كثير من الناس في هذه الأيام يشكون بمرارة كبيرة وحسره أكبر سوء الأوضاع المعيشية التي وصلوا إليها، والتي أثرت فيهم تأثيراً بالغاً لدرجة يصعب على المرء أن يجد لها الوصف الدقيق، حيث وجدوا أنفسهم غارقين في أوحالها العميقة حتى أذانهم بعد أن تقطعت بهم السبل في ظل انعدام وسائل الإنقاذ والخلاص، أو حتى من يتكرم برمي - ولو بقشة واحدة لهم- لتساعدهم على الخروج إلى بر الأمان. ولعل ما يثير الغرابة هنا أن الزيادة السعرية الجنونية بين عشية وضحاها في المواد الغذائية والاستهلاكية الضرورية في الحياة- بما في ذلك أسعار الأدوية ومستلزمات الأطفال- لم تقف عند حد معلوم على الرغم من الاستسلام والقبول والإيمان بالوضع، خيره وشره!! كما أن الزيادة شملت كل شيء، حتى القبور ارتفعت أثمانها هي الأخرى وأصبح الغلاء يلحق بناء حتى القبر في حين نلاحظ أن الشيء الوحيد الذي لم يرتفع ثمنه هو عقار "الفياجرا" الذي تراجع سعره، ويباع برخص وكأنه يلقي الدعم من جهة ما. وأظن أن هذا يعطينا الحق بأن نصف ما يجري في البلاد بأنه حرب إبادة اقتصادية ومعيشية غير متكافئة تستهدف بدرجة أساسية المواطن المسكين الذي قد يكون في الغالب الأعم معسر الحال، وحالته المادية أقل ما يقال عنها بأنها صعبة.. ومعلوم أن هذه الحرب المعيشية التي تدور رحاها في البلاد هي الأعنف حيث يقودها مجرمون يعيشون في أوساطنا متطفلين كما يعيش البعوض وغيره من الحشرات الضارة، وهم بكل صراحة بعض رجال المال والأعمال والتجار والمسئولين المتواطئين معهم في البلاد، الذين يتحينون الفرص، ويستغلون الأوضاع الأخرى، ويقومون بشراء الذمم وإيجاد الأزمات وإخفاء واحتكار المواد الغذائية الأساسية الضرورية، وينتهون برفع الأسعار الجنونية المزاجيه بغرض الزيادة في الأرباح غير المشروعة، والتي هي محرمة في كافة الأديان السماوية بما في ذلك ديننا الإسلامي الحنيف.. وهذا ليس مجرد اتهام بقصد الإساءة والتشهير بأحد فالأدلة مكتملة، وما ينقص سوى أن تطبق العدالة بحق مجرمي المغالات بالأسعار ومن معهم. ولعل ما يحدث سابقه خطيرة تقود البلاد والعباد إلى الهاوية، وتنذر بكارثة تحمل على متن أجنحتها المتينة أحد أعداء الوطن والإنسان المسمى ب(الفقر) الذي يعد مرضاً من الأمراض الاجتماعية التي يمكن أن تصيب أكبر قدر من الناس حتى أولئك الذين سبق وأن تحصنوا هم وأولادهم بالثراء الفاحش- سواء كان مشروع أو غير مشروع- ويعتبر السبب الأول الذي أوقع الجميع في هذا النفق المظلم الذي لم يكن في الحسبان، ولم يتصوره أحد من قبل. التهاب الأسعار المزمن الذي حير العلم واقعد الخبراء في تفكيرهم طويلاً فلم يجدِ تفكيرهم نفعاً، ولم يقدم تصورهم حلاً قيد أنملة، بل على العكس الفقير يزداد فقراً وشقاء والغني يزداد غناء وثراء.. وهذا هو الحال الذي وصلنا إليه على التو بكل أسف؛ وتلك هي العبارة المرة الذي يستحق هذا الوضع الحالي أن تطلق عليه! ويبقى الحل الأمثل هو تحكيم الضمير من كل الإطراف والإحساس بالمسؤولية، والأخذ بالسياسات الاقتصادية التي وضعتها الدولة بجد وإخلاص، وغيره مما يمكن أن ينظر إليه على أنه حل سليم، لأن سوء الأوضاع المعيشية- سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة- أخذت في التطور إلى حد كبير في هذه الأيام، وأصبح الغلاء شاهر سيفه بوجه المواطن المسكين الأعزل من المال والجاه والعمل.. وربما هذا التطور الخطير لم يمر علينا مرور الكرام دون أن يحدث آثاره السلبية بشكل واضح وجلي على المجتمع.. إذن لابد أن يتم بذل الجهد الكافي الذي يحصر الغلاء في دائرة مغلقة ومظلمة، ويحد من اتساع الفقر الذي قد تكون عواقبه وخيمة تنعكس سلباً على المجتمع وتخلف المشاكل النفسية الأسرية الأخلاقية وغيرها من المشاكل الضارة على المجتمع..!!