أصبح شفاءُ الأطفال من مرض السرطان ونجاتهم منه أكثرَ نجاحاً من أي وقت مضى، بفضل تطور الطب خلال السنوات ال 30 الماضية، فأصبح هناك عقاقير طبية أفضل من الناحية العلاجية وأقل في آثارها الجانبية، كما إن طرق التقليل من الآثار الجانبية تنوعت وزادت فعاليتها مما ساهم في زيادة نسب نجاح العلاج. مع ذلك كله ما زال السرطان مرضاً خطيراً، يصيب الأطفال، ويحتاج إلى فرق علاجية متخصصة من أطباء أورام وحميات، أشعة، إعادة تأهيل، وغيرهم آخرون، لضمان حصول الطفل على أفضل علاج متوفر وبأقل التأثيرات الجانبية المحتملة. ومن السرطانات الأكثر شيوعا بين الأطفال: اللوكيميا أو سرطان الدم (وهو غالبا ما يتكون في نخاع العظم)، أورام الدماغ، مرض هودجيكن، أورام ويلمس، أورام وينج اللحمية retinoblastoma_s، rhabdomyosaracoma. سرطان الأطفال * يوضح الدكتور عبد الرحيم قاري، استشاري أمراض الدم والأورام ومدير مركز قاري الطبي، أن السرطان عند الأطفال يختلف عنه عند البالغين وإن تشابهت الأسماء. وعليه، يُجري الطبيب سلسلة من الفحوص حتى يستطيع تمييز نوع السرطان عند الطفل من حيث حجم الورم، وهل هو موجود في الغدد الليمفاوية، وهل انتشر أم لا؟. ففي مرض اللوكيميا مثلا يفحص الطبيب نخاع العظم، الكبد، الطحال والعقد الليمفاوية القريبة، إضافة إلى عمل أشعة تلفزيونية، أشعة مقطعية، والتصوير بالرنين المغناطيسي حتى يصل إلى التشخيص الدقيق. عادةً ما يواجه والدا الطفل، المصاب بالسرطان، صعوبةً في اتخاذ قرار العلاج لأنهما سيكونان شركاء في محاربة السرطان، وبحاجة لطلب تفاصيل وإيضاحات من الطبيب المختص أو الفريق الطبي المعالج حول: نوع السرطان، والمرحلة التي اكتشف فيها. أنواع الفحوص التي يحتاجها الطفل. أنواع العلاجات المتوفرة، والمدة التي تحتاجها. هل سبق أن تعالج أطفال آخرون من نفس المرض؟ وما هي فرص نجاح العلاج؟ ما هو أفضل مكان يمكن أن يتلقى فيه الطفل العلاج؟ وكيف يتم ترتيب ذلك؟ ما هي الآثار الجانبية المحتملة؟ وهل هي مؤقتة أم دائمة؟ وما طرق تقليلها؟ هل سينوم الطفل في المستشفى، أم يمكن علاجه بالمنزل؟ هل يستطيع الطفل الذهاب لمدرسته؟ وهل يحتاج ذلك لترتيبات خاصة؟ ما هي الأشياء التي يجب على الطفل تجنبها؟ وهل يحتاج بعد ذلك للتطعيم ضد أمراض معينة؟ الطفل والسرطان * هل نخبر الطفل عن السرطان؟.. يعتقد البعض أن منع المعلومات عن الطفل، فيه حماية له ورحمة به من أن يعرف تفاصيل مرضه، لكن الطفل يظل يشعر أن صحته غير جيدة وأنه ليس كأقرانه في العمر، يزور الطبيب ويعاود المستشفى كثيرا. قد يكون من الصعب إخفاء المعلومات عن الطفل فقد يسمعها عن غير قصد من احد أفراد العائلة آو أحد العاملين في المستشفى، ويكون الأمر حينئذٍ مزعجا له بدرجة كبيرة. يؤكد الدكتور عبد الرحيم قاري أن إخبار الطفل عن مرضه ليس قرارا سهلا، ويظل أولاً وأخيراً قراراً شخصياً للوالدين، وتدخل فيه عوامل شخصية وعائلية ويعتمد على البيئة العامة التي يعيش فيها الطفل. وبشكل عام، الأطفال الذين يعرفون الحقيقة يكونون أكثر تعاوناً خلال العلاج. ويلاحظ أن قرار إجراء عملية جراحية للطفل يسبب له قلقاً كبيراً ويثير مخاوفه، وربما يسأل الطفل بعض الأسئلة مثل: هل سيشعر بالألم؟ وهل سيتغير شكل جسمه؟ هل سيكون تحت التخدير خلال العملية؟ وهل سيتركه الوالدان لوحده خلال العملية؟ ولا بد من تجاوز تلك المرحلة بحكمة بالغة وتوفير أجوبة مناسبة للطفل تساعده على الاستعداد للعملية كما تزيد الثقة بينه وبين والديه من جهة، وبينه وبين الفريق الطبي المعالج من جهة أخرى. العلاج بتقوية المناعة * العلاج بتقوية المناعة Immunotherapy ينطلق من كون ان الجسم يدافع عن نفسه ضد المواد والأجسام الدخيلة بواسطة نظام المناعة. ويستطيع هذا النظام التعرف على البكتيريا والفيروسات ومهاجمتها، كما يستطيع أيضا التعرف على خلايا الجسم التي طرأ عليها بعض التغيير مثل الخلايا السرطانية فيهاجمها لإنقاذ الجسم منها. ومن أنواع العلاج بتقوية المناعة ما يسمى بالعلاج البيولوجي أو الحيوي لاستغلال قدرة الجسم في مكافحة المرض، حيث تستخدم مواد تسمى بمعدلات ردة الفعل الحيوية Biological Response Modifiers (BRM). هذه المعدلات ينتجها الجسم عادة لمكافحة الأمراض بما فيها السرطان. وتحث هذه المواد أيضا الجسم على تخليص الخلايا غير سرطانية التي تكون قد تأثرت بالعلاج الكيميائي. تحديات المرض * من التحديات التي تواجه عائلة الطفل المصاب بالسرطان، كيف يمكنهم الاستمرار في إدارة أمور الحياة الأخرى بعد الصعوبات التي واجهتهم بسبب هذا المرض، حيث تبدأ معاناتهم بالآم نفسية قاسية عند بداية اكتشاف السرطان لدى الطفل، وعند تنويمه في المستشفى ثم عند تعرضه للآثار الجانبية للعلاج. وحتى بعد أن ينجح العلاج، يظل السرطان مؤثراً على كل عضو من أعضاء العائلة الذين تتغير طريقة حياتهم، خاصة القريبين منهم للطفل. إن هذا الطفل ما زال كغيره من الأطفال، لديه نفس الاحتياجات التي لدى الأطفال الآخرين، أن يذهب إلى المدرسة، أن يكون لديه أصدقاء، أن يتمتع بالأشياء والألعاب التي كان يتمتع بها قبل المرض، ولا بد أن يعيش كما اعتاد أن يكون من قبل. كل ذلك يسبب له قلقاً، خاصة حول كيفية عودته إلى المدرسة، وكيف تكون ردة فعل زملائه وأصدقائه بعد غيابه الطويل عنهم وعن الدراسة. ويزداد القلق إذا كان قد تعرض لبعض التغيرات مثل فقدان الشعر أو أحد الأطراف. وعادة، يتقبل الأطفال الآخرون ذلك الوضع من زميلهم، لكن تبقى لديهم الكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات مقنعة حول ماهية المرض الذي تعرض له زميلهم، وهل هذا المرض معد؟ وهل يمكن أن يصابوا هم أيضاً مثله. إن أمهات وآباء الأطفال المصابين بالسرطان ليسوا لوحدهم مع هذه المشكلة، فالفريق المعالج والاختصاصي الاجتماعي والاختصاصي النفسي ومجموعات الدعم، المكونة من آباء وأمهات أطفال آخرين أصيبوا بنفس المرض أو ما شابهه، يقومون بتقديم كافة المساعدات التي يحتاجونها لاجتياز هذه المحنة وهذا البلاء، إلى أن يعود الطفل ثانية لمجتمعه وبيئته بكل ثقة وثبات. ش.أ