غالبا تمر الأشياء، والأحداث، والأشخاص، والدنيا كلها باعتباريتها واعتباراتها، دون أنْ نتفكَّرَ بالدلالات من ذلك! تتجهُ نفوسُنا السقيمةُ إلى البحثِ عن التفاصيلِ التي تُفقِدُ العقلَ ، والنَّفس ، والروحَ َ، مقاصدَهم ؛ فمقاصدنا ؛ ووظيفتهم الحقيقة التي أناط بها الله سبب استخلافه للإنسان ؛ وتُضَيَّعُ من الإنسان - في تلك اللحظةِ المفرطةِ من الغباءِ الثري والجهلِ المُتْرفِ والعماءةِ الغنية - فرصةَ البقاءِ الفخم المفعم بالحياة الحقة ؛ وفرصة النقاء الإنساني الغالب للوهم ! العقل الناقد - المتأصل فيه الرَّوية والهدوء والسلام - هو مخرج الإنسان ، من أخطاء الإنسان ، حينَ الأتيان على الأحداث التي تراكمت زمن الإنحطاط ، وأوقات التخبط والتَّتبُعِ الذي يومي عن فراغ عقلي مجحِف بخصيصة العقل عند مَن مُيِّزَ بالعقل . تلك مأسآتنا ! وأعظم بها من كارثة !! نقرأ التاريخ ، والأحداث ، والظواهر - بغباء مفرط - دون تشغيل العقل في البحث عن دلالات التاريخ ، والأحداث ، والظواهر . وكأنما هي عابرة ، لا محالةَ عابرة - مجرد عبور ! الأمثلة التي تُساق ؛ توضح الفكرة في كلام جاف حاف كهذا ! .. نعم . نتلو في كتب التاريخ عن زمن عمر بن عبدالعزيز ، تلك القصة المشهورة عن الراعي الذي كان يرعى غنمه والذئب هناك يستخلفه على غنمه إذا دَبَّت غفوةٌ على جفني الراعي . فجأة يقفز الذئب ، ويلتهم إحداهن ! يروي الرواة .. أنَّ الراعي قال : " والله لقد مات صاحبُنا " - يقصد عمر بن عبدالعزيز - ونأتي نحن لنختلف عن تفاصيل الرواية : - هل قيلت ؟ - هل ذلك حقاً قد حدث ؟ - اختلاف الروايات بالنقل ! - من القائل ؟ - وأشياء أخرى.. ولكن هل تساءلنا ببساطة - مع اختلاف تلك التفاصيل : ما هي دلالات الراوي والرواية ؟ في قناعتي ورأيي أن الدلالة في الحدث هو أن عمر بن عبدالعزيز حقق قدرا هائلا من العدالة الاحتماعية التي يتشوق لها الإنسان في أي مكان ؛ وكان من ذلك أن الرواي أراد - رغم الخلافات والاختلافات في التفاصيل - أن ينقل لك دلالة ظاهرة سعى لتحقيقها عمر بن عبدالعزيز - وحقق منها قدرا جليلا . تلك هي دلالة الحدث المروي .. وتلك هي التفاصيل .. فنترك الدلالة ؛ وتموت الأمة في خلافات التفاصيل . وهذا هو الضياع الذي نحن فيه منذ أن تمزقت القلادة ؛ حين ذهبنا في البلاهة والبلادة ، ببلاغة عجيبة تتهافت غباءاتنا في رواية تاريخ القلادة دون أن نفكر عن دلالات ضياع القلادة - من الأصل ! وبكينا وظلنا نبكي وسنبقى نبكي إلى أن يعود العقل من غياهب سجنه ؛ إلى الحرية والماء والهواء كعقل ناقد وليس كوعاء يتسلم الأشياء ! .. والمعرفة سلاح المعركة ! معركتنا الحقيقية مع الجهل .. ليس الا ! أفيقوا يرحمكم الله وقوموا إلى عقولكم قبل أن تبلى وتقضي ! وصوموا عن الجهل ؛ تَصِحُّوا . دعوة محمد - الثائر العربي الأول - ما جاءت إلا لمواجهة الجهل . "أنتم أعلم بشؤون دنياكم" أليس محمد هو القائل ؟ ذكروني ! وللحديث بقية .