عند تقييم تناول الإعلام اليمني وخاصة الفضائيات لثورة التغيير نجد أن الإعلام الرسمي انحاز بالكامل لما أسماه هو الشرعية الدستورية للرئيس وهو موقف طبيعي جداً ذلك أن الإعلام الرسمي في اليمن هو إعلام سلطة أولاً وأخيراً دعك من الحديث عن تمويله من أموال هذا الشعب فالسلطة في بلد كاليمن قد نهبت كل شيء. فمع بداية انطلاق المظاهرات والاعتصامات على إثر سقوط النظام المصري والتي كانت على شكل مظاهرات متفرقة حيث خرج الآلاف احتفالاً بسقوط نظام حسني مبارك حينها شعرت السلطة بخطورة موقفها وسارعت إلى احتلال ميدان التحرير وأتصل الرئيس بالقبائل وبدأ الإعلام الرسمي مع هذه الأحداث عمله الذي يشكل صدى لتحركات السلطة في هذا الإطار حيث ركزت الفضائيات الرسمية " اليمن" "سبأ" " الإيمان" على لقاءات الرئيس بالقبائل والمؤيدين له وظل أياماً متواصلة يبث من ميدان التحرير حيث يتجمع أنصار الرئيس وقام بتغطية المهرجانات المؤيدة للرئيس أينما كانت عمل على استضافة شخصيات تشيد بالرئيس وتهاجم الداعين لرحيله كما جاءوا بأشخاص يزعمون أنهم من الساكنين جوار جامعة صنعاء الجديدة وأنهم يشكون ويتضايقون من وجود هؤلاء المعتصمين وفعل أكثر من ذلك بأن جاء بأشخاص يقولون : إن المعتصمين اعتدوا عليهم وقام بالاتصال بأشخاص قد تم التنسيق معهم ليشيدوا بالرئيس ويهاجموا المعتصمين . برامج مناوئة للثورة: قامت إدارة الإعلام الرسمي وخاصة في الفضائيات الرسمية التي تلقت مبالغ مالية ضخمة جداً لإنتاج برامج خاصة مناوئة للثورة بعمل غرف عمليات لإدارة الحرب الإعلامية على شباب التغيير واستعانت بخبراء في هذا المجال ونسقت مع الأمن السياسي والقومي للمجيء بأشخاص مؤيدين للرئيس كما تم تغييب الرأي الآخر تماماً وحاولت تلك الوسائل الإعلامية إلصاق تهم البلطجة والتخريب والعمالة بشباب الثورة وقامت بشتم أشخاص بعينهم وفي الشريط الإخباري للفضائيات ( اليمن سبأ ) كما في صحف الدولة والمؤتمر التي توحدت في الخطاب والطرح تم حشد الأخبار عن تأييد القبائل والمؤسسات والتيارات والشخصيات البارزة والأحياء والأموات للرئيس والشرعية الدستورية وقد قدمت بعض الشخصيات البارزة والمغمورة في الإعلام الرسمي استقالتها وانضمت للثورة . سهيل المنبر الإعلامي للثورة: تعتبر قناة سهيل التي انطلقت قبل أكثر من عام هي المنبر الإعلامي الأهم للثورة اليمنية وقد قامت بمتابعة الأخبار وتغطية كافة الفعاليات الداعمة للثورة وقامت بالبث المباشر من ساحة التغيير ووثقت كافة المهرجانات الشبابية التي تطالب برحيل الرئيس من عموم اليمن كما أجرت حوارات مع الشخصيات البارزة والداعمة للثورة وبثت خطاب الشيخ يوسف القرضاوي والدكتور طارق السويدان وكذا حوار الشيخ الزنداني والشيخ إسماعيل عبد الباري حيث قدما تأصيلاً شرعياً للثورة . كما بثت سهيل الكلمات التي ألقتها الشخصيات الهامة التي زارت ميدان التحرير ووفود القبائل وقامت ببث أخبار الاستقالات وكل ما من شأنه خدمة الثورة بالخبر والصورة والشعر والكلمة والرسومات وتابعت أخبار اعتداءات البلاطجة ورجال الأمن على المعتصمين في ساحة التغيير لقد نجحت سهيل في أن تكون منبر الثورة الإعلامي بكل معنى الكلمة رغم وجود بعض الملاحظات عليها. السعيدة متوازنة قناة السعيدة بدت غير مهتمة بما يجري من أحداث إلا أنها بعد أسابيع من الاعتصامات والمظاهرات بدأت تخصص البرامج التي تهتم بالأحداث وتجري الاتصالات من ميادين التغيير مع شباب الثورة والناشطين والإعلاميين وكذلك مع مسئولين حكوميين وشخصيات إعلامية موالية للنظام . لقد ظهرت السعيدة متوازنة إلى حد كبير ومهتمة بالأحداث رغم أن خارطتها البرامجية لم تتأثر كثيراً حيث استمرت بتقديم برامجها المعتادة ويشكل برنامجها "حصاد اليوم" الذي تابع الأحداث ونقل عن شبكة مراسلين ما يجري في العاصمة والمحافظات كما استضافت السعيدة في برنامج حواري خصص لمناقشة الأحداث شخصيات من كافة الأطراف وقد دفعت السعيدة الثمن فاختطف الأمن القومي مديرها الأستاذ عبد الغني الشميري وقد تم الإفراج عنه نتيجة لضغط شعبي كما اتهمت القناة بانحيازها للثوار رغم أنها تأتي بالرأي والرأي الآخر ورغم أنها تجري اتصالات مع مسئولي النظام وقياديين في المؤتمر للتعليق على مختلف الأحداث إلا أن القناة تشكو من تهرب بعض المسئولين من التفاعل معها وال . ماذا عن قناة العقيق؟! قناة العقيق الفضائية التي يملكها مترجم الرئيس الأستاذ فارس السنباني والتي تبث من مصر ويديرها هناك مصر أنور الأشول وإن بدت متحررة نوعاً من التبعية الكاملة للرئيس فلا مجال للمقارنة بينها وبين قناة "اليمن" لكن لا أحد ينكر أن العقيق وقفت مع النظام بقوة وكانت أحيانا تنقل عن قناة اليمن وللإنصاف فبرامجها ترتقي كثيرا عن قنوات اليمن والإيمان وسبأ وهي وسائل إعلام الرئيس المخلوع شعبيا والتي أساءت للإعلام وللمهنية ولمهنة الصحافة ونزلت إلى مستوى من التضليل والكذب والسوقية وتزييف الحقائق لا يخطر على بال. هناك في العقيق للإنصاف نخبة متميزة من المذيعين ومقدمي برامج فيها كالأستاذ عارف الصرمي والأستاذ نبيل الصوفي والأستاذ أنور الأشول والأستاذ محمد منصور وغيرهم كما استضافت القناة شخصيات معارضة في برامج حوارية أحدها يبث من مصر يقدمه أنور الأشول حيث أستضاف البرنامج الدكتور محمد المخلافي والأستاذ علي الصراري والأستاذ فكري قاسم وهؤلاء مصنفون ضمن المعارضة وهناك برنامج حواري متميز يقدمه الأستاذ عارف الصرمي ويستضيف شخصيات من كل الأطراف. العقيق قناة واعدة ولها جمهور لا بأس به ربما يصل إلى 7% من الجمهور اليمني إلا أن التوجه الغالب للقناة كان وما يزال مع الرئيس وخاصة في الشريط الإخباري فالأخبار النصية لا تختلف عن أخبار قناة اليمن ورسائل المشاهدين يبث منها ما يمدح النظام ويثني على الرئيس ويهاجم المشترك والإصلاح ولا تبث الرسائل النصية التي تشيد بثورة التغيير رغم أن مشاهدين كثر أكدوا للكاتب أثناء إعداد هذه الدراسة أنهم أرسلوا رسائل نصية تشيد بثورة التغيير فلم تبثها القناة وهذا يقدح بمصداقية وسيلة إعلام من المفترض أن تكون محايدة ولا تتبنى نظر أحادية وإن كانت تمول من السلطة فالرئيس يصرف للسنباني من أموال الشعب وليس من خزينته الشخصية. كبوة الجزيرة : شن الإعلام الرسمي اليمني حملة مسعورة ضد قناتي الجزيرة وسهيل وقد وصف قناة الجزيرة بالصهيونية وكال لها الاتهامات لتغطيتها الفاعلة لأحداث ثورة اليمن وقد وقعت الجزيرة في خطأ مهني عندما بثت شريط فيديو أرسله أحد المشاهدين عن جنود يضربون محتجين داخل سجن واتضح فيما بعد أنه بالعراق وليس باليمن وقد اعتذرت الجزيرة عن ذلك وجل من لا يسهو ولكن فضائية اليمن والإعلام الرسمي وجدت في خطأ الجزيرة كنزاً ثميناً فظلت تكيل لها الاتهامات وتدلل على افتراءاتها بذلك الخطأ مع الاعتذار حيث تم بثه مئات المرات تحت اسم الفضيحة. ورغم إغلاق مكتبها وطرد مراسليها أحمد زيدان وعبد الخالق صداح استمرت الجزيرة تنقل المشهد اليمني من مختلف جوانبه وتتصل بشخصيات من السلطة والمعارضة دون أن تلتفت لتلك الاتهامات التي ترددها أبواق الإعلام الرسمي . إعلام جديد وفاعل: من الخطأ الفادح عند تقييم تناول الإعلام اليمني لثورة الشباب إغفال الإعلام الجديد كالفيسبوك ورسائل الموبايل والمدونات فقد تأثر الشباب اليمني بثورة الشباب في مصر والتي سميت بثورة الفيسبوك فسارع عدد كبير من الشباب اليمني إلى التسجيل بالفيسبوك والبحث عن الأصدقاء وتشكيل مجموعات تدعو للاعتصامات والثورة وانتشرت أخبار المظاهرات والصور الساخرة من الزعماء ودعوات التظاهر . لقد شكل الفيسبوك ساحة للتراشق بين أنصار الرئيس والمطالبين برحيله كما شهد دعوات حارة للثورة ومتابعة أخبارها بالخبر والصورة والفيديو . وماذا عن الصحافة المحلية؟! رغم أن الفضائيات مثلت الوسائل الإعلامية الأهم لوصولها إلى كل المواطنين ولقصور الصحافة وعدم امتلاكها من الوسائل والإمكانيات ما يجعلها تصل للأرياف أو تطبع كميات كبيرة من النسخ ولكن الصحافة رغم نخبويتها ما تزال تشكل وسيلة إعلام هامة جدا وعند تقييم تناول الصحافة لثورة التغيير الشبابية السلمية نجد أن الصحافة تنوعت اتجاهاتها بحسب موقف الجهة التي تصدرها فالصحافة الرسمية كصحيفة الثورة والجمهورية و14 أكتوبر والسياسية حسمت أمرها من أول وهلة وانحازت لما أسمته الشرعية الدستورية للرئيس وقامت بتغطية كافة الفعاليات التي خرجت لتناصره في ميدان التحرير والسبعين وأبرزت الصور والعناوين والأرقام المبالغ فيها وتساوت بذلك مع صحافة المؤتمر الشعبي العام ك الميثاق و22 مايو وغيرهما والتي شنت حملة شرسة على اللقاء المشترك وشباب التغيير حتى بلغ بها الأمر إلى تجريح شنيع للشخصيات والهيئات ونشر الافتراءات والأكاذيب والشتائم مثلها مثل الصحف المدعومة من السلطة وظاهرها الاستقلال مثل صحيفة الدستور وصحيفة حشد وصوت العمال وهما يمثلان تشويهاً بالغاً بالصحافة التي يفترض أن ترتقي عن الشتائم والسباب وقد واصلت الصحافة الرسمية تغطية الفعاليات الرسمية العادية كاجتماعات الحكومة ونشاطات الوزارات وافتتاح المشاريع لتوحي للرأي العام أن الأمور تمضي على ما يرام لقد انحرفت الصحافة الرسمية كثيراً وكان يفترض بها الحيادية أما صحافة المؤتمر فهي نوع من الشتائم السوقية البعيدة عن الصحافة الراقية والموضوعية . صحافة أحزاب المشترك مع الثورة : الصحف التابعة لأحزاب اللقاء المشترك كالصحوة والعاصمة والثوري والوحدوي انحازت للثوار السلميين وقامت بتغطية الفعاليات التي تقام في منصة التغيير ونشرت صور القتلى والجرحى والمفقودين ووثقت للاعتداءات التي قام بها البلاطجة ضد شباب الثورة وأخبار العصيان المدني والمسيرات في العاصمة والمحافظات ونشرت مواقف ورؤى أحزاب المشترك وأحزابها وأخبار قيادات المشترك كما نشرت مقابلات وأخبار المؤسسات والشخصيات التي أعلنت انضمامها للثورة فهذه صحيفة الصحوة مثلاً في عددها ( 1272 ) الصادر في يوم الخميس : 18 / جماد الأول / 1432ه الموافق : 21 / إبريل / 2011م تنشر حواراً مطولاً على صفحتين مع النائب البرلماني والقيادي السابق بالمؤتمر محمد عبد الإله القاضي أجراه راجح بادي وغمدان اليوسفي كما حفلت صحافة المشترك بالصور المعبرة ورسوم الكاريكاتير الساخرة والمقالات الساخنة التي تشيد بثورة الشباب وتمجد الشهداء وتنتقد الحاكم وتطالب برحيله . كما أجرت صحافة المشترك لقاءات واستطلاعات من ساحة التغيير وقامت بمتابعة جهود الأشقاء الخليجيين والمبادرة الخليجية وبعض من ردود الأفعال الدولية على ما يجري في اليمن . للصحافة المستقلة موقف مشرف : انحازت معظم النخبة اليمنية لثورة التغيير وكذلك الصحافة المستقلة كان لها موقف مشرف ومناصر للثورة بل لقد نقلت بعض الصحف مقراتها إلى ساحة التغيير كصحيفة " القضية " وقد كان للصحفيين خيمة معروفة يلتقون فيها ويتبادلون الأخبار والمعلومات وتقوم وسائل الإعلام كالقنوات المحلية كسهيل والسعيدة وكذلك الفضائيات العربية والأجنبية كالجزيرة والبي بي سي العربية والإنجليزية وقناة العربية والحوار والمستقلة وفرانس 24 والسي إن إن وغيرها . الصحافة المستقلة كالمصدر والغد وإيلاف والناس وحديث المدنية والشاهد والأمناء والرشد وأخبار اليوم والأولى كل هذه الصحف كانت صادقة في تغطيتها لأحداث الثورة ومتابعة أخبارها وتغطية المسيرات في المحافظات وأخبار الاعتصامات والفعاليات التي تقام فيها وكذلك الاعتداءات التي تطال الثوار والشهداء والجرحى والمفقودين وكذلك أخبار المنظمين للثورة من المسئولين السابقين وأعضاء المؤتمر الذين انضموا للثورة تحت مسمى كتلة العدالة والبناء وكذلك ردود الأفعال الدولية والمواقف والجهود والإقليمية إضافة إلى التحليلات السياسية عن الثورة وأحداثها . " المنتدى " عدد خاص عن الثورة: أصدرت مجلة المنتدى التابعة لجمعية الحكمة التي تشكل مع جمعية الإحسان السلفية المعتدلة في اليمن عدداً خاصاً عن الثورة وضمنته رؤية شيوخ السلفية المعتدلة كالشيخ محمد المهدي والشيخ عقيل المقطري والشيخ عمار بن ناشر العريقي والشيخ أحمد حسن المعلم والشيخ مراد القدسي وغيرهم لما يجري حيث يرى الشيخ عقيل المقطري أن المظاهرات والاعتصامات يحكم عليها شرعاً بالمصلحة والمفسدة وأنها قد تكون مستحبة وواجبة إن اقتضت المصلحة ومال الشيخ المقطري إلى جوازها لما حققت من مصالح كما هو في مصر وتونس . كما تضمن العدد السابع عشر من مجلة أبواب ملفاً موسعاً عن الثورة وكذلك مجلة النور أصدرت أعداداً خاصة عن ثورة التغيير. صحف سلطوية ظاهرها الاستقلال: هناك صحف تتبع السلطة بشكل أو بآخر ولكنها تبدو كأنها مستقلة ومن هؤلاء صحيفة "اليمن" و"الوسط" و"الشارع" وقد حاولت هذه الصحف نشر الأخبار الكاذبة عن شباب التغيير والثورة والفرقة الأولى مدرع وعن اعتداءات لشباب التغيير على الناشطين والناشطات اليساريات والليبراليات وأن الشباب في المنصة يرفضون إعطاء هؤلاء وقتاً للحديث للمعتصمين . وللصحافة الإلكترونية دور فاعل ومثلما تلونت تغطية الصحافة الورقية تبعا للمواقف التي صدرت عنها ظهرت الصحافة الالكترونية وقد تعرضت الصحافة الالكترونية المستقلة والمحايدة للحجب والقرصنة مواقع مستقلة وهامة مثل "المصدر أون لاين" و"مأرب برس" و"الحدث" و"نشوان نيوز . شهداء وتضحيات: انضمت إدارة نقابة الصحفيين لثورة التغيير ووجدت في ساحة تكتلات صحفية دعمت ثورة الشباب إعلامياً مثل صحفيون من أجل التغيير وصحفيات بلا قيود وغيرها وقد قدمت الصحافة شهداء مثل جمال الشرعبي ومحمد الثلاياء رحمهم الله كما تعرض بعض الصحفيين من الذين كانوا شهوداً على المجازر لجروح واعتداءات ومضايقات عديدة وتهديدات وتعرضت عدة صحف للإتلاف والحرق والمصادرة والمنع من دخول بعض المحافظات مثل صحيفة حديث المدينة وإيلاف والأولى وأخبار اليوم .