ينعقد مؤتمر المانحين لليمن في لندن بعد أيام قلائل للبحث في توفير مبلغ 48 مليار دولار لرفع مستوى اليمن إدارياً، واقتصادياً وعلمياً وصحياً وتأهيل البنية التحتية اليمنية، وكان هذا بنداً من بنود مؤتمر قمة دول مجلس التعاون الخليجي الذي عقد في أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة مؤخراً، وهو أيضاً جزءاً من البرنامج الانتخابي للأخ الرئيس علي عبد الله صالح. ولا شك إن لدول الخليج العربية الدور الأكبر وخاصة الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية في هذا المؤتمر لما تتمتع به من ثقة لدى الدول المانحة والتي بالتأكيد سينعكس هذا ايجابياً لصالح اليمن إن شاء الله تعالى مما يعجل في عملية انضمام اليمن إلى مصفوفة دول مجلس التعاون الخليجي وينقل اليمن من مرحلة الجوار إلى مرحلة الشراكة الحقيقة ، والاندماج مع شعوب دول الخليج العربية والذي سيجعل مجلس التعاون الخليجي أكثر قوةً واكبر تأثير إقليمياً ودولياً بعد انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي كون اليمن تتمتع بالكثافة السكانية والموقع الجغرافي الإستراتيجي، والسياسي وتعد اليمن العمق الإستراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي. إن انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي فيه فائدة لليمن وللخليج معاً ولن تكون اليمن هي المستفيدة الوحيدة من هذا التجمع - كما يظن البعض خطاءً - فدول الخليج العربية اليوم هي بحاجة لوجود اليمن في مصفوفة مجلس التعاون الخليجي أكثر من أي وقت مضى في ظل التكتلات السياسية الإقليمية والدولية؛ وما يجري في العراق لهو اكبر دليل على ما نقول.بالإضافة إلى الدور الإيراني المتنامي في العراق وبعض دول المنطقة خاصة وان دولة الإمارات العربية لا تزال أراضيها محتلة من قبل جمهورية إيران الإسلامية، وما يجري في فلسطين أيضاً مقلقاً لدول مجلس التعاون الخليجي. نعم، ينعقد المؤتمر في لندن وقلوب اليمنيين وعقولهم وعيونهم متجهة إليه متسائلين ماذا ستكون نتائج المؤتمر؟ وهل هذا المؤتمر هو الفرصة الأخيرة لليمنيين كي يتغير وجه الحياة لديهم ؟ وهل ستعود البسمة إلى شفاه أطفالنا وشبابنا وننعم بالحياة كغيرنا من شعوب المنطقة؟ اليمن أثبتت للعالم أنها دولة ديمقراطية وشعبها ديمقراطي يعشق الديمقراطية ويحكم ويحتكم إلى مبدأ الشورى التي ورثها من أجداده عبر التاريخ وها نحن اليوم نفتخر بما حققناه في 20سبتمبر 2006م عندما افشل شعبنا رهان الخاسرين وقال: نعم للحياة الكريمة، نعم للتنمية، نعم للجوار الحسن، نعم للأمن للجميع، نعم للشراكة مع إخواننا في دول مجلس التعاون الخليجي..لا للتفرقة والتشرذم ولا وألف لا للإذلال والغطرسة..! ولكن نعود ونتساءل قبل كل شيء ماذا اعددنا لهذا المؤتمر ؟ وما هو المطلوب منا كيمنيين إن نقدمه بهذا المؤتمر.. ؟ هذا السؤال يدور على السنة أبناء اليمن في الداخل والخارج مؤيدين للنظام ومعارضين له. هل نستطيع فعلاً القضاء على إخطبوط الفساد؟ وهل باستطاعتنا استئصال هذا السرطان المنتشر في مفاصل الدولة والمجتمع ؟ وهل الحرب التي أعلنها على الفساد فارس اليمن الأخ الرئيس علي عبد الله صالح ستنتصر حتماً على الفساد؟ نعم، إننا بحاجة اليوم إلى زرع الثقة في أنفسنا أولا، وبدولتنا وقيادتنا السياسية ثانياً، وعلينا إن نجبر العالم أن يثق بنا وان يعترف بنزهاتنا وصدقنا وجديتنا في تغيير حياتنا وأسلوب إدارتنا للحياة. نحنُ لسنا شعباً جاهلاً كما يصفنا أعداؤنا، ولسنا شعباً خاملاً كسولاً.. فنحنُ - كيمنيين - منذُ فجر التاريخ ندير تجارة نصف العالم، وساهمنا في أعمار الدول التي أقمنا فيها وكان الفضل بعد الله تعالى إلى أبناء اليمن في إحداث التطور في العديد من الدول.. ومن هنا نقول: لماذا نأتي إلى اليمن وتضيع كل قدراتنا ومفهومياتنا للحياة؟ ولماذا ننجح في الغربة ونفشل في الوطن؟ فهل الخلل في الأفراد أم في النظام؟ أم هو في القوانين التي نتعامل معها في وطننا؟ ونحنُ معشر اليمنيين لسنا متسولين ولا مُسْتَجْدِيين أيادي الآخرين.. نحنُ نحب إن نأكلُ من فوق الرؤوس لا من تحت الأقدام.. إذاً أين هو الخلل.؟ تهريب أطفال وبيعهم في سوق النخاسة، وتسلل إلى دول الجوار، وتسول في الغربة وفي الوطن. إذن أين الخلل هل هو في الفرد أم في النظام؟ أم في الضمير الميت ..؟؟ بالأمس كنتُ بنقاشٍ مع أخ عزيز عاد يوم العيد إلى بلاد الاغتراب من صنعاء الحبيبة فسألته مستنكراً علية عودته فقلت له: لماذا تركت العيد في صنعاء الجميلة وعدت إلى بلاد الإغتراب؟ وزيادةً في التوضيح هو ليس مغترباً بالضبط ولكنه متردداً على بلاد الإغتراب فلديه استثمارات هنا وهناك، ولكن ماذا كان رده على سؤالي؟ هنا بيت القصيد!! قال: العيد هو العيد في أي مكانٍ، ولكن العيد الحقيقي حيث تجد الاستقرار النفسي والابتعاد عن المشنجات للأعصاب. صنعاء جميلةٌ في كلِ شيء عدا ذلك المنظر السيئ في الإشارات والجولات والتقاطعات حيث يقابلك جيشاً من المتسولين، ومن فئات عمرية مختلفة.. قالها والدمعة تكاد تسيل من عينية !! ماذا يعني كلامه هذا ؟ نعم، أن الفقر عندنا يزداد يوماً بعد يوم، وكذلك الغناء الفاحش الناتج عن الثراء الغير مشروع أيضاً يزداد يوماً بعد يوم . نظريتين متناقضتين تماماً: غناء وإثراء فاحش وغير مشروع يقابله فقر مدقع وجوع أيضا غير مشروع. نعم، الغناء والإثراء غير المشروع تتمتع به الفئة المتنفذة في الدولة والمجتمع ممن يسطون على أقوات أفراد الأمة ويصادرون مقدراتها فيستولون على مئات الملايين من الدولارات من خزينة الأموال العامة أو من أموال الشعب وبطرق مختلفة- تعددت الطرق والنهب واحد. والفقراء هم الشريحة العظمى من أبناء الشعب اليمني..كل هذا نتيجة لسيطرة العدو الأكبر للشعب اليمني - انه الفساد بأم عينية، المستشري في مفاصل الدولة والمجتمع على حد سواء. هذا مرض قد أصابنا ولابد لنا إن نعترف بوجوده فلا داعي للمكابرة ومغالطة النفس. فلا تأخذنا العزة بالإثم ولا تعمى قلوبنا وتتحجر عقولنا عن رؤية الحقيقة المرة التي نعيشها والماثلة أمام أعيننا، وإذا اعترفنا بالحقيقة أكيد سنجد العلاج للمرض والوقاية منه. فلسان حال المفسدين تقول: أنت موظف حكومي كنت مدنياً أو عسكرياً فأنت محظوظ ومستقبل أبنائك الوظيفي والتعليمي وأيضاً المادي مضمون. فما عليك إلا التكاثر بالإنجاب ونحنُ علينا التكفل بكل شيء فإن كنت مديراً فولدك مديراً بالفطرة؛ وإن كنت ضابطاً فولدك أيضاً سيكون ضابطاً بالفطرة ، وبمجرد تقديمك لشهادة الميلاد التي تثبت أنه مولوداً ذكراً بعد ولادته مباشرةً - هذا هو منطقهم بألسنتهم !!! فهل من يقطع ألسنتهم، ويعيد للنظام والشرع هيبته، وللقانون احترامه؟ نعم، هذا هو حال وضعنا في بلاد الحضارة والتاريخ والأصالة والنسب، فلا مجال للكفاءات العلمية والشهادات العليا فالمراكز تحجز مسبقاً وبمجرد إن تكون زوجة المسئول الفلاني حاملاً فما عليه إلا الانتظار حتى تلد لكي يتحدد نوع الوليد هل هو ذكراً أم أنثى؟ وعلى ضوء ذلك تتحدد الوظيفة ويصرف له راتبها فوراً ؟ صحيح إن نظرية صرف الراتب منذُ الولادة معمول به في بعض دول الخليج العربي ولكنها تطبق على جميع فئات الشعب وبعيداً عن الوظيفة الحكومية. فالوظيفة الحكومية عندهم مقدسة ويحرم المساس بها أو التلاعب بالدرجات الوظيفية، ولا يجوز إن تمنح إلا لذوي المؤهلات العلمية والكفاءات ومبدأ المساواة بين المواطنين، ولا يستلم راتب الوظيفة إلا من زاولها فعلاً لا وهماً. أعزائي: نحن بحاجة إلى مراجعة أنفسنا وضمائرنا أولاً؛ وزرع الثقة في أنفسنا قبل إن نزرعها في نفوس الآخرين يقول: المثل اليمني{لن يحك جلدك مثل ظفرك} والمانحين وغير المانحين لن يفيدونا ولن ينفعوا اليمن بشي ما لم نغير ما بأنفسنا ونطهر قلوبنا وتصحي ضمائرنا، ونلتزم بمعيار العدالة والمساواة في الوطنية والوظيفة بين الجميع وأن نحكم معيار الكفاءات العلمية في الوظيفة العامة. وعلينا أن نعيد النظر في التركيبة الوظيفية في كل مرافق الدولة المدنية والعسكرية. وعلينا إلا نقحم الجيش والأمن في كل خلافاتنا السياسية فالجيش اليمني هو جيش اليمن كلها ويجب إن يكون بعيداً عن الفساد وطاهراً من غبار التزلف والمجاملة. ووظيفة الوراثة ، أو وراثية الوظيفة يجب أن لا تكون في صفوف القوات المسلحة والأمن ، فالمعيار الحقيقي يجب إن تكون الكفاءة العلمية المتسلحة بالمعرفة والتكنولوجيا حتى يستفيد الجيش منها وتستفيد اليمن. هناك أشخاص محسوبين على أفراد القوات المسلحة وهم بعيدين عنها ولا صلة لهم بها ولا رابط يربطهم بالقوات المسلحة سوى الراتب الذي يأخذونه- حراماً- وبدون وجه حق. بل إن البعض أو الأغلبية يحملون رتباً عسكرية جزافاً لمجرد انه ابن الشيخ الفلاني أو الشيخ الفلاني. فهل هؤلاء يعدون من أفراد القوات المسلحة والأمن؟ وهل نقارنهم بأولئك الأبطال الأشاوس المرابطون على قمم الجبال وفي سهول والوديان وبالصحاري والبحار؟ كلا وألف كلا فالفرق شاسع ولا مجال للمقارنة أصلاً. ولهذا نطالب أن تكون مؤسستنا العسكرية نظيفة وبعيدة عن الشبهات التي يحاول البعض أن يلصقها بها. فقد آن الأوان أن نصحح الخطأ وان نجتث الفساد بعد إعلان الأخ الرئيس علي عبد الله صالح الحرب عليه. فيجب علينا جميعاً الوقوف خلف الأخ الرئيس لمناصرته في حربه على الفساد وان نكون عيونه التي تراقب الفساد والمفسدين في كل الإدارات والمصالح الحكومية، وفي الوحدات العسكرية، وفي القطاعات الأهلية، والمختلطة. وكذلك في السفارات والملحقيات التابعة للسفارات والبعثات الدبلوماسية. ومن هنا ندعو أيضا إلى تطبيق قانون الذمة المالية للوظيفة العامة وسرعة إنزاله وتطبيقه على ارض الواقع لا إن يبقى حبراً على ورق وحبيس الأدراج. ومن هنا يأتي دور المعارضة في هذ ا المجال فهو دورٌ مهم ويعد محوراً أساسياً في فضح الفساد وتعريف الجهات المسئولة في مواطنه- بشرط أن يكون هذا الدور نزيهاً وبعيداً عن المكايدة السياسية. فاليمن بخير ومستقبلها يبشر بالخير أيضا فنحن لسنا اقل شاناً من الآخرين، فلدينا موروثاً حضارياً نعتز ونفاخر به. ولدينا ثروات وطنية في باطن الأرض اليمنية يجب إن نستغلها كغيرنا من دول الجوار والعالم . وقيادتنا السياسية ممثلةً بالأخ الرئيس وعدت ولابد من الوفاء بالوعد فالحرب على الفساد بدأت لا محالة ولا جدال في ذلك، وما علينا إلا أن نقف أحزاباً وأفراداً في الصفوف الأولى لدعم الأخ الرئيس في حربه هذه تماماً كما وقفنا معه في الحرب ضد الانفصال عام 1994م، وجسدنا مواقفنا الوطنية يوم20 سبتمبر2006م.. فقطار التنمية انطلق، فهل سيواصل المسير؟ * مستشار الجالية اليمنية بالمنطقة الشرقية السعودية [email protected]