عدوان مستمر على غزة والاحتلال بنشر عصابات لسرقة ما تبقى من طعام لتعميق المجاعة    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    الهلال السعودي يقيل جيسوس ويكلف محمد الشلهوب مدرباً للفريق    اللجنة السعودية المنظمة لكأس آسيا 2027 تجتمع بحضور سلمان بن إبراهيم    خلال 90 دقيقة.. بين الأهلي وتحقيق "الحلم الآسيوي" عقبة كاواساكي الياباني    رئاسة الحكومة من بحاح إلى بن مبارك    غارات اسرائيلية تستهدف بنى تحتية عسكرية في 4 محافظات سورية    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    في حد يافع لا مجال للخذلان رجالها يكتبون التاريخ    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    إذا الشرعية عاجزة فلتعلن فشلها وتسلم الجنوب كاملا للانتقالي    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    مسلحون يحاصرون مستشفى بصنعاء والشرطة تنشر دورياتها في محيط المستشفى ومداخله    الطيران الأمريكي يجدد قصف ميناء نفطي غرب اليمن    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    هزتان ارضيتان تضربان محافظة ذمار    باحث يمني يحصل على برأه اختراع في الهند    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    "الأول من مايو" العيد المأساة..!    وقفات احتجاجية في مارب وتعز وحضرموت تندد باستمرار العدوان الصهيوني على غزة    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفهوم الأمن في الإسلام

في ظل الأمن والأمان تحلو العبادة، ويصير النوم سباتاً، والطعام هنيئاً، والشراب مريئاً، الأمن والأمان، هما عماد كل جهد تنموي، وهدف مرتقب لكل المجتمعات على اختلاف مشاربها.
بل هو مطلب الشعوب كافة بلا استثناء، ويشتد الأمر بخاصة في المجتمعات المسلمة، التي إذا آمنت أمنت، وإذا أمنت نمت؛ فانبثق عنها أمن وإيمان، إذ لا أمن بلا إيمان، ولا نماء بلا ضمانات واقعية ضد ما يعكر الصفو في أجواء الحياة اليومية.
إطراء الحياة الآمنة هو ديدن كل المنابر، لما للأمن من وقع في حس الناس، من حيث تعلقه بحرصهم على أنفسهم، فضلاً عن كونه هبة الله لعباده، ونعمة يغبط عليها كل من وهبها ولا غرو في ذلك.
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أصبح آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" .
بضعف الأمن وانحلاله؛ تظهر آثار خبث الشيطان، وألاعيبه هو وجنده من الجن والإنس، وإقعاده بكل صراط، يوعد بالأغرار من البشر، ويستخفهم فيطيعونه؛ فيبين حذقه وإغواؤه، محققاً توعده بقوله : (لاقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف:16-17].
إن المزايدة على الأمن والأمان في مجتمعات المسلمين بعامة، لهو مدعاة للسخرية والفوضى، المفرزين للممارسات الشاذة والإخلال المرفوض بداهة، والمهدد لسفينة الأمان الماخرة، كل ذلك غير مستساغ شرعاً ولا عقلاً، ولا قبول له تحت أي مبرر كان.
بل كل مزايدة في اختلال الأمن والأمان، إنما هو من نسيج الأعداء المتربصين بنا، وإن استعملوا في نفاذ اختلاله، اللهازم من أبناء أمتنا وأغرارهم؛ من أجل سلب أمن الأمة المسلمة ومقدراتها بكل ما تعنيه الكلمة.
إن المرء المسلم في فسحة من دينه، عن أن يزج بنفسه في مهاوي الرذيلة ومحال الريب.
ومزعزع الأمن ومخلخله إنما هو بادي الرأي يزعزع أمن نفسه ووالديه وبقية أسرته، قبل أن يزعزع أمن غيره من الناس.
كل هذا يبدو واضحاً جلياً، في مثل كأس خمر، أو قتل نفس، أو جرعة مخدر، أو هتك عرض، أو إحلال فساد بين الخلق، بمثل ذلك ينسلخ مواقع مثل هذه الأمور عن إنسانيته وإسلاميته، ويتقمص شخصية الإجرام والفتك، والفاحشة والإضلال بالمسلمين؛ فيشل الحياة، ويهدم صرح الأمة، ويوقع مجتمعه وبني ملته في وهدة الذل والدمار؛ فيخل بالأمن ويروع المجتمع، ويبدد أمنهم شذر مذر.
إنه متى امتد شذوذ المرء ليشمل الآخرين، ويمس من أهله ومجتمعه فإنه لا محالة، يعرض نفسه لحتفه بالغاً ما بلغ من العنفوان والشجاعة، وإلا لو فكر مزعزع الأمن ملياً في مصير والده ووالدته حينما تأخذهما الحسرات كل مأخذ، وهما اللذان ربياه صغيراً، يتساءلان في دهشة وذهول، أمِن المعقول أين يكون من ولدناه تحت ناظرنا معول هدم لأمن المجتمع وصرحه؟!!
أما يفكر مزعزع الأمن في زوجه وأولاده الذين يخشى عليهم الضياع من بعده والأسى من فقده؟! ألا يشعر بأن زوجه أرملة -ولو كان حياً؟!-.
أو ما يشعر بأن أولاده أيتام ولو كان له عرق ينبض؟!(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً) [النساء:9].
أولا يفكر مزعزع الأمن كيف يحل عليه الضعف محل القوة، والهم من نفسه محل الفرح، والكدر مكان الصفاء؟!
حيث لم يعد يؤنسه جليس ولا يريحه حديث، قلق متوجس، كثير الالتفات. فكيف يصل إلى منشوده ومبتغاه؟! بعد أن يسأم الحياة بفعله الشاذ، والذي سيجعله قابعاً في غياهب السجون بسبب جرمه ، فضلاً عما يخالج أنفاسه وأحاسيسه، من ارتقاب العقوبة كامنة عند كل طرقة باب، لا سيما إن كان في هذه العقوبة حتفه وتغييبه من هذه الحياة.
ولا غرو في ذلك، فإن في قتل مجرم واحد حياة هنيئة لأمة بأكملها (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَواةٌ يأُولِي الالْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:179].
وقديماً قيل: القتل أنفى للقتل.
من أجل استتباب الأمن في المجتمعات جاءت الشريعة الغراء بالعقوبات الصارمة، وحفظت للأمة في قضاياها ما يتعلق بالحق العام والحق الخاص.
بل إن من المسلّم في الشريعة، قطع أبواب التهاون في تطبيقها أياً كان هذا التهاون، سواء كان في تنشيط الوسطاء في إلغائها، أو في الاستحياء من الوقوع في وصمة نقد المجتمعات المتحضرة.
فحفظاً للأمن والأمان؛ غضب النبي صلى الله عليه وسلم على من شفع في حد من حدود الله بعدما بلغ السلطان، وأكد على ذلك بقوله: " وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" .
وما ذاك إلا من باب سد الذريعة المفضية إلى التهاون بالحدود والتعزيرات، أو التقليل من شأنها. وإنه حين يدب في الأمة داء التسلل الأمني؛ فإن أفرادها بذلك يهيلون التراب على تراث المسلمين، ويقطعون شرايين الحياة عن الأجيال الحاضرة، والآمال المرتقبة.
وهم يخدمون بمثل هذا - عن وعي أو عن غباء – الغارة الاستعمارية على ديار المسلمين، من خلال أعمال خرقاء تزيد السقم علة، والطن بلة؛ فيطاح بالمسلمين، وتوصد أبوابهم أمام الحياة الهانئة الآمنة.
ومثل هذا ظاهر جلي في طرح الدعوات الصارخة لما يسمى بمبادئ حقوق الإنسان، والتي تجعل من فتح الحريات، وعتق الرغبات، رفضاً باتاً للفطر السليمة، وسبباً مباشراً تدمر به الأخلاق المستقيمة؛ ومن ثم يزعمون أن من خالف ذلك فهو ضد الإنسان والإنسانية، وضد الحقوق الشخصية والرغبات الفردية، وهي في الحقيقة ليست من الإنسانية في شيء، ولا هي من بابتها، فلا تمت لها بخيط رقيق، ولا حبل متين.
بل إن ما ينمق حول ذلك ويذوق مُرّ العاقبة وإن حلا ظاهره، وصعب المرتقى وإن سهل ترويجه، وذميم الطرح مهما بدت للاهثين دماثته.
لقد سفهت دعوات حقوق الإنسان أحكام الشريعة، فوصفت إقامة الحدود بالسفه والحطة والغلظة. دعا أهلها إلى حفظ حقوق الإنسان فقتلوه من حيث أرادوا حفظ حقه، أخرجوه من القيود الشرعية حرصاً عليه، فإذا بهم في نهاية المطاف يدركون أنهم إن ما كانوا ينادون بحفظ حقوق الإنسان المجرم، فإلى الله المشتكى.
أيها المسلمون: القاعدة المقررة تقول: إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولأجل أن نعرف حقيقة الأمن وصورته فلابد أن تكون هذه المعرفة متصفة بالشمولية، وأن لا تكون ضيقة العطن، مستهجنة الطرح، من خلال قصر بعض الأفهام حقيقة الأمن على ناحية حماية المجتمع من الجرائم فحسب، وأن يقصر مفهوم حمايته على جناب الشرط والدوريات الأمنية في المجتمعات بعامة. كلا، فالحديث عن الأمن ليس مقصوراً على هذا التصور البسيط، إذ الحقيقة أشد من ذلك والخطب أعظم.
بل إن المواطن نفسه – رجلاً كان أو امرأة – ينبغي أن يكون رجل أمن، ورجل الأمن ما هو إلا مواطن صِرْف.
فإذا استحضرنا هذا التصور بما فيه الكفاية، وجب علينا بعد ذلك أن نعلم شمولية الأمن، وأنه ينطلق بادي الأمر في عقيدة المجتمع، وارتباطه الوثيق بربه، والبعد عن كل ما من شأنه أن يوقع أفراده في الخوف بدل الأمن، والزعزعة بدل الاستقرار.
فأول الواجبات الأمنية : البعد عن الشرك بالله في ربوبيته، أو ألوهيته، أو حكمه، أو الكفر بدينه، أو تنحية شرعه عن واقع الحياة، أو مزاحمة شرع غير شرعه معه بالغة ما بلغت المبررات المغلوطة. (الَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الاْمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ) [الأنعام:82].
الأمن بهذه الصورة هو المطلب الأول، وهو الذي تتحقق به الصلة بالله جل وعلا، والتي بسببها يعم الأمن إرجاء المجتمعات، وتتحقق وعد الله لها بقوله: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) [النور:55]. فكان الجواب التالي لذلك (يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً) [النور:55].
والشرك هنا غير مقصور على مجرد عبادة الأصنام، كما يتصوره البعض، فيخرجون معنى هذه الآية عن صور شتى في هذه الأزمنة.
فكلمة (شَيْئاً) نكرة في سياق النهي؛ فتعم جميع صور الشرك مهما قلّت، ألا تسمعون قول الله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63].
وقد ذكر الإمام أحمد -رحمه الله -: "أن الفتنة هنا هي الشرك" .
ثم إن مما ينبغي علينا اتجاه مفهوم الأمن ألا ننحيه عن مراكز القوى في مجتمعاتنا، أو نتجاهل أثر هذه المراكز في تحقيق معنى الأمن بصورته الأساس.
فهناك ما يسمى بالأمن الغذائي، وما يسمى بالأمن الصحي الوقائي، وهناك ما يتعلق بالضوابط الأمنية في مجال التكافل الاجتماعي، وتهيئة فرص العمل والإنتاج، والقضاء على البطالة المثمرة الخلل والفوضى، إضافة إلى النواح الأمنية المنبثقة من دراسة الظواهر الأسرية وما وما يعتريها من ثقوب واهتزاز في بُنيتها التحتية، لأن الأمن بين الجنسين وبالأخص بين الزوجين هو سبب ولاشك من أسباب أمن العشيرة، وأمن العشيرة أمن للأمة، المؤلفة من العشائر، المؤلفة من الأزواج.فهذا الأمن المترابط هو الذي يتكون منه مزاج الأمة الأمني.
كما يجب علينا أن لا نغفل عما لا يقل أهمية عن ما مضى، بل إنه في هذه العصور يعد هاجساً أمنياً لكل مجتمع، ألا وهو الأمن الفكري، الأمن الفكري الذي يحمي عقول المجتمعات ويحفظها من الوقوع في الفوضى، والعَبِّ من الشهوات بنهم، أو الولوغ في أتون الانسلاخ الأخلاقي الممزق للحياء الفطري والشرعي.
الأمن الفكري – عباد الله – ينبغي أن يتوج بحفظ عنصرين عظيمين؛ ألا وهما: عنصر الفكر التعليمي، وعنصر الأمن الإعلامي، إذ يجب على الأمة من خلال هذين العنصرين ألا تقع في مزالق الانحدار والتغريب، والتي هي بدورها تطمس هوية المسلم، وتفقده توازنه الأمني والاعتزاز بتمسكه بدينه، إذ إن الأمن على العقول، لا يقل أهميته عن أمن الأرواح والأموال، فكما أن للبيوت لصوصاً ومختلسين، وللأموال كذلك؛ فإن للعقول لصوصاً ومختلسين.
بل إن لصوص العقول أشد خطراً، وأنكى جرحاً من سائر اللصوص.
فحماية التعليم بين المسلمين من أن يتسلل لِواذاً عن هويته، وحماية التعليم في إيجاد الآلية الفعالة في توفير سبل العلم النافع؛ الداعي إلى العمل الصالح، والبعد عن التبعية المقيتة، أو التقليل من شأن العلوم النافعة، والتي لها مساس أساس في حياة الأمم، من الحيثية الشرعية الدينية، التي يعرف بها المرء ربه، وواجبه المفروض عليه، أو التهوين من شأن علوم الدين أو استثقالها على النفوس، لمن شأن ذلك كله أن تضعف المجتمعات بسببه، وأن تندرس معالم الأمن الفكري فيه إبّان عصر التحكم المعرفي، والاتصالات العلمية والثقافية التي غلبت على أدوار الأسر والبيئات، التي تنشد الصلاح العام.
أما الفكر الإعلامي – عباد الله – فهو مقبض رحى المجتمعات المعاصرة، وأقنومها الأساس، به يبصر الناس وبه يغربون، به تخدم قضايا المسلمين وتنصر، وبه تطمس حقائقها وتهدر.
بالفكر الإعلامي تعرف المجتمعات الجادة من المجتمعات المستهترة، المجتمعات المثلى من المجتمعات الناكبة.
فما يكون في الفكر الإعلامي من اعتدال وكمال، يكون كمالاً في بنية الأمن الإعلامي واعتدالاً، وقرة عين لمجموع الأمة بأكملها، وما يطرأ عليه من فساد واعتلال فإنه يكون مرضاً للأمة، يوردها موارد الهلكة والتيه.
وحاصل الأمر – عباد الله – أنه ينبغي علينا جميعاً، أن ننظر إلى الحقيقة الأمنية من أوسع أبوابها، وأقرب الطرق الموصلة إليها، بل لا نُبعد النجعة إن قلنا : ينبغي على المسلمين جميعاً ألا يغفلوا جانب أسلمة الأمن الفكري.
فالإسلام هو دين السلام، (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].
ولله، ما أعظم قول النبي صلى الله عليه وسلم لعظيم الروم: " أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، أسلم تسلم" .
بارك الله لي ولكم في القران العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
قد قلت ما قلت، إن صواباً فمن الله وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفاراً.
اعلموا أن من أهم الوسائل الموصلة إلى الراحة الأمنية من كافة جوانبها، دون كلفة أو تجنيد وإعداد؛ هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم.
فإن ذلك عماد الدين الذي فضلت به أمة الإسلام على سائر الأمم، والذي يسد من خلاله خوخات كثيرة من مداخل الشر على العباد.
بالنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتكاتف الجهود، ويلم الشعث، ويرأب الصدع، وتتقى أسباب الهلاك، وتدفع البلايا عن البشر.
وبفقد ذلك أو تزعزعه من نفوس الناس، يعني بداهة حلول الفوضى، وانتشار اللامبالاة المولدة للأمن العكسي، وهو الأمن من مكر الله، (أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف:99].
بالأمر والنهي – عباد الله – يصلح المجتمع، ويقوم الفرض الكفائي الذي يسقط التبعة والإثم عن بقية المجتمع، وإلا يتحقق فينا قول الباري جل شأنه: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود:117]. ولم يقل وأهلها صالحون؛ لأن مجرد الصلاح ليس كفيلاً بالنجاة من العقوبة الإلهية الرادعة.
الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر بين المسلمين، إنما هم في الحقيقة يقومون بمهام الرسل في أقوامهم وذويهم.
فبقدر الاستجابة لنصحهم تكون الحجة والنجاة، والعكس بالعكس، (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِى أُمّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءايَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) [القصص:59].
إن انعدام النصح بين المسلمين سمة من سمات اليهود، ومعرة من معراتهم الخالدة، فقد كانت مواقفهم في الصيد يوم السبت عن طريق الحيلة مشهورة، حتى أعلن الفسقة منهم بصيده؛ فنهضت فرقة منهم ونهت عن ذلك، وجاهرت بالنهي واعتزلت، وفرقة أخرى لم تعص ولم تنه، بل قالوا للناهين: (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيدًا) [الأعراف:164].
فلما لم يستجب العاصون أخذهم الله بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون، فنص الله على نجاة الناجين بقوله: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوء) [الأعراف:165[. وسكت عن الساكتين.
روى ابن جرير بسنده عن عكرمة، قال: دخلت على ابن عباس – رضي الله عنهما – والمصحف في حجره، وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك يا ابن عباس؟ جعلني الله فداك، فقال: " هؤلاء الورقات"، وإذا هو في سورة الأعراف، فقال: "ويلك، تعرف القرية التي كانت حاضرة البحر؟ فقلت : تلك أيلة، فقال ابن عباس : لا أسمع الفرقة الثالثة ذكرت! نخاف أن نكون مثلهم، نرى فلا ننكر، فقلت: أما تسمع الله يقول: (فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ) [الأعراف:166]. فسري عنه، وكساني حلة".
إذاً ينبغي لأفراد الناس عموماً، وأهل العلم بخاصة؛ أن يقوموا بواجب النصح لمجتمعاتهم وأسرهم ومنتدياتهم، على الوجوه التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، حكمة، وموعظة حسنة، ومجادلة بالتي هي أحسن، وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
ثم إنه لا يمنع من التمادي في الوعظ والنصح والإصرار عليه عدم قبول الحق منه؛ لأنه فرض فرضه الله علينا جميعاً، قُبل أو لم يُقبل، فإن هذا هو الذي يحفظ للأمة كيانها بأمر الله، وبه تكون المعذرة إلى الله، ويكون الخروج من التبعية وسوء المغبة.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
عن "السكينة"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.