إذا ما صادفت أي قريب أو صديق وبدأتم بتبادل التهاني بخواتم شهر رمضان المبارك، سرعان ما يجركما الحديث باستغراب سرعة مرور أيام شهر رمضان المبارك، وكأنه بدأ قبل يومين أو ثلاثة ولا يعقل أنه انقضى أكثر من ثلاثة وعشرين يوماً من هذا الشهر الكريم. ومثل ذلك عندما يقدم علينا هذا الشهر الكريم كل عام نعلق ونقول: سبحان الله كيف تمر السنة وكأن رمضان الماضي كان قبل شهرين أو ثلاثة. الواقع أن الوقت هو الوقت والزمن هو الزمن والأشهر هي الأشهر وكذلك السنين، فالله سبحانه وتعالى يسيَّر هذا الكون بنظام متناهٍ من يوم الخلق إلى أن تقوم الساعة، ولكن الشعور بمرور الوقت بهذه السرعة "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك" هو تعبير عن خلل في العلاقة بين الانسان والزمن وسببها الإنسان بكل تأكيد ، وهذا يعود إلى سوء استغلال الوقت، بمعنى آخر عدم التخطيط لتنظيم الوقت، وهذا يكشف أننا كمسلمين لم نستفد من الحكمة الإلهية في تنظيم الكون ولم نجسد هذه الحكمة في سلوكنا وتصرفاتنا وتعاملنا مع الوقت، فنمضي الكثير من الأيام والأشهر والسنين دون أن نضيف أي أعمال مميزة كأفراد وأسر ومجتمعات ودول، وهذا ما يجعلنا نستغرب تآكل الوقت والزمن من حياتنا بهذه السرعة، ولو أن هناك إنجازاً وتقدماً ذاتياً وجماعياً في حياتنا لأدركنا أن الوقت أتاح لنا تقديم هذه الأشياء التي تعيننا اليوم في أمورنا الخاصة والعامة وأن الأيام القادمة سنعمل بها أشياء جديدة وإضافات هامة لحاضرنا ومستقبلنا. وما يجعلنا نتذكر ونتحسر على مرور الوقت بهذه السرعة من حياتنا كلما أقبل علينا أو ودعنا شهر رمضان المبارك هو أننا نحب ونسعد بهذا الشهر الكريم فيفرض علينا استشعار الزمن الذي نحسبه قصيراً بينما هو لايختلف عن الشهور الأخرى، فنهمل هذه الحسابات وهذه القيمة للزمن ونجعل أيامنا تمضي عبثاً وسط الضجيج والنوم ولعك الكلام والجدل في السياسية ومتابعة أخبار العالم الكئيبة والقضايا المستعصية المرحَّلة من عام إلى عام ومفاجآت الأحداث التي تهب على منطقتنا العربية التي أنتجت القتل والتدمير وإذكاء الضغائن والأحقاد والفتن بين الشعوب والدول ، ويضاف إلى كل ذلك الهجوم الكاسح الذي يهب من القنوات الفضائية على عقول وعواطف وأسماع وأبصار الإنسان، فسلبت إرادته وأقصت عقله كإنسان يفكر ويخطط ويطمح ويحلم ويأمل، وأثنت عزيمته من أن يضيف الجديد ويشهر نفسه كفرد بقدرات إبداعية وإنتاجية، وساد شعور أن كل شيء يعد ويصنع وينجز بطرق خالية من قيم النظام والجهد الفردي. والاستسلام لهذه الثقافة هي التي جعلت شبابنا بعيدين عن وسائل وأساليب التأهيل الذاتي، وهذه الثقافة أيضاً ميَّعت عند مثل هؤلاء أهمية الوقت وتنظيمه، والنتيجة وقوع مثل هؤلاء في الضياع وهؤلاء بالتحديد الذين يكتشفون أن حياتهم مرَّت دون الاستمتاع بقيمتها ودون تذكر لأشياء عملوها (ففاقد الشيء لايعطيه).