الفساد والانحراف فعلاً يقع في كل مجتمع دينياً كان أو رأسمالياً أو شيوعياً، فالجريمة ولدت مع القانون أو ربما قبله مما استتبع وجود القانون لمحاصرتها والثواب نزل مع العقاب والنفس أمّارة بالسوء، ولكن هذا لا يجوز أن يقودنا الى الاستهانة بالفساد بدعوى أنه موجود في كل مجتمع، فهناك دائرة الانحراف واتساعها أو ضيقها، وهناك مستوى للجريمة صعوداً وهبوطاً. وهناك قبل كل شيء المبدأ الأساسي وهو المساواة بين الناس أمام القانون، فلا تتقوى الدولة على الضعيف وتضعف الأقوى. وفي تقديري دائماً أن هناك مجتمعاً يزكي الفضائل ومجتمعاً يقوي الرذائل، فالفرد إذا دخل الى بلد يسوده القانون احترم القانون. وإذا دخل نفس الفرد الى مجتمع عدم احترام القانون تصرف بمثل ما يراه، وتلك حكمة شكسبير المستقاة من الطبيعة الانسانية. إذا كنت في روما فافعل ما يفعله أهل روما.. وإذا دخل شاب مؤسسة ووجد أن طريق التزلف والنفاق هو الطريق للوصول فسيفعل ذلك لكي يصل وإذا وجد طريق الوصول هو الجهد والعمل فسوف يجتهد ويعمل أيضاً لكي يصل. وليس كلمتي هذه اعتراضاً على الآخرين بوجه شامل لأن الانحراف والفساد ليس قاعدة عامة وشاملة. ولكننا لاحظنا انقلاب حظوظ بعض الناس من العامة والخاصة وظهور الثروات المفاجئة والتباهي بها حتى ولو اشتبه المجتمع في مصادرها، وتحوّل كل القيم الى قيمة واحدة، هي قيمة ما تنفق أمام الناس وما تملك وما تقدر على شرائه من نفوذ أو جاه أو ذمم، كل هذا جعل كثيراً من الأبصار تزيع وتنشر الفساد بين قمم في الحياة العامة لم يكن الفيضان ليبلغها من قبل ولم يكن ثمة ما يقنع الناس بأن الدولة بأسلحتها القانونية والقضائية جادة في محاصرة هذا الفيضان وهذا أخطر ما يمكن أن يقع وهذا بالتحديد ما نشعر أنه يتغير وإذا شعر الناس بجدية هذا التغيير فسوف تتغير أشياء كثيرة وسوف تعود قيم الكفاءة والعمل الى مكانها. الثورة