من أرض الجنتين.. إلى بلاد الرافدين. هذه تحايا الإعزاز والإكبار.. يلازمها كل حُب وإجلال أحفاد ذي يزن والفاتحين. لأطفال.. تعلّم العالم من أجدادهم القدامى كيفية الإمساك بالقلم.. ورسم الحروف. إلى نساء ماجدات يُذّكرْنَ بأول من وقفن خلف العظماء.. ليصنعوا حضارة.. ويرفعوا راية مجد لا تغرب شمسه. إلى رجال سجد التاريخ في مرابعهم.. كلما أنجبت عظيماً من أولي البأس.. من «بخت نصّر».. إلى من لبى استغاثة «وامعتصماه». رجال علّموا الناس منذ عصر «حمورابي» وضع القوانين.. وحماية الحقوق، وأن العين بالعين.. والسن بالسن. هذه تحايانا وإكبارنا لكم في العراق العظيم.. بكل ما فيه.. ونحن نودع شهراً كتب الله علينا صيامه.. لتجديد تكويننا النفسي على الصبر والجلد.. وجهاد النفس.. كما نجاهد في سبيل الله.. وعزة الأوطان التي تجري في دمائنا.. عرباً ومسلمين. بكم يا أشقاءنا -نشامى وماجدات- كبرنا في الوطن العربي.. كما تكبر الشعوب بقادتها الكبار. من خلالكم -أيها الصامدون- تجلّى للجميع كيف يدفع الله الباطل بالحق.. وإن العزم والإصرار في النفوس كالإيمان لا يتغير بالمتحولات والمستجدات.. الهادفة إلى صب العالم في قوالب رغبات أصحابها.. وان كانوا في مصاف الدول العظمى.. أو القطب الذي لا ثاني.. أو لا شريك له. ها هو الاحتلال يتعلم منكم الكثير من الدروس والعبر.. ويترسخ في يقينه -وإن كابر- أن الديمقراطية ليست عملاً تبشيرياً في أوساط من يعيشون في بدائياتهم بلا جذور ثقافية وحضارية. تعلم منكم خطأ الاعتقاد أن الديمقراطية عصفور ملون في راحته.. وأن الفردية والدكتاتورية حجر إرهاب في يد الغير.. وأن عليه أن يرجم الحجر بالعصفور.. متناسياً أن النتيجة واحدة.. أي أن يرجم العصفور بالحجر كمن يرجم الحجر بالعصفور.. الذي يموت في كلا الحالتين. إن الاحتلال للعراق.. لم يأت بالديمقراطية -الأنموذج-.. ولم يرفع ظلماً تذرع برفعه.. ولم يُحقق عدلاً.. أو أمناً. إنه قد أساء إلى الديمقراطية.. بل قتلها في عيون الشعوب.. ووضع في كل يد حجراً.. بعد أن زرع في النفوس الرغبة في الانتقام لأرواح تزهق.. ودماء تُراق بدون حق.. وبيت يحترق أمام أعين أصحابه.. وجثث تتناثر في شوارع المدن والأرياف بالعشرات. هل آن للاحتلال أن يتعلم منكم في العراق أي خطأ فادح أوقعه فيه «حكماء» دفعوا به للحرب بالنيابة.. وكيف تحولت واحة الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان إلى دولة احتلال.. وصار لها جيش محتل.. يدفع ثمن احتلاله من أرواح أبنائه.. وكيف صارت هناك دولة استعمارية جديدة في عصر يشهد فيه العالم تصفية ما تبقى من أية ملامح استعمارية.. لقد وقع الاحتلال في الشر الذي يحاول أن يخلق له محاور.. بل أنه واقع بين شرين.. لا يدري أيهما أهون. هل يختار شر البقاء في العراق؟ أم يختار الشر الذي لا بد منه.. وهو الانسحاب..؟ لإنقاذ قواته.. والمال والسمعة.. وما يهدر كل يوم في أرض العراق.. أما آن للاحتلال أن يصحو من وهم الإلهام.. ويتجه نحو انقاذ السمعة وتوفير المال.. والحفاظ على جيش يغرق في رمال العراق. أما آن له أن يبتعد عن الظهور بمظهر من يسير بثقة النيام إلى المهالك.. أو كمن عصب عينيه بغرور القوة.. والمال والغطرسة..؟ هناك حقيقة واحدة.. هي أن على الاحتلال أن يمد يده إلى أحد الكأسين.. وان كان أحلاهما مراً.. فهناك شر.. وهناك شر لا بد منه. هناك جرائم لا تغتفر وممارسات لا يقبل بها منطق.. وعلى المحتل أن يشرع.. ويبدأ الرحيل.. وأن يدرك أنه في كل يوم يتكبد الهزيمة تلو الهزيمة.. في عراق الرافدين والصمود.. الذي لا تخيفه الذئاب والوحوش.. مهما كشرت عن أنيابها.. وأوغلت في حقدها وانتقامها.. والحقيقة.. الأهم: إن القرود دائما عورتها مكشوفة ولا تستطيع أن تسترها.. فالرحيل.. الرحيل.. قبل أن يفوت الأوان.