الأخبار الأخيرة ليست جيدة حول تأثيرات التعرض لأشعة الشمس، إذ وفق ما ذكره اخيرا مركز السيطرة على الأمراض بالولاياتالمتحدة، فإن دراسات المسح الاحصائي لا تزال تشير الى أن نسب الإصابة بسرطان الجلد لا تزال في معدل متصاعد، يبلغ 3% كل سنة منذ ثمانينات القرن الماضي، وسنوياً يتوفى أكثر من 8 آلاف في الولاياتالمتحدة فقط بسببه. في حين أشارت نشرات منظمة الصحة العالمية الصادرة قبل أسبوعين بأن أشعة الشمس سبب مباشر في وفاة ما يربو على 60 ألف شخص سنوياً نتيجة سرطان الجلد، 90% منها بسبب التعرض للأشعة فوق البنفسجية وحدها. ومع سماح وكالة الغذاء والدواء الأميركية في الرابع والعشرين من الشهر الماضي بتسويق وإنتاج نوع جديد من مستحضرات وقاية البشرة من أشعة الشمس ممن تتجاوز معدلات قوة المواد فيها درجة 15 وفق المعيار الخاص لتقويم قوة المستحضرات هذه، فإن الوكالة أكدت بعبارة صريحة ضرورة عدم الاعتماد عليها، إذ قالت انه وبالرغم من أن استخدام مستحضرات وقاية البشرة من أشعة الشمس هي إستراتيجية مهمة للحماية إلا أنها، أي الوكالة، تستمر في نصح الناس، بالإضافة الى استخدام المستحضرات، وقاية أنفسهم من التعرض المباشر لأشعة الشمس وتقليل وقت ذلك وارتداء ملابس تحمي منها. والواقع أن كثيراً من المصادر الطبية لا يزال يُبدي تساؤلاته حول فاعلية مستحضرات الوقاية من تأثيرات الأشعة فوق البنفسجية في حماية الإنسان من الإصابة بسرطان الجلد، الأمر الذي يقرأه الكثير من المراقبين الطبيين على أنه تعبير عن أكثر من مجرد شكوك، بل يصل الى حد التحذيرات من إهمال التقليل من كثرة التعرض للشمس في الصيف اعتماداً على استخدام تلك الكريمات فقط. وتتسم مقولات الخبراء هؤلاء بالإشارة الى أن الناس يُقدرون بايجابية عالية وغير واقعية فاعلية تلك المستحضرات. وفوق هذا لا يستخدمونها بالطريقة التي تنصح بها كثير من الهيئات الطبية للوقاية من تأثيرات أشعة الشمس على الجلد. * الوقاية من الشمس * والإشكالية ليست في مستحضرات وقاية البشرة من أشعة الشمس بقدر ما هي في فهم الناس لفاعليتها وسلوكهم حيال التعرض لأشعة الشمس او استخدامها، وإلا فإن توفر هذه المستحضرات بصفة عامة لا شك أنه أفاد كثيراً من انتشار موجات وبائية لسرطان الجلد في مجتمعات العالم كافة. وأحد أهم الأخطاء هو الاعتقاد بأن كل ما يجب على الإنسان فعله هو استخدامها. والأمر الآخر هو الاعتقاد بأنه كلما ارتفع مقدار قوة المواد فيه وفق معيار تقويم قوتها، كان بالإمكان البقاء لمدة أطول تحت أشعة الشمس الحارقة استمتاعاً بها واستمتاعاً بفائدة الكريم المُضاعفة! والملاحظ حول هذه النقطة بالذات هو أن وكالة الغذاء والدواء الأميركية أصبحت لا تسمح للمنتجين للمستحضرات إلا بالكتابة على المستحضرات قيمة القوة الى حد 30 أو كتابة أعلى من 30 فقط، دون تحديد أرقام أكبر. والسبب أن كتابة أرقام أكبر، وإن كان صحيحاً، قد يُسهم في تضليل المستخدم واعتقاده بأن له أن يظل تحت أشعة الشمس مدة طويلة طالما استخدمها. ومن المهم ملاحظة أن مُصطلح عامل الوقاية من الشمس Sun Protection Factor «SPF» هو معيار يُستخدم في المختبرات. وطوره العلماء لتمكينهم من قياس المدة الزمنية التي تستغرقها الأشعة فوق البنفسجية في حرق الجلد حينما يتعرض لها. وهو ما يختلف عن الواقع عند تعرض جلد كل إنسان لمقادير مختلفة من أشعة الشمس. أي بمعنى أن ما ينطبق في المختبرات على جلد بعض من الناس ليس بالضرورة مساوياً لجلد أناس آخرين، خاصة عند التعرض لكميات مختلفة من الأشعة فوق البنفسجية للشمس. * مدة الحماية * وكتطبيق واقعي وعلمي على هذا الكلام، فإن الإنسان عملياً يستطيع أن يُحدد المدة الزمنية اللازمة لكي يبدأ احتراق الجلد لديه وظهور أولى علامات ذلك وهي الاحمرار. ولو قلنا أن 10 دقائق هي المدة اللازمة لإنسان ما كي يحترق جلده بأشعة الشمس، فإن استخدام هذا الإنسان لكريم بقوة 30 مثلاً يعني أن بإمكانه البقاء تحت أشعة الشمس لمدة 300 دقيقة قبل بدء ظهور الاحتراق على جلده. والواقع من خبرة الناس ومما تقوله تجارب العلماء فإن الحقيقة ليست كذلك، إذْ ان البعض ربما يحترق جلده قبل إتمام المدة تلك بمراحل. الأمر الذي علق عليه اخيرا الدكتور هنري ليم، رئيس قسم الأمراض الجلدية بمستشفى هنري فورد في ديترويت بولاية متشغن الأميركية قائلاً: إن هذا هو الكلام النظري، لكن على أرض الواقع فإن قوة عامل الوقاية من الشمس تتلاشى بسرعة مع مجرد التدليك، لنشر الكريم على الجلد، أو بفعل العرق، أو التعرض للماء. لذا فإن الحماية التي ستحصل عليها قد لا تتجاوز ساعة. أي أنه يقول بأن المدة الزمنية التي سيحصل الإنسان على وقاية فيها هي في الغالب 20% فقط! * تقييم الحماية * والجانب الآخر الذي تتحدث الأوساط الطبية عنه بخصوص عامل الوقاية من الشمس، هو أن اختبارات الشركات المنتجة لهذه الكريمات، وإن كانت صادقة لا يتهمها أحد بأي زيف فيها، مبنية على استخدام الكريمات بوضع كميات عالية منها على الجلد، فوق تلك الكمية التي يستخدمها الناس عادة والتي يُفضل الكثيرون. أي أن لا تبدو على أجسامهم طبقة بيضاء واضحة من الكريم لأسباب بعضها مفهوم والبعض الآخر غير مفهوم، لكنها كلها غير منطقية، لأن المنطق يقول بأن من يريد استخدام شيء ابتغاء فائدة ثابتة أو محتملة له، فإن عليه أن يقوم بذلك وفق ما تمت عليه الاختبارات عند إثبات تلك الفائدة. ولذا فإن النتيجة هي أن الاستخدام غير الكافي من الكريم يعني بداهة الحصول على حماية هي أقل بكثير مما هو مكتوب على عبوات تلك الكريمات. والمشكلة الأكبر حتى اليوم هي أن العلماء لم يُطوروا أية طريقة مثالية كمعيار للوقاية من الأشعة فوق البنفسجية، وما هو مكتوب على عبوات الكريمات هو مقدار ما تسمح عبوره هذه الكريمات من أشعة فوق بنفسجية. وهناك فارق جلي بين الأمرين، بين مجرد الإخبار عن مقدار ما يخترق من أشعة قبل احتراق الجلد وبين معيار للكمية الآمنة أصلاً من الأشعة فوق البنفسجية في الوصول الى الجلد. وبالإضافة الى هذا نحن بحاجة الى ما يحمي من مظاهر الشيخوخة على الجلد بفعل الأشعة الشمسية، وأيضاً ما يقي من أنواع الأشعة الأخرى في حزمة أشعة الشمس، خاصة منها أنواع الأشعة المسببة للسرطان. * مدى الاستخدام * بالرغم من كل ما تقدم كجوانب قصور في فهم فاعلية كريمات حماية الجلد من أشعة الشمس، وبالرغم من كل الجهود الطبية في النصح باستخدامها كاحدى الوسائل المتاحة لتحقيق ذلك، وبالرغم من توفر مستحضرات متنوعة منها بالأسواق، إلا ان الاستخدام الفعلي لها لا يزال ضئيلاً جداً. ما يعني أن الرسالة لم تصل بشكل جيد للناس. وكلام الباحثين، كما تقدم، هو للتوجيه نحو استخدامها بطريقة أكثر فائدة. إلا أنه حديث دون معنى طالما أن قلة من الناس تستخدمها، والغالبية لا تُفكر فيها أصلاً، والأهم أن الغالبية لا تزال تعتقد بأن استخدامها هو فقط عند السباحة وليس أي حالة قد يكون الإنسان معرضاً فيها لأشعة الشمس بشكل غير معتاد. ومما قد لا يحتاج الى تعليق هو نتائج الدراسات الإحصائية لمركز السيطرة على الأمراض في الولاياتالمتحدة، حيث تقول إن واحداً من سبعة طلاب، من الجنسين، في الثانوية «أي حوالي 14%» فقط، ذكر أنه استخدم كريما لحماية الجلد من الأشعة الشمسية حينما يحصل وأن يكون معرضاً لها لمدة تزيد عن ساعة في يوم مشمس! * مثبتات كيميائية وعناصر غذائية للحماية من أضرار أشعة الشمس وافقت وكالة الغذاء والدواء الأميركية قبل أقل من شهر على مُنتج جديد للوقاية من تأثيرات أشعة الشمس على البشرة، خاصة منع تأثرها بالأشعة فوق البنفسجية. ويجمع المستحضر الجديد ثلاثة أنواع من المواد الكيميائية الفاعلة في الحماية من الأشعة فوق البنفسجية، وهي إكمسيول Ecamsule وأفوبينزونAvobenzone وأوكتوكرايلين octocrylene. ومادة إكمسيول هي فئة جديدة من المواد المصفية لنفاذ الأشعة فوق البنفسجية. وتمتاز بأنها مادة أكثر ثباتاً لا تتفتت عند التعرض لضوء الشمس، ما يعني إطالة مدة الحماية المفترضة. كما وتمتاز المادتان الأخريان بأنهما فاعلتان وثابتتان الى حد جيد. مما يُعطي المستحضر قوة بمقدار 15 وفق معيار عامل الحماية من الشمس كما تقول الوكالة في موقعها الإلكتروني. وتمثل التركيبة الجديدة إحدى المحاولات المستمرة، من شركات عدة، في توفير مستحضرات تمتاز بدرجات أعلى من الوقاية. لكن ليس عبر استخدام مواد ذات مقدار أعلى من قوة عامل الوقاية من الشمس، بل بإضافة مركبات تمنح نوعاً من الثبات للمواد المستحضرة كي تظل ذات مفعول واق لمدة أطول نسبياً، دون أن تتأثر بعوامل رطوبة الماء أو العرق، أو التعرض للضوء أو بالتدليك. وهناك محاولات من جوانب أخرى تبحث في دور العناصر الغذائية في الوقاية من تأثيرات أشعة الشمس، أحدثها ربما هو الدراسات حول الشوكولاتة. هذا بالإضافة الى المواد المضادة للأكسدة في المنتجات الغذائية النباتية الأخرى، وفيتامينات سي وإي. والنظرية المطروحة حولها هي أن المواد المضادة للأكسدة تمنع من تكوين المواد المُسماة بالجذور الحرة بفعل الأشعة فوق البنفسجية في خلايا الجلد، والتي تعزو المصادر الطبية أدواراً هامة إليها في نشوء سرطان الجلد. والأمل هو أن يتمكن العلماء من إنتاج حبوب دوائية يتناولها المرء قبل الذهاب للاستمتاع بشمس شاطئ البحر، لتعمل على وقايته منها. والحقيقة أنه يُوجد في الأسواق أنواع من الحبوب المحتوية على خُلاصات نباتية للوقاية من أشعة الشمس، لكن الدراسات الطبية حول فاعليتها محدودة جداً ولا يُمكن النصح بها تحديداً على أمل الاستفادة منها بشكل ثابت. وكالات