في خضم الجدل المحتدم على المسرح السياسي اليمني والمشاهد الدرامية لحوار الطرشان، والمقاطعة والقطيعة، والمناكفات السياسية، وتبادل التهم، وفي ظل الأحداث المتسارعة والخطيرة التي تشهدها الساحة اليمنية من فتن طائفية، ونزعات مناطقية، ومطالب إنفصالية، وتطرف ديني عدواني، وتدهور إقتصادي، وفلتان أمني وتعدي على الحريات. يتبادر إلى الذهن تساؤل مشروع: هل هناك نخبة سياسية في بلادنا بالمعنى الإصطلاحي للمفهموم؟ بمعنى صفوة المجتمع القادرة على خلق توازن سياسي يحمي الحقوق ويحافظ على المنجزات والمكتسبات ويؤسس لمستقبل زاهر، في أجواء من الثقة والشراكة بين السلطة والمعارضة، بحيث لا تكتفي الأخيرة بإلقاء اللائمة على عاتق الحكومة، ورفع الشعارات الزائفة عن مستقبل أفضل، وعن الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة وذم الفساد مع ممارسته، بل بإقتناص الفرص لتسد الفراغ الذي تتركه الحكومة في إدارة وتلبية إحتياجات المواطنين الملحة حتى من قبيل الترويج لقدراتها إذا ما وصلت إلى سدة الحكم. لا شك بأن إستقراء واقع الحال في يمن اليوم يكذب هذا الوهم، ويؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على غياب هذه النخبة بالمفهوم المتعارف عليه، نخبة لا تكل ولا تمل من لعب دور فاعل في عملية التأطير والتنشئة الوطنية والإجتماعية والسياسية السليمة وجعلها هدفاً ورافعة لنخبة الغد. إن ما يمكن أن نسميه تجاوزاً نخبة في بلادنا، ونعني بذلك المجاميع التي يتكون منها النسيج السياسي، ليست نتاج بناء مؤسسي وليس لها تجربة سياسية مشتركة أو فكر سياسي متناغم أو حتى طموح نحو الأفضل، بل هي مزيج فسيفسائي من مشايخ وأعيان وقادة عسكريين وأثرياء جدد وتجار سياسة بعباءة دينية وقلة قليلة من المفكرين السياسيين حالهم كمن يصرخ في واد. إن هذا التباين والإختلاف السلبي في تركيبة النخبة السياسية في اليمن وتضارب المصالح فيما بينها، جعلها بمنأى عن ممارسة السياسة الحقيقية في ظل مسار ديمقراطي حقيقي، بل ظلت في صراع دائم مع الذات ومع الغير بغية الحفاظ على مصالحها الآنية والأنانية راغبة في المزيد حتى عن طريق الإستحواذ غير المشروع على السلطة، وبأي وسيلة كانت، وأصبح المواطن حائراً والوطن أكثر حيرة ولغبٍ في البحث عن وسيلة يحميان بها نفسيهما من مزاجية النخبة التي تنعم بالحياة على كفوف الراحة تاركة المواطن والوطن على كفوف العفاريت. وضمن هذا السياق، تعيش هذه النخبة في بلادنا أزمة حقيقية وحالة إنفصام مزمن. فتجد البعض يعيش في كنف السلطة ويمارس المعارضة، وبعض المعارضين يلهثون وراء المناصب وينتقدون بحدة سياسة التهميش. وأحزاب مشخصنة تطالب بالديمقراطية وبالحوار، وأحزاب متنافرة في كافة الرؤى تقف في خندق واحد، وأشخاص تغير مبادئها وإنتمائها الحزبي حسب مقتضيات الساعة، وقائمة أعراض الإنفصام طويلة. وأمام هذا الوضع المتأزم وتفكك النخبة وفسادها، أفسح المجال للعابثين من حوثيين وعناصر القاعدة وأشباح الحراك، الذين يحاولون بإصرار عجيب تمزيق وطننا الغالي والتمثيل بأشلائه، والأدهى من ذلك أن ترى بعض الأحزاب السياسية تناور وتهرول لعقد صفقات شيطانية مع هؤلاء العابثين ولا ندري بأي صورة سيكتب عنهم التاريخ وكيف سيكون ذكرهم بين الأحفاد.