنترنت، وهنا قبل أن يؤيد بعضكم هذا النائب الهمام، وينزل علي بأقذع الشتائم واللعنات باعتباري داعياً من دعاة الابتذال والفسق والمجون، لا بد من توضيح بعض النقاط. النقطة الأولى: أنا لست ضد حجب المواقع الإباحية عموماً بل أنا ضد أن يطال الحجب بعض المواقع التي لا تروج للفاحشة لا من قريب ولا من بعيد، لكن بسبب التشديد الزائد قامت الاتصالات بحجبها خطأً، ومنها صفحة التعليقات الخاصة بموقع (نبأ نيوز)، ولن أذكر المزيد من الأمثلة وأترك الأمر للمعلقين ليعطوا الأمثلة على ذلك. ولكن القائمة تشمل الكثير من المنتديات، ومواقع تحميل البرامج، بل وبعض المواقع الطبية!! النقطة الثانية: أن الإنترنت هو خدمة لا يمكن الاستغناء عنها، لكن في نفس الوقت لا يجب تحميل مزود الخدمة فوق طاقته.. ولتبسيط الأمر، فإن من غير المعقول الاستغناء عن خدمات الهاتف سواء الثابت أو المحمول، كما لا يمكن الإنكار أنها وسيلة من وسائل ارتكاب الفواحش، كذلك هو البث الفضائي، فمنهم من يستخدمه لمتابعة الأخبار والقنوات الملتزمة، ومنهم من لا ينفك يتنقل من قناة فاحشة إلى قناة أكثر فحشاً، ولا أعتقد أن عاقلاً سيحاسب وزارة الإعلام على ذلك!! النقطة الثالثة: إن برنامج الحجب الذي تستخدمه وزارة الاتصالات يمكن تشبيهه لمن لا يعرف دوره بشرطة الآداب، وكلنا لا يعترض ولا يدعو إلى إيقاف شرطة الآداب ومنعها من أداء عملها، إلا أن الأمر بالتأكيد سيختلف لو تفاجأ المواطنون الآمنون المحترمون بشرطة الآداب تدق أبوابهم ليلاً نهاراً للتفتيش داخل بيوتهم عن الفحش والفسق!! الخلاصة تقول: إن ديننا الإسلامي هو دين معتدل يدعو إلى إعمال العقل، ولا شك أن ترك الإنترنت مفتوحاً على مصراعيه، قد– وأؤكد على قد- يكون من الخطأ، إلا أن الخطأ الأكيد هو أن نشدد الرقابة على هذه الخدمة المهمة إلى درجة تشل من فاعليتها، وتقلل من كفاءتها، والأولى والأحرى من ذلك، هو أن نزيد من توعية أبنائنا وبناتنا، فهذا هو الإجراء الأعم الذي يحميهم من كل أدوات التقنية الحديثة، من إنترنت، وكمبيوتر، وهاتف، وبث فضائي، وغيرها. ولا أعرف ماذا سيكون موقف نائبنا الكريم لو علم أنه بإغلاقه للمواقع الإباحية إنما يغلق باباً واحداً ويترك جدران بيته كلها مكشوفةً، فالمواقع الإباحية– وأنا لا أبالغ هنا- هي أقل خدمات الإنترنت والتقنية خطراً، ولعله لا يعلم أن غرف الدردشة (التشات) وبرامج المراسلة التي تتيح لأي شخصين في العالم التواصل كتابة أو بالصوت أو حتى بالبث الحي عبر الكاميرا، ولك يا سيدي النائب أن تتخيل ماذا سيحدث إذا استخدمت هذه التقنيات استخداماً خاطئاً!! وفي الختام نشكر وزارة الاتصالات لاهتمامها بطلب النائب، ولكننا ندعوها إلى اتخاذ موقف طبيعي معتدل دون تكلف، فتقوم بحجب المواقع الإباحية الواضحة التي لا خلاف عليها دون المبالغة وإغلاق مواقع لا ذنب لها، وأؤكد لكم أن هذا الإجراء ليس إلا إجراءاً مؤقتاً حتى نصل إلى مرحلة يكون فيها الالتزام الأخلاقي منتشراً إلى الحد الذي يجعلنا نستغني عن الحجب ونكتفي بالتزامنا تجاه خالقنا متمثلين قول الشاعر: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل ... خلوت ولكن قل عليّ رقيبُ ولا تحسبنّ اللهَ يغفل ساعةً ... ولا أن ما يخفى عليه يغيبُ غفلنا لعمر الله حتى تراكمت ... علينا ذنوبٌ بعدهنّ ذنوبُ فيا ليت أن الله يغفر ما مضى ... ويأذن في توباتنا فنتوبُ [email protected]