حملت الحاجة حليمة هموم اثنين وسبعين عاما وما احتوته هذه السنين من هزائم عسكرية وهزائم نفسية كرسها الحكام العرب.. كانت خطواتها ثقيلة جدا بحكم سنها، لكن تلك الخطوات أصبحت أكثر قوة وتهز الأرض تحتها واعترتها رشاقة الشباب وهي تحمل الدجاجتين وسلة البيض.. كان فكرها مزدحما بالكثير من الأسئلة.. هل تستطيع أن تصل إلى مركز التبرع؟.. هل ستُقبل تبرعاتها؟.. هل ستصل إلى أيدي مقاتلي حزب الله؟ لم يتبادر إلى ذهنها لحظة واحدة إن هذه الحرب كسابقاتها لقد كانت متيقنة بالنصر.. أطلقت سيلا من الشتائم على الحكام العرب وبالأخص من فوض إسرائيل ضرب لبنان.. ظنّها البعض إنها مجنونة وهي تحدث نفسها بصوت عال: "اليوم يومكم أيها الشجعان.. أخذتم بثأر حزيران وأيلول وتشرين وكل أسماء نكساتنا.. لعن الله من زرع في قلوبنا الخوف و الهزيمة.. نحن الآن أقوياء ومنتصرون.. ها هو عدونا الذي صوره لنا قادتنا بالمارد الجبار بدا أمام رجالنا فأرا مختبئا في جحره لا يقوى حتى على رفع رأسه أمام ضربات مقاتلينا الشجعان". صاحت بصوت عال أمام مركز التبرع : "انه يوم النصر" .. فردد من حولها الهتاف: "انه يوم النصر". ماذا ستفعل هاتان الدجاجتان لمقاتلينا؟ لعل الدجاجتان ستكونان وجبة لبعض المقاتلين.. ولكن هذا كل ما املك.. آه لو كنت املك أكثر من هذا.. حين رأت الحشود في مركز التبرع علمت بان هناك رسالة يحملها هذا الحشد.. رسالة إلى حكام متخاذلين يقول هذا الحشد: بعتم أيها المتخاذلون كرامتنا، بعتم لبنان بثمن بخس لكننا سنستردها برجالنا وأموالنا دون الحاجة إليكم!! عادت العجوز إلى بيتها الذي انحنى إجلالا لها.. تجمعت حولها نسوة الحارة ليعرفن منها تفاصيل رحلتها، فرأين ملامح الفخر والاعتزاز في وجه حليمة! تعالت الزغاريد وهتافات النصر.. اقتربت أحدى النساء من الحاجة حليمة وهمست في أذنها.. صاحت حليمة بأعلى صوتها : أنه النصر المؤكد - أيتها النسوة ..! بعد قليل انتشر خبر الشاب السعودي الذي تحدى إعاقته وحكامه ودخل إلى مركز التبرع حيث تبرع بكرسيه وخرج زاحفا على بطنه وسط دهشة كل المتبرعين. خلدت حليمة إلى نوم عميق بعد ليلة من الأرق الثقيل.. قامت لصلاة الفجر .. بعدها رددت مقطع من قصيدة قرأها لها حفيدها ذات يوم: في ليلة ما .. دقت الأنخاب بالأنخاب وقالوا أبصم .. برغم الجوع .. قالوا أبصم بلسانك فوق النار - قلت أبصم .. لا .. لن أخونك يا وطني .. أفكك لغز السرية يا وطني جئت أدوس ذيول الكلبة فلتنبح "لندن" سخطاً أمطر فوق التمثال الحر أمسح أوساخا خانت يا وطني جئت أعري تعبي جئت أجود بروحي فوق ثراك الطاهر يا وطني ماذا في الجعبة يا حرس البترول .. أما آن خلاص الأمة؟ سأفليكم رأسا رأسا "وأقصع" قمل خيانتكم أتغلغل فيكم حد الأشياء الدبقة سأفتشكم وأفتش حتى النطفة "وأقي" السم عليكم يا عربا حرساً كي أقطع نسل خيانتكم. أعترف الآن بأني مسموم منكم يا أحفاد "سلول" أرقتم بلدي أتعبتم بلدي ماذا تبغي الدول الكبرى؟ ماذا يبغي عقال في الشدة داس الشرفا ؟ ماذا يعني عربي فوق ترابي يشهر نسبه ماذا تعني غرف التشريح على رقبة؟ أنتم سيل سموم البحر أنتم قيح التاريخ يا أحفاد "سلول" يا حرساً عرباً