خلال العقدين المنصرمين من تاريخ اليمن الحديث برز اسم الدكتور عبد الكريم الارياني كصانع مهم للسياسة اليمنية الداخلية والخارجية، حيث تولى العديد من المناصب المهمة على الصعيدين الدبلوماسي والاقتصادي قبل أن يتولى رئاسة الحكومة والأمانة العامة للمؤتمر الشعبي العام "الحزب الحاكم". وشهدت فترات تولى الدكتور الارياني لتلك المناصب العديد من الأحداث السياسية الهامة في اليمن والمنطقة. ومن ابرز تلك الأحداث حرب الخليج الثانية وحرب الانفصال فى العام 1994. يتولى الدكتور الارياني اليوم منصب المستشار السياسي للرئيس على عبد الله صالح إلى جانب رئاسته لمنتدى جسور الثقافات ورئاسة المركز الوطني لحقوق الإنسان وتنمية الديمقراطية في اليمن. وفى هذا الحوار مع "العرب الأسبوعي" يتحدث الدكتور الارياني عن الكثير من القضايا الثقافية والسياسية البارزة في اليمن والعالم. * هل العالم مهيأ فعلاً لحوار الحضارات في ظل التداعيات المتسارعة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 والتي هيأت كما يقول البعض أرضية خصبة لنظريات المحافظين الجديد في البيت الأبيض؟ - قضية استعداد العالم لحوار الحضارات هي ذات شقين، شق يتعلق بالنظام الدولي وحوار الحضارات في إطار الدول الأعضاء في الأممالمتحدة، هناك نشاط وهناك برامج لكنني أستطيع أن أقول إنه لا يوجد حوار حقيقي للحضارات من خلال ما يسمى بالمجتمع الدولي هناك المنظمات التي تعنى بحوار الحضارات والتي تنشط في عدة عواصم في العالم، هذه لها دور تثقيفي لكن حوار الحضارات الذي له قيمة إنسانية كاملة يجب أن يرتبط بعدالة إنسانية. إذا لم تكن هناك عدالة إنسانية، فحوار الحضارات غير ذي معنى وفى اعتقادي أن العدالة اليوم غير متوفرة بسبب أن العالم يعيش تحت رحمة قطب واحد. * هل هذا يعيدنا للباحث الأمريكي روبرت كاغان الذي يقول في كتابه "القوة والضعف".. إن القوى يميل دائماً إلى استعمال قوته باعتبار هذا الشيء طبيعيا ومشروعا إلى حد ما في السلوك البشري.. الحوار إذن بين القوى والضعيف يستند إلى قوانين أي منهما برأيك؟ - أولاً كاغان هذا هو فيلسوف المحافظين الجدد وكتابه الذي ترجم إلى العربية بعنوان "القوة والضعف" موجه أساساً إلى الأوروبيين، يقول لهم إن أوروبا لن تعيش في فردوس خيالي حول السلام والاستقرار ولا تعترف بقوة أمريكا التي هي اليوم القوة الأولى في العالم. ويريد أن يقول لهم اعترفوا بقوة أمريكا واخضعوا لطاعتها. فالكتاب أصلاً في رأيي موجه للأوروبيين لاستعرض قدرة أمريكا العسكرية اليوم والتي هي قدرة طاغية لاشك. وقد قارن بين مشاركتهم في حرب كوسوفو، واعتقد أنه من طلعات الطيران أوروبا ساهمت بعشرة في المائة وأمريكا تسعين بالمائة، فهذا الكتاب وهذا المؤلف ليس مؤهلاً لحوار ولكنه مؤهل لفرض أرائه وإرادته ولا أعتقد أن لديه رؤية للمجتمع البشري، رؤيته هي لأمريكا وقوة أمريكا وخضوع العالم لقوة أمريكا. * بحكم احتكاكك بعدد من المثقفين في العالم هل لاحظت أن هذا الانطباع موجود عند المثقفين في الغرب؟. - التقيت بعدد من الأوروبيين.. حتى أن أحدهم وهو مسئول أوروبي سألته بعد صدور الكتاب، فقال أنا زرت واشنطن والتقيت بالمؤلف وهو يشعر أن ما قاله كان ثقيلاً أكثر من اللازم، فليس لكلامه أصداء، لكنه لا يريد أن يقول له الآخرون أنت على حق هو يريد أن يقول نحن على حق.. أمريكا على حق.. وهناك كتاب أخر لشخص كان سكرتيرا لتونى بلير وهو يسير في اتجاه غير اتجاه كاغان، ويكاد يكون فيه شيء من الردود على كاغان. * التفاوت العميق في درجة التطور العلمي والمعرفي والتكنولوجي هل من الممكن أن يفضى إلى حوار متكافئ بين الثقافات في شمال الكرة الأرضية وجنوبها؟ - في جنوب الكرة الأرضية اليوم هناك دول بدأت تتوازى مع شمال الكرة الأرضية بالذات الهندوالصين.. وهما الدولتان اللتان بدأت قوتهما تزيل الحديث عن شمال وجنوب. والحديث الآن هو عن المعرفة وعدم المعرفة. مع الأسف الشديد أن العالم العربي يكاد يكون بأكمله إضافة إلى عدد من الدول الأفريقية في عداد الأميين في هذه المعرفة، لذلك فالفرق لن يكون بين الشمال والجنوب، الفرق هو بين من يملك المعرفة ومن لا يملكها. نحن في العالم العربي بكل تأكيد لا نملك المعرفة، وتقرير التنمية العربية الثاني واضح في هذا الأمر.. فلم يعد الحديث عن الفرق بين الشمال والجنوب قائما. بل بين من يملك المعرفة وبين من لا يملكها، الشمال كله يملك المعرفة وفى الجنوب هناك الصينوالهند بدأتا تملكان المعرفة وأصبحتا منافسين بكل ما في الكلمة من معنى. لماذا هؤلاء استطاعوا أن يحققوا هذا المستوى العظيم والرائع بينما نحن في الوطن العربي وبعض الدول الأفريقية نشكل رمزاً للأمية المعرفية.. هذا حديث يطول. * إذن ليس هناك قاعدة متكافئة للحوار؟ - لا يمكن أن تكون هناك قاعدة متكافئة للحوار في ظل أمية المعرفة وملكيتها.. من يملك المعرفة هو الذي يدير شؤونك... واليوم من يدير شؤوننا اليومية: yahoo Google.. وغيرها.. وإذا لم يكن لك سهم في هذا العالم الجديد فأنت مسير ولست مخيرا، وإذا كنت مسيرا ولست مخيرا فلا يمكن أن يكون هناك تكافؤ. * يقول بعض المهتمين بقضايا الثقافات إن البحث في العلاقات التاريخية بين الحضارات الكبرى يؤكد أنها تتميز بالانفتاح والتواصل وليس بالصدام والتنافر، ولكن كيف تفسر حالة الصدام والتي تلوح في الأفق الآن؟ - الحضارات الكبرى السابقة في التاريخ ليس صحيحاً أنها لم تكن صدامية، حضارة الرومانية كانت صدامية بكل ما في الكلمة من معنى، الحضارة العربية الإسلامية كانت منفتحة على الغير ولكنها أيضاً كانت صدامية. أنا لست مستغرباً أن القوة اليوم التي تملكها أمريكا تستغل لأغراض صدامية ولا تستغل لأغراض صناعة السلام. حتى الآن لم تأت قوة في العالم هي المسير الأول لأحداثه وهمها الأول هو صنع السلام.. أمريكا همها الأول الآن ليس صنع السلام، بل صنع المصالح ومصالحها تأتى سواءً بالسلام أو بالحرب. القول إن الحضارات القديمة كانت غير صدامية غير صحيح. * وماذا عن الفكر العربي والإسلامي.. هل هناك قواعد لأخلاقيات الحوار مع الأخر المختلف؟ - الفكر العربي الإسلامي وباعتراف أعدائه من الناحية الفكرية.. كان منفتحا في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تعيش في القرون الوسطى وكان الحوار والتلاقح الثقافي بين الفكر الإسلامي والأفكار الأخرى وبالذات أفكار الحضارة اليونانية كان تلاقحا ايجابياً ربما لم يسبق له مثيل. ما نراه اليوم هو اتجاه نحو التصادم وليس التلاقح من الجانبين، من الجانب العربي الإسلامي والتيارات الإسلامية ومن جانب الفكر الديني المسيحي الذي يتغلغل اليوم أكثر وأكثر في الولاياتالمتحدة وفى بعض من أوروبا. * كيف تفسر انتشار ظاهرة الإرهاب العالمي بالتزامن مع تزايد ما يسمى بالحرب على الإرهاب؟ - الإرهاب على سوئه خُلق له مناخ فنشأ. الإرهاب سيء، لكنه خلف مناخا جعله وسيلة من وسائل التعبير عن الرفض. وهو أسوأ الوسائل بكل تأكيد، أسوأ الوسائل للتعبير عن الرفض هو استخدام العنف. لكن الإرهاب لم ينبت نبتة شيطانية فجائية، التفاعلات التي حصلت في القرن العشرين هي التي أوجدته.. اضطهاد الأيرلنديين أوجد حركة "RIA" إلى أن اقتنعت الحكومة البريطانية وتصالحت معهم. الاضطهاد الإسرائيلي للشعب الفلسطيني وهزائم الأمة العربية أمام إسرائيل أوجدت المناخ المناسب الذي يبرر الإرهاب. هذا لا يعنى أن المفكر الواعي يستطيع أن يبرئ الإرهاب لكن دعاة الإرهاب لديهم مناخ مناسب لتبريره. لكنني أعتقد أن الإرهاب هو أشبه بظاهرة صلاح الدين ومكائد الحشاشين في التاريخ العربي الإسلامي ليس ظاهرة يتوقع لها أن تعيش طويلاً.. هذا رأيي.. وهى ظاهرة العالم يستطيع أن يتعامل معها بأن يدرك أسباب نشوئها ويعالج تلك المشاكل التي بررتها. * بالنسبة للعولمة كيف ينظر إليها.. هل ما زالت تشكل خطراً ثقافياً واقتصادياً على العرب؟ - أنا دائماً آخذ الهندوالصين كنموذج.. هما الآن شريكان أساسيان في العولمة، لكن القدرات الذاتية في التفاعل مع العولمة لم تمنع ثقافة الهند ولا تراث وحضارة وثقافة الصين. التعامل مع العولمة شرط ضروري، رضينا أم كرهنا. لكن السؤال يتعلق بمدى استعدادنا نحن لكي نتعامل معها دون أن نفقد هويتنا وتراثنا وتاريخنا؟ نحن كلما فقدنا شيئاً قلنا هذا سببه العولمة، هذا كلام غير صحيح، سببه نحن، لأننا تركنا العولمة تسرح وتمرح في مجتمعاتنا دون أن نكون مدركين وواعين كمجتمعات كيف نتعامل معها وكيف نقى أنفسنا من شيوع بعض مظاهرها، الذين يقولون إن العولمة كلها سوء أنا أعتقد أنهم مخطئون، وسيجدون أنفسهم في حال أسوأ مما لو قرروا التعامل مع العولمة بوعي يقي الهوية الثقافية والتاريخية للأمة العربية والإسلامية من الضياع في خضم العولمة... مرة أخرى أنا اعتقد أن الصينوالهند الآن طرفان في العولمة ولم يفقدا هويتهما.. فما بالك باليابان وهى صانعة العولمة.. تصنعها بهويتها التي لا تتغير. * منتدى جسور الثقافات الذي ترأسه هل هو النسخة اليمنية لمواجهة التحديات الفكرية الخاصة بحوار الحضارات؟ - هو منتدى الفكرة فيه نشأت نتيجة الكلام السابق كله. أن هناك حاجة إلى حوار منفتح بين الثقافات في العالم يؤدى على الأقل لأن نفهم بعضنا البعض. والإنسان عدو ما يجهل فإذا عرفتني وعرفتك زالت الوحشة وبدأ الفهم وليس بالضرورة التحول، فأنا اعتبر أن هذه المحاولة هي للتعريف والتعرف في آن واحد حتى يكون لدينا معرفة بثقافة الآخر وهويته وفى نفس الوقت وهى المهمة الأولى التعريف بثقافتنا وهويتنا والتركيز على اليمن بالذات. * في منتدى الدوحة السابع شاركتهم بمشروع "الميثاق العربي للديمقراطية"، ما هي ملامح هذا المشروع وهل هو وليد قناعات بأننا نعيش أزمة ديمقراطية في الوطن العربي؟ - المشروع جاء من تجربة.. عندما ذهبت إلى تشيلى لمؤتمر مجتمع الديمقراطيات وجدت أن دول منظمة الدول الأمريكية في بداية المخاض الديمقراطي.. أعدوا ميثاقا فيما بينهم يلزم هذه الدول بأن تتبنى الديمقراطية التعددية وأمريكا اللاتينية كانت الحصن الحصين للديكتاتوريات العسكرية والإقطاعية، وتلتزم الدول في هذا الميثاق بالتعددية وحقوق الإنسان والتداول السلمي للسلطة وبعدم الاستيلاء على السلطة بالقوة، فأعجبت بهذا الميثاق وشعرت أنه ما أحوجنا فى العالم العربي إلى هذا الميثاق. إلى الآن أنا أسعى لعقد لقاء لعدد من منظمات المجتمع المدني العربية المعنية بهذا الموضوع حتى تتبنى هي هذا الميثاق وتذهب إلى حكوماتها على أمل أن يصبح ميثاقاً تتبناه عدد من الحكومات العربية، في نفس الوقت إذا تبنت هذه المنظمات هذا الميثاق سنعرضه على الجامعة العربية، إذا رأت الأمانة العامة أن هذا يمكن تقديمه لأن بعض الدول العربية قد ترفضه والجامعة العربية ليست إلا بالإجماع، ولكنني لا أجد في هذا الميثاق ما يفرض على دولة عربية شيئاً يتنافى مع مجتمعها وسلوكها وعقيدتها، إنما نظراً لأنه من الصعب أن يتم تبنيه من خلال دول عربية وجدت أن الأفضل أن نتبناه من خلال منظمات المجتمع المدني وهى بدورها تسعى لدى حكوماتها لكي يصبح ميثاقاً عربياً للديمقراطية والحاجة إليه واضحة لأن هناك نقصا فاضحا في الممارسات الديمقراطية وتقرير التنمية العربية الأول واضح في هذا الأمر. * كيف تنظر لواقع الديمقراطية وحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني في اليمن.. هل تشهد تطوراً على صعيد الفكر والممارسة؟ - هي ناشئة وكل ما هو ناشئ أنت تتوقع منه أن يتطور، لكن الإشكاليات صراحة أن هذه المنظمات تكاد تكون موسمية، أنا لا أقول إنه ليس منها جدوى، لكن الفائدة منها ستأتي عندما تكون قد بلغت الرشد الكامل، وتجربتنا كلها ناشئة ووجود منظمات المجتمع المدني شيء إيجابي جداً والدور الذي تلعبه في المناسبات كلما جاء مؤتمر دولي إلى صنعاء فمنظمات المجتمع المدني اليمنية حاضرة حضورا فاعلا، والعديد منها الآن أصبح يدعى إلى فعاليات عربية وإقليمية. * البعض ينظر إلى الدكتور عبد الكريم الإريانى على أنه هو الذي وضع الخطوط العريضة للسياسة الخارجية اليمنية وحتى الآن ما زالت اليمن تسير على نفس هذه الخطوط.. برأيك ما هي العقيدة السياسية التي تتبعها اليمن في مجال السياسة الخارجية؟ - أولاً السياسة الخارجية يضعها في أي بلد رئيس الدولة والآخرون يتعاونون معه ويقدمون له الأفكار التي تخدم الوطن. أنا أقول إن السياسة الخارجية اليمنية في عز الحرب الباردة كانت تتعامل مع القوى الكبرى دون انحياز مطلق أو تأثر مطلق وبالذات الجمهورية العربية اليمنية. جاءت الجمهورية اليمنية، دخلت المنطقة في مشاكل حادة وكان لابد للجمهورية اليمنية أن تتخذ موقفاً ما في هذه المشاكل، ولم يكن هناك إمكانية للتأرجح وهذه مواقف التاريخ يحكم عليها. إنما بقيام الجمهورية اليمنية أصبحت السياسة الخارجية اليمنية تقوم على أساس أكثر رسوخاً لأننا كنا نتأثر وأقولها صراحة في الشمال والجنوب.. الآن ليس هناك تأثير كابح أو جامح، فبالوحدة اليمنية أصبحت السياسية الخارجية اليمنية تقوم على أسس الندية الكاملة وليس التأثر بالغير. كان الشمال يقال في تلك الأيام أنه متأثر بالمملكة العربية السعودية والجنوب متأثر بالاتحاد السوفيتي فالوحدة اليمنية أوجدت ميداناً جديداً لسياسة خارجية غير متأرجحة وغير متأثرة بسياسات الآخرين.. قبل 1994 حصلت مشاكل معروفة سواءً إقليمية أو حرب الانفصال لا شك أثرت وأضعفت دور اليمن، لكن بعد العام 1994 وحتى الآن دور اليمن هو أولاً الدعوة إلى الوفاق العربي والتوحد العربي على الأقل التوحد في المواقف، الدعوة إلى تحرير فلسطين وهذه قضية ثابتة، وقيام الدولة الفلسطينية، لا شك أن اليمن تضررت من الإرهاب فأصبحت هذه القضية قضية حية وباستمرار، التعاون مع كل دولة تحترم سيادة وحرية الجمهورية اليمنية. القطبية الواحدة السائدة اليوم في العالم أنا أقول لم تجر اليمن إلى أن تكون مطية بيد القطب الواحد. علاقة اليمن مع الدول الكبرى والدولة الكبرى اليوم أمريكا في غاية التوازن والثبات وهذا بقيادة الرئيس على عبد الله صالح وإرث اليمن التاريخي الذي مكنها من تجاوز صعاب وعقبات على مدى الخمسة والأربعين عاماً الماضية بكل ثقة. وأنت تعرف كيف كانت اليمن في الستينيات ومشاكل السبعينات والثمانينات والنصف الأول من التسعينات، كون اليمن استطاعت أن تحافظ على علاقتها مع الجميع في خضم هذه الأحداث المتتالية. أنا أعتبر أنها فعلاً سياسة ثابتة وحكيمة.. والثبات في السياسة الخارجية هو الذي يعرف بك، إذا كنت متقلبا كل يوم فلا أحد يعرفك. * بالنظر إلى ما يحدق الآن في المنطقة وخصوصاً في العراق.. هل ترون أن موقف اليمن من حرب الخليج الثانية وبالذات التدخل الأجنبي في العراق.. كان موقفا صائباً؟ - كان صائباً قبل أن تحدث الحرب وسيظل صائباً بعد أن حدثت. لأن اليمن حتى أمام الأمريكان والإنجليز والدول الأخرى وأمام الدول العربية، اليمن كانت تحذر وتنذر من خطورة احتلال العراق. واليوم ماذا نرى؟ فأنا اعتقد ليس لدى اليمن ما تأسف عليه في موقفها المعارض لمبدأ احتلال العراق. * بعد انعقاد مؤتمر المانحين ومؤتمر فرص الاستثمار.. ما الذي تراهن عليه اليمن اقتصادياً في المرحلة القادمة؟ - اليمن، موقعاً وسكاناً وموارد طبيعية، لم تستكشف كلها بعد، هي الجاذب الرئيسي للمستثمر في اليمن. العائق الذي يجب أن تتجاوزه الدولة أو الحكومة هو صراحة ضعف المؤسسة القضائية والمشاكل الأمنية، أما الاستجابة غير المتوقعة مطلقاً لمؤتمر الاستثمار الذي عقد في صنعاء فذلك هو دليل أكيد على أن مراهنة اليمن على أن لديها إمكانات لنشاط استثماري واسع هو أكبر دليل على ذلك. ضعف التعليم التقني عائق من العوائق المهمة أمام المستثمر ومقاومتنا للاستعانة بالغير هذه ظاهرة يجب أن تزول لأنه في البداية لابد أن نستعين بالغير، لا مناص، لأننا لم نحضر ونجهز الكوادر الكافية التي يأتي المستثمر ليجدها بيده، لكن ميزة اليمنيين أنهم سريعو الاستيعاب والتعلم. وفى نفس الوقت اعتقد أنه أصبح من الأهداف الرئيسية تأهيل الكوادر التي يستطيع المستثمر أن يأتي ويستعين بها، إنما هناك ظاهرة في اليمن غير موجود في الخليج فدول الخليج كلها تستعين بالغير دون غضاضة، نحن بمجرد أن تحضر بعض المستشارين الدنيا تنقلب. * مشكلة المياه والسكان في العالم من القضايا الخطرة والملحة في الوقت الراهن.. ما هي رؤية اليمن تجاه تلك المشكلة؟ - هذا هو التحدي الذي لابد لليمن أن تتجاوزه وهو أكبر تحد، وهو واحد من تحديات ثلاثة: المياه.. النمو السكاني غير الطبيعي ومؤسسة تعليمية لم تستكمل بناءها الحديث المتطور.. ثلاثة تحديات إذا تجاوزتها اليمن فأنا أراهن أنها ستكون من أفضل البلدان التي يأتي إليها المستثمرون. كما قلت هناك جغرافيا ومناخ وسوق واسعة لأكثر من عشرين مليون نسمة، وقرب من مناطق الاستهلاك وبالذات الجانب الأفريقي. * هناك نذر مواجهة بين الغرب وإيران.. ما هو موقف اليمن من ذلك؟ - اليمن ضد أي استخدام للقوة واعتقد أن الأخ الرئيس قد عبر عن ذلك. القوة لا تحل المشكلة، ها هي القوة استخدمت في العراق. هل حلت مشكلة أم خلقت مشكلة؟.. وقد استخدمت القوة في العراق في الوقت الذي لم يكن العراق يشكل خطراً على أوروبا ولا على أمريكا واليوم كلهم يعترفون بذلك.. استخدموا القوة واليوم لا ندرى لماذا استخدمت القوة... لكنها لم تحل مشكلة بل خلقت مشكلة. استخدام القوة ضد إيران من قبل الولاياتالمتحدة وإسرائيل سيخلق مشكلة مماثلة "لا تصدق أن أوروبا ستأتي بطائراتها ودباباتها أنا أشك جداً، ولكن قد تأتى بريطانيا كالعادة"... استخدام القوة ضد إيران إن كان ذلك لأن إيران تسعى لامتلاك قنبلة نووية فأقصى ما يفيد فيه استخدام القوة هو تأخير الحدث وليس إنهاؤه لأنك أمام نظام ودولة وشعب لن تقدر القوة أن تزيلهم. وفى نفس الوقت لا يمكن احتلال إيران وبالتالي سيستخدم الطيران والقصف الجوي.. وهو ما يؤخر إيران، فإذا كانت ستنجز القنبلة بعد خمس سنوات سيتم ذلك بعد عشر سنوات، بالرغم من التصريحات الخرقاء التي تأتى من إيران في أوقات ما، وملكيته السلاح النووي – اعتقد أنها تخلق عقلية ردع عند مالكها. والقول إن إيران ستستخدم السلاح النووي ضد إسرائيل هذه خزعبلات. أولاً إيران لم تدخل في حرب مع إسرائيل في يوم من الأيام، وإيران لم تخسر شيئاً أمام إسرائيل في أي وقت، وإيران تبعد عن إسرائيل، وهل ستقتل الفلسطينيين من أجل أن تقتل اليهود. هذا كلام خزعبلات لا منطق فيه. وإيران إذا أرادت أن تضر بإسرائيل ستضر بها بوسائل غير نووية. ثانياً: هل السلاح النووي سيضرب لندن أو نيويورك؟ أنا لا أقول ولا أروج لأن تترك إيران لأنها تملك السلاح النووي، لكن الدخول في حرب للتوقعات أن إيران ستملك السلاح النووي أنا أرى أن التصالح مع إيران قبل أن تملك السلاح النووي ربما يقنعهما بأنها ليست بحاجة إلى هذا السلاح. وأنا مقتنع أن إيران ليست بحاجة إلى هذا السلاح، الهند والباكستان كان وضعهما مختلفاً والصين كذلك، لكن إيران هي ليست بحاجة إلى هذا السلاح. وأخشى أن الغرض منه ليس إسرائيل ولا أمريكا هذا ما نخشاه وسيكون وسيلة لفرض الإرادة. * المبادرة العربية للسلام هل تنظر إليها أنها كما يقول البعض تنازل مجاني لإسرائيل؟ - الحقيقة ما دام تلك المبادرة لم تفض إلى نتيجة فمن حق الناس أن يقولوا هذا. ولكن أنا لا أقول هذا، لكن المشكلة أنها لم تؤد إلى نتيجة لأن إسرائيل لا تريد السلام. كنت أتوقع أن المجتمع الدولي وقد أصبحت إسرائيل فعلاً هي المعرقل الأول وتكذب الآن أنها راضية عنها وهو رضي غير حقيقي، يستغرب الإنسان أن المجتمع الدولي لم يقل لإسرائيل أنت مخطئة، وأكثر مما جاء في مبادرة السلام العربية ماذا يمكن أن نمنحها... لكن للأسف الولاياتالمتحدة أول من لم يرحب بالمبادرة ترحيباً يجعلها تتبناها، والاتحاد الأوروبي قال أهلاً وسهلاً ولكن أمريكا هي صاحبة القرار، فالذين يقولون إنها هدية مجانية من حقهم أن يقولوا هذا، لكنني أقول سياسياً إنها حركة سياسية جيدة. * من أي ناحية؟ - الإعلام الإسرائيلي في العالم كله يقول العرب لا يريدون السلام منذ أن قامت إسرائيل. الآن، ولأول مرة عندك رؤية تريد السلام، فهذه سياسياً إيجابية... لكن السيطرة الإسرائيلية في أمريكا وبعض أجزاء من أوروبا لم تجعل هذه النتيجة تؤدى إلى سلام حقيقي. * النزاعات الطائفية والعرقية والمذهبية هل هي الخطر القادم الذي قد يهدد المنطقة؟ - هذا بالتأكيد.. الطبخة القادمة في منطقتنا هي النزاع الطائفي والعرقي، والمناطقي، والسؤال هل تأكل الطبخة من يد من يطبخها لك.. هذا هو التحدي أمام الأمة العربية. الأمة العربية تطبخ لها الطبخات وهى تقع فيها. وهذه هي الطبخة القادمة فهل نحن جاهزون لأن نتصدى لها بوعي وحكمة ورؤية تحافظ على السلام الاجتماعي ولا تؤدى إلى تمزيقه. * السؤال الأخير.. ما هو الهم أو الهاجس الذي يشغل الدكتور عبد الكريم الأريانى هذه الأيام؟ - أنا هاجسي دائماً هو نمو اليمن وتطوره. ................................................... * صحافي يمنى ومراسل "العرب الأسبوعي" بصنعاء