احباط تهريب 213 شخصًا من اليمن ومداهمة أوكار المهربين.. ومفاجأة بشأن هوياتهم    بصعوبة إتحاد النويدرة يتغلب على نجوم القرن و يتأهل إلى نصف النهائي    دورة الانعاش القلبي الأساسي للطاقم الطبي والتمريضي بمديرية شبام تقيمها مؤسسة دار الشفاء الطبية    الدوري الايطالي ... سقوط كالياري امام فيورنتينا    الروس يذّكرون علي ناصر محمد بجرائم 13 يناير 1986م    الشراكة مع الشرعية هرولت بالإنتقالي لتحمل جزء من فاتورة الفساد!!    محاولات التركيع وافتعال حرب الخدمات "يجب أن تتوقف"    المهندس "حامد مجور"أبرز كفاءات الجنوب العربي تبحث عنه أرقى جامعات العالم    تصحيح التراث الشرعي (32) أين الأشهر الحرم!!؟    السعودية تقدم المزيد من الترضيات للحوثي    رونالدو يفاجئ جماهير النصر السعودي بخطوة غير مسبوقة والجميع ينتظر اللحظة التاريخية    إعلان سعودي رسمي للحجاج اليمنيين القادمين عبر منفذ الوديعة    المشروع السعودي "مسام": 84 مدرسة في تعزز تضررت من الألغام الحوثية    نجل القاضي قطران: والدي معتقل وارضنا تتعرض للاعتداء    احتجاز نجم نادي التلال العدني وثلاثة صيادين في معاشيق: نداء عاجل لإطلاق سراح أبناء صيرة المقاومين    هل لا زالت تصرفات فردية؟.. عبدالملك الحوثي يبرر اعتقال الناشطين وتكميم الأفواه ويحذر: مواقع التواصل عالم مفخخ وملغوم    الحوثيون يسرقون براءة الأطفال: من أيتام إلى مقاتلين    شاهد: "المشاط يزعم أن اليمن خالٍ من طبقة الأوزون والاحتباس الحراري ويثير سخرية واسعة    منارة أمل: إنجازات تضيء سماء الساحل الغربي بقيادة طارق صالح.    مأساة في عدن: فتاة تنهي حياتها قفزًا بعد تراجع معدلاتها الدراسية    "دموع العروس تروي حكاية ظلم": ضابط حوثي يقتل شاباً قبل زفافه!    ذئب مفترس يهجم على شبان سعوديين داخل استراحة.. وهكذا تمكنوا من هزيمته "فيديو"    العطس... فُرصة للتخلص من السموم... واحذروا كتمه!    بنك اليمن الدولي يرد على شائعات افلاسه ويبرر وقف السحب بالتنسيق مع المركزي .. مالذي يحصل في صنعاء..؟    بنك مركزي يوقف اكثر من 7شركات صرافة اقرا لماذا؟    الحكومة تطالب دول العالم أن تحذو حذو أستراليا بإدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب    الهلال الأحمر اليمني يُساهم في توفير المياه الصالحة للشرب لمنطقة عبر لسلوم بتبن بدعم من اللجنة الدولية ICRC    - بالصور لقاء حماس وحزب الله وانصارالله في ايران كمحور مقاومة فمن يمثلهم وماذا دار؟    إقالة تشافي والتعاقد مع فليك.. كواليس غضب لابورتا من قائد برشلونة السابق    مصادر: مليشيات الحوثي تتلاعب بنتائج طلاب جامعة إب وتمنح الدرجات العالية للعناصر التابعة لها    "القسام" تواصل عملياتها برفح وجباليا وجيش الاحتلال يعترف بخسائر جديدة    بسبب مطالبته بدفع الأجرة.. قيادي حوثي يقتل سائق "باص" بدم بارد في ذمار    سنتكوم تعلن تدمير أربع مسيّرات في مناطق سيطرة الحوثيين مميز    نايف البكري يدشن صرف البطاقة الشخصية الذكية لموظفي وزارة الشباب والرياضة    المحكمة حسمت أمرها.. حكم بتنفيذ عقوبة ''القذف'' ضد فنانة مصرية شهيرة    ماذا قال السامعي و الكبوس والكميم ووزير الشباب    رسميا.. برشلونة يتواجد بالتصنيف الأول في قرعة دوري أبطال أوروبا    ليفاندوفسكي يفشل في إنعاش خزائن بايرن ميونيخ    وزير الأوقاف يحذر ميليشيا الحوثي الارهابية من تسييس الحج والسطو على أموال الحجاج    الحوثيون يقيلوا موظفي المنافذ ويجرونهم للسجون بعد رفضهم السماح بدخول المبيدات المحظورة    الهلال يُشارك جمهوره فرحة التتويج بلقب الدوري في احتفالية استثنائية!    سموم الحوثيين تقتل براءة الطفولة: 200 طفل ضحايا تشوه خلقي    شاب سعودي طلب من عامل يمني تقليد محمد عبده وكاظم.. وحينما سمع صوته وأداءه كانت الصدمة! (فيديو)    تغاريد حرة .. الفساد لا يمزح    للوحدويين.. صنعاء صارت كهنوتية    ورحل نجم آخر من أسرة شيخنا العمراني    مفاتيح الجنان: أسرار استجابة الدعاء من هدي النبي الكريم    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    إحصائية حكومية: 12 حالة وفاة ونحو 1000 إصابة بالكوليرا في تعز خلال أشهر    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في «رواية جمعة ذات الأسماء الخمسة» للدكتور ياسين سعيد نعمان
عندما تحاكم ذاكرةْ الأديب يتوبيا السياسي
نشر في الجمهورية يوم 07 - 11 - 2013

يبدو من الواضح الانزياح المتعمد في العنوان لهذه الورقة المتمثل في تسكين كلمة ذاكرة. لن أتردد كعربي من إجراء كهذا خصوصا ما إذا كان الحدث اللغوي الذي نحن بصدده يستجدي الذاكرة وتستجديه في حالة من ثنائية تبدو حتمية تصاحب تاريخنا فيكاد يصاحبها. ذاكرتنا العربية وتلك الثنائية الأزلية التي تتناوبها عبر القرون بين فاعل ومفعول وبنسبية مغالية درجت عليها بداوتنا الحضارية ووحشيتنا الألسنية بين شعوب العالم وشعاب التاريخ منذ الأزل وما نزال. هذا ما يبرر ربما النزوع لتسكين هذه الذاكرة سكونا بالمعنى الوظيفي لا بالمعنى النحووصرفي ولو مؤقتا علّنا نصل إلى مستوى من الموضوعية بعيدا عن إملاءاتها ثنائية الأبعاد: وسط هذا المجال التجاذبي المخيف بين فاعلها ومفعولها الذي معه تكاد احتمالية وجود فعل من أي نوع تنعدم تماما. هذا ما قد يعززه الموقف الذي تتخذه اللفظة المشكِّلِة من ناحية أورثوجرافية مبدئيا ثنائية محايثة في هذا الخطاب على الأقل: أعني (يتوبيا), في مقابل (ذاكرة) التي يصعب معها أن تأخذ اية قيمة من نوع فاعل أو مفعول وتكتفي كدخيل معجمي وسيكولوجي وسياسي وفلسفي بل وحتى أخلاقي في هذه الذاكرة بأن تتمثل بنية فكرية محايدة تتبع هذه الأخيرة وتشتغل على هامشها فإذا ما أختار العربي أن تكون ذاكرته (ذاكرةٌ) ذهبت يتوبياه لتقوم بدور المفعول وإن إختار (ذاكرةً) كانت يتوبياه فاعلا.
هذه فقط صورة أولية لنوعية الصراع الذي يقذف الخطاب قيد التحليل هنا نفسه في أتونه والذي سيصعب مع المضي في تحليله الوصول به الى مخرج في مغامرة كهذه أو حتى السيطرة على كل تشعباته المتطرفة , الأمر الذي يوازي المأساة نفسها في صيرورة النص نفسه (الرواية) الى خاتمة.
رصد وتحليل مبدأي
أولاً: في المنهج والميتالغة المصاحبة:
يتحدث جينيت عما يمكن ترجمته(مؤولات فوق نصية) paratextualimplicatures(1) , والتي يكون منها حتى سمعة أوهوية صاحب النص واسم الناشر بل وحتى ظروف النشر وتاريخه الخ. كل ما يمكن ان يشارك في تكوين النص ليس في مراحل الكتابة من الكاتب بل والقراءة من المتلقي. من ذلك ما يكاد يدشن بذاته مدرسة في النقد تحت هذا الاسم (النقد التكويني) كما نلمس في كتابات مارك دي بيازي مثلا(2). وعموما هناك من يحاول اليوم أن يجمع الكل ليكون توجها جديدا في النقد تحت مسمى المنهج البراغماتي في النقد.
أقول هذا لأسباب منها بيان المنهج المقتفى في هذه القراءة وكذا بسبب ما يثار يوميا محليا وعربيا من نقاشات تعكس حالة مخيفة من إدعاء ومغالطات وعدم وقوف متعمد ربما على واقع ميثودولوجيا التحليل الخطابي وأدبيات البحث النقدي. الأمر الذي نلمسه جليا في التقليعة المتبعة في عمل مقدمات للنصوص الأدبية لدرجة بلغت حداً يشبه الطقوس المستغرقة في العرفانيةوالتي لا تفضي في أحسن حالاتها إلا الى ما يشبه ( الإمامية) الإبداعية تقوم بما درجت عليه في ذاكرتنا المنكوبة من توزيع صكوك ومِنح غفران.
بالإشارة الى جينيت ورفاقه أعلاه ربما كان قدر المقدمة التي كتبها الدكتور عمر عبدالعزيز للرواية ألا تكتفي بأن تكون مقدمة للغة الرواية بل ومقدمة للميتالغة المحتملة المحللة لتلك اللغة - هذه الورقة على الأقل. ونظرا لكل الظروف المعروفة والمصاحبة لقراءات كهذه والإشكالات المتعلقة بالحجم أثناء النشر فإننا سنكتفي فقط بالتعريج على أهم ما يلفت في المقدمة من اختلالات منهجية ونظرية واصطلاحية هي نموذج لما اعتاد أن يصلنا من الكتابات الأدبية والفكرية العربية المعاصرة أو لنقل التي تدعي المعاصرة وتنتحل على الدوام صفات وألقاب أخرى كالحداثة وما شابه. مع التذكير بأن الدافع لرصد مثل هذه الإختلالات المفترضة ليس أخلاقيا يبتغي الإنتصار للحقيقة والعلم وإنما منهجي براغماتي انتقائي صرف. ذلك أن ما سيُرصد يتعالق مباشرة مع المخطط الهرمونتيكي المزمع تصوره في التحليل ويتآزر بقوة على مستوى الآلية مع معظم ما سيتم العرض له من مصفوفات ومتوازيات بنيوية ومتلازمات تكوينية وفوق نصية بل ويكاد أن ينتظم في النسق القرائي العام الذي سيتم العرض لتفاصيله في الجزء الثاني من الرصد والتحليل.
لا يكترث كثيرون الى فروق دقيقة آناء الإصطلاح قد تفضي حال الخلط الى كوارث معرفية مخيفة فمن (زاوية الروي) التي منها (الراوي العليم) الى (صوت الروي), درج معظم من أعنيهم بقولي هذا على الخلط لا بين هذين الأخيرين فقط وإنما بين الأنواع الثلاثة المنتظمة تحت كل منهما. فالراوي العليم هو زاوية روي وليس صوت روي وينتظم الى جواره راوي متكلم وثالث غائب. ويمكن أن نوجز القول بأن القصد في التفريق هنا بين هؤلاء الثلاثة هو إجراء يتعلق بالمنظور السردي للأحداث سواء كان شعرا أوسردا . فالعليم كما في الفردوس المفقود والأرض الخراب هو حالة من تعدد أصوات غائبة ومتكلمة تعمد لتسويغ إجرائها هذا إلى الملحمية والتقطيع الإنتقالي زمانا ومكانا في الشعر أو تيارات الوعي في الرواية والقصة كما في خريف البطريارك.. ويتم التنقل بين هذه الزوايا المختلفة للروي دون أن يكون أحدها سابقا كرونولوجيا للآخر على مستوى الشخصيات أو مقدما واعيا له في الأحداث. ويتحدث القوم عن اصوات ثلاثة للروي متكلم مشارك و متكلم متابع وغائب. ويدمج جينيت الأثنين الأولين في واحد مع إعطاء اسم homodiegetic للمشارك وhetrodiegeticللمتابع بينما يضع الصنف الثاني من أصوات الروي في كل ما عدى ذلك. وقد أختزلت كل هذه التوصيفات مؤخرا في إثنين فقط راوي داخلي وراوي خارجي. والمقصود في تفصيل كهذا هو الوقوف على مصطلحات عائمة ما عادت قيد التداول ما يزال بعضنا يطلقها قبل الوعي بها وتاريخها بدوغمائية وتعال مثيرين للشفقة . فكما رأينا لا يمكن لراوي عليم ينطلق من راوي متكلم (1) كما في رواية (جمعة) ليقدم لنا راو متكلم (2) هو جمعة نفسها ستقوم بدورها بتقديم الراوي المتكلم(1) مرة أخرى !!! إلا إذا كان إطلاق مثل تلك التوصيفات تسويقا ممنهجا لفشل سردي لا يجد غضاضة في تحويل الرواية الى فن حكواتي بالمعنى الشعبي. فحتى الإجراء الفني المصاحب لزاوية الروي من منظور العليم غائب تماما حيث لا تقطيع زمكاني يعطي لون الرواية الحق في التماهي مع الملحمة الشعرية كانزياح من الدرجة الثالثة ولا تيارات وعي لا بمعناها السيكولوجي للشخصيات ولا النقدي لبنية النص ككل. وهذا هو ما أفضى تقريبا الى تراجيديا نصية تمثلت في العجز شبه التام عن التحكم بخيوط الأحداث والتذبذب بين الموتيفات والوحدات النصية للحدث والأحداث المصاحبة مكانا وزمانا : الحرج الذي بلغ أوجه في الخاتمة حيث يُترك القارئ في هاوية ذهانية صادمة وكأنما قرأ جزءا من رواية لا رواية مكتملة.
وفي نفس السياق أيضا نجد مصطلحات استعراضية لا أدري كيف ولم وُضعت أو كيف خدمت النص مثل (ميتافورا) التي لا أدري كيف يكون الأدب الحكائي بالذات فنا مالم يكن ميتافورا!! إلا إذا كان القصد استعراض المصطلح نفسه بأصله اللاتيني.
بقي وباختصار مما ورد في المقدمة ويتعالق بالدرجة الأولى مع التصور الهرمونتيكي المتوقع للتحليل هنا (الزمن الدائري) وبالرغم من قناعتي أن الرواية اعتمدت تقنية(الفلاش باك) , وبالرغم من أن كل ما تم رصده في المناحي المنهجية والإصطلاحيةللميتالغة المقدمة للرواية قد يمكن التغاضي عنه وتجاوزه , وبالتركيز فقط على الرواية نفسها بعد إسقاط كل التهم التي نجمت عن محايثاتبارانصية .. بمعنى أن نتعاطى كل ما رصدناه كناحية قصور في بنى الرواية فقط كموتيفات أسلوبية وحملها على ما يشبه حالة الإنزياح .. فبالرغم من هذا كله لا يمكن لقراءتي هذه إلا أن تلح على كل ما صاحب النص كلغة بما في ذلك المقدمة المذكورة لتعالقات ضرورية تقتضيها الظروف القارئة للمآلالهرمونتيكي للنص كحدث بل وتصريح (متأدب) من سياسي مخضرم كما سيتضح آخر التحليل في الإحتمال التأويلي.
وعليه فإن من الضروري هنا أن نقول أن رغم كل شيء, تبقى توصيفات ك (الزمن الدائري) وغيرها حالة من استغلال أكاديمي لمناسبة كتابية بغية تأصيل أيدلوجي لا يكاد يخفي هويته العرفانية بتصريحه هو. مصطلحات فلسفية لا تتحلى بأية علمية ولا تبشر بأية مكاشفات تجريبية من شأنها أن تتسق في رؤية قرائية متكاملة تدفع بإقناع وموضوعية باتجاه مزيد من وضوح الكيفية التي سلكها الدال صوب المدلول.
ثانيا في بنى الرواية ومقاربات تحليلية
1 متعلقات بالعنوان والاسم (جمعة)
في العنوان (جمعة ذات الأسماء الخمسة)شيء لافت جدا : (جمعة) + (ذات) + (الأسماء الخمسة) ما يمكن قراءته كالتالي: جمعة لها أسماء خمسة وهذا فقط يخرج كلمة(جمعة) من احتمال أن يكون من ضمن الأسماء الخمسة التي هي (جوهرة – فضيلة – ولاء – عهدة – أصيلة) وبهذا تكون الكلمة (جمعة) شيء آخر غير الإسم(اللغة) . غير أن هذه ال (جمعة) ايضا ليست ال(ذات) ال(شيء) المتسمي بواحد من الأسماء الخمسة أو كلها. بمعنى أن جمعة حالة من لاهوية وجودية مطبقة تتجاوز (الكلمات والأشياء) بمصطلحات فوكو . جمعة كإنسانة صارت بالعنوان مقصية , مهمشة , مغيبة بلا هوية (بلا وجود) ليس في المجتمع (الواقع) بل وفي عالم الكلمات والمثل.
تشذ الجمعة و السبت عن أيام الإسبوع من ناحية الاسم حيث أنهما لا يحيلان إلى دلالة رقمية الأمر الذي يجعل من الأسبوع (خمسة) ايام من نوع معلوم + (جمعة) و يوم سابع مفقود. يتآزر هذا مع (2) كما سيأتي ويمكن وضع هذه الوحدة المؤولة بين قوسين(بعد زمني غير مكتمل) لنعود إليها آخر الشيء في الإقتراح التأويلي.
لا هوية (جنسية) للاسم جمعة حيث أنه يطلق على الإناث في بلدان عربية وعلى الرجال في بلدان أخرى.
إحالات جنسية سريرية حيث أن الجذر لجماع وجمعة واحد مع ملاحظة ثانوية متعلقة بالعلاقة الحميمية بين الأزواج في اليمن والتي درج المجتمع على أن تكون أسبوعية في الخميس ويستتبع ذلك استحمام صباح الجمعة وطقوس أخرى تكاد معها الجمعة أن تكون نتا
احالات دينية حيث أن الجمعة يوم طقوسي يختص به المسلمون.
2 إحالات ضمنية ومباشرة الى ثقافة (زيدية) أو (إرث أمامي شيعي) يمكن سرد بعضها في النقاط التالية:
لقب (السيد)
معظم أسماء الرواية صراحة: (زينب ,حسين) أو تمويها (المهتدي)
مفاهيم شيعية تتآزر بقوة في الإشارة بارتباطها المباشر بالسيد : العرفان( العراف أو المداوي كنشاط هرمسي للسيد) + الرؤيا (رؤية السيد في الحلم) وهي الرؤيا الوحيدة + الغيبة (الإختفاء الغامض للسيد فلا هو مات ولا هو عاد) + التنظيم السري الذي انتمى له السيد وكان السبب في غيبته الأمر الذي يتداعى مباشرة في الذاكرة التاريخية مع النشاط الحركي السري للحركات الشيعية عبر العصور.
رمزية الأرض التي هاجر إليها السيد بأرض فيها غيول وزراعة وما يتداعى مع ذلك في الذاكرة من أندلس الدولة الفاطمية في مصر يتآزر هذا مع الإلحاح على وقوعها في (الشرق) مع بدء الرحلة إليها وما دأبت عليه لفظة (الشرق) في مخيالنا الفلسفي من إسقاطات مباشرة وغير مباشرة على حلم ابن سينا والفلسفة المشرقية وما لذلك من تأصيل في العقل الشيعي الإسماعيلي.
وكما ورد قبل من بقاء خمسة أيام فقط في الأسبوع وجمعة ويوم مفقود يمكن ربط هذا بمتوازيات رقمية قد تصب في ذات السياقات مثل المذهب الزيدي الذي يعتبر الخامس رسميا في اليمن .
ثيمات أخرى مثل التشرد والمظلومية وتلازم ذلك مع وجود أخوين في بيت الحاج المخاوي.. الخ.
3 ارتباك أسلوبي بتردد عالي يكاد يمثل انزياح بنفسه أو متوازية تتبادل الصعود والهبوط بتكرار مقلق بين بؤر روائية هشة جدا ومسرحة ساذجة أحيانا لتصرفات الشخصيات وفشل حكائي في مواطن (مثلا وجود مقاعد قبل عقود يرتمي عليها الأشخاص حال الذهول كما في المسلسلات المصرية) بالتزامن مع نجاحات لغوية تصل باللغة مستوى من تجريب متمكن جدا وتكشف عن ألق شعري يصعب تصديق صدوره من سياسي في مواطن أخرى وتحليل ممتلئ بالثقافة ومعلومة مصاغة بنسيج فنان وسيكولوجيا شخصيات تتطور بواقعية ووعي وتعرض بتمكن عال وسهولة احترافية ملفتة فعلا (راحت تحمل الفقر والمسؤلية وكأنها تبحث عن مبرر لفارس حلمها ... تهويمات اليقظة الملتبسة بالحاجة الملحة لظل رجل يقيها غوائل الأيام). هذه الارتباك أيضا سبق العرض لنموذج منه يتعلق بصوت الروي وزاوية الرؤية حيث يظهر الراوي الذي أريد له أن يكون البطل هامشياً في الأحداث ويكاد يكون مناسباتياً فقط يقدم البطلة جمعة , وكان بالإمكان الإستغناء عنه واعتماد استراتيجية روي بزاوية أكثر حذاقة.
الإرتباك الأسلوبي يصل ذروته في جمعة : حيث تظهر لنا في اول الرواية كمتشردة جاهلة ثم وبمجرد دخولها المطعم ومباشرتها لسرد ماضيها ما تلبث أن تتحول إلى فيلسوفة وسياسية بل ومثقفة كبيرة تصل حد الموسوعية ( قررت أن أناقش الأمر مع «هداية» لأكتشف عمق ارتباطها بالمكان. لم تكن روابطها بالمكان قد تجذرت . كانت في سن لم تنشء بعد الدوافع الخاصة للشخصية في خلق روابطها القوية بالمكان بمعزل عن الأسرة) !!
تجدر الاشارة هنا إلى بعض ما تم تناوله في المدخل: إطلاق تبرير تعريفي مثل (الزمن الدائري) والراوي العليم يمنح هذا الارتباك مشروعية من خارج غاياته لن يفضي إلا الى تعطيل مشروعيته كانزياح ولن يقف إلا كعائق ابيستمولوجيبوجه كل طموح تأويلي.
4 ثنائيات منها
صوتي: فعلى مستوى الشواهد البنيوية الأعلى مثل الأسماء نجدها كلها تقريبا تتكون من مقطعين صوتيين (سيد, جمعة, عهدة)
على مستوى الخطاب: ومن مجاليين تحليليين فقط (مجال عالِم) و(مجال بنيوي) حيث في الأول نجد السارد يتناوب على دوره إثنان وفي الثاني تنقسم الرواية إلى فصلين.
ويصاحب مثل ذاك ثنائية مخملية تتداخل وفقا لصيرورة نصية مع الثنائية في (المجال العالم) وتؤسس لعتبة دلالية مع البنيوي. أقصد هنا الزمن في تقنية (الفلاش باك) الذي يتمايز إلى إثنين يفترقان تماما رغم صيرورة كل في الآخر حتما:
أ‌ حاضر في الفصل الأول أو معظمه بكل فوضويته ولكن وفقا لاستاتيكية تتماشى والحسرة المعاشة في واقع اللحظة.
ب‌ ماض في الفصل الثاني بكل ديناميتيه وحركته ولكن في وجدانالمتناصيين من السارد إلى المستمع الأفتراضي في المطعم وحتى المستمع الفعلي للجميع وهو القارئ ولكن فقط عبر الذاكرة والذكريات.
.. كيف يمكن قراءة ما مضى؟
هناك دائما ما يقنع في كل نص بأن فريدا ما هناك يستحق الإشادة. فحتى الخلو السيمانطيقي أو الفراغ الهرمونتيكي قد ينجح في قول ما لم يُقَل اصلا. في واقع لا ملامح له يصعب أن يقول فوكو أكثر من أن كل خطاب هو ناتج معطى ثقافي يسبقه(3). تاريخ من صدامات إثنيات وثنائيات أزلية من أنا /الآخر الى الماضي/ الحاضر الى المرأة / الرجل الى شمال/ جنوب الى زيدي/ شافعي الى سيد/مسيود الى خادم/ مخدوم الى شيعي /سني الى تقدمي/رجعي الى يسار/ يمين الخ.
تاريخ غامض عائم يفرض نفسه بكل حضور على واقع يكاد يقبل بحتمية المجهول المقيم في قادم بلا نص .. بلا هوية .. بلا رواية.. بلا عتبات معرفية تبشر بأي شيء. ليست جمعة كما ظهرت متشردة في أول تاريخها الحكائي في الرواية ك (مفعول) سردي هي ما نجده في جمعة الحكيمة الفيلسوفة في واقعها الروائي ك (فاعل) سارد لأحداثها. تاريخ لا نقوى على تتبع منعرجاته وتعاطي فجاءاته, كلما حاولنا الإقتراب من طلاسمه قذف بنا في يم غفلتنا والجهل من جديد. هل ما يستقبلنا واقعا بيكاروسكيا في شارع عبدالمغني اليوم يمكن أن نستقبله مصيرا فلسفيا ل(هداية) جيل بأكمله؟ فقط إذا ما رفعنا عنه إثنيته الحضارية وقبلنا باختلافه و تجرأنا وأدخلناه مطعما يقدم وجبات خفيفة في الإنصات الإنساني المتجرد ؟ هل بإمكاننا قبول أن يوكل الى متشردة تستحي أول الروايةأن تدخل مطعما لرثاثة هيئتها أن ترتحل بقادم أجيالنا صوب الهداية الحضارية والتاريخية من الشمال الى الجنوب ومن الجنوب الى الشمال, من الغرب الى الشرق , ومن عدن الى صنعاء حيث الحلم:(عاصمة لثقافة عربية) وحدوية وموحدة؟؟هل كانت كل مغامرات العقل العربي الأولى منذ واصل بن عطا حالة من تشرد فلسفي؟ ام هل كان الهمداني مثلا وعكة ابيستمولوجية أخرىطارئة على الوجدان العربي استحقت كل تلك القرون من التغييب وكل تلك الهالة الإسمنتية المخيفة من الغموض والنسيان؟ يبدو أن الأمر يحتاج لأكثر من مطعم معرفي وأكثر من وجبة منهجية. وفي أتون هذا الجذب النظري هل على (هداية) , الطفل الذي لم يعرف بعد كيف جاء ولم جاء بغير أبوة وما يزال يخلط بين أمومتين : (زينب) و( أصيلة) ,بل وكل ما تعرف على هوية من هويات هذه الأخيرة تباشره المقادير بهويات أخرى خفية محتملة لها .. هل على طفل بتاريخ لا يصير وبهذه الحتمية الماضوية المفرطة إلا صوب أزلية من نسبية إحتمالية مراوغة, أن يجد طريقه الى كشك بائع الليمون في حي من أحياء عدن ودون مقدمات معرفية من أي نوع؟؟
ربما يكتفي القارئ لرواية (جمعة) ببقاء (نفس طعم) كاس الليمون لينطلق بطموح بقاء وحدة (الأرض والناس) من بين كل ما ضاع عن الحس ناهيك عن الذهن.. إلى هنا بالإمكان قراءة الرواية هكذا .. ولكن ليس بعد .. ذلك أن التاريخ لم ينتهي هكذا ومثله الرواية لا تنتهي هنا.
اقتراح هرمونتيكي
ما إن تصل إلى نقطة من الرواية حتى تكتشف أنك وصلت منطلقا جديدا لوهم جديد . قبل نهاية الرواية بسطور تكتشف أنك ما تزال على هامش ذاكرة لا هي بالفاعلة ولا هي بالمفعولة .. ذاكرة مجردة من كل فعل , لجانب سردي واحد من تفاصيل تاريخية لقصة لم تكتمل بعد . هنا يمكن العودة إلى الإرتباك الأسلوبي المشار إليه والتذكير بأن الخطاب بعد كل شيء هو (معطى تاريخي) وأن المعرفة والإعتقاد نشاط سوشيوسيميائي كونه منتج خطابي كما سبق(4). ربما حتى عند نقطة الوهم هذه يمكن التنبؤ بمآلات النص كلغة فقط كأن نقول : واقع النص كواقعنا المعاش لا يتكهن بشيء , حتى اللحظة لم تكتمل بعد مراحل البوح المؤدي ولو الى عِرافة منطقية تتكهن بشكل القادم. ها قد اطمأننا على جمعة لكنها سرعان ما تستأنف شكواها من المتحرشين في شوارع صنعاء والجلف وأصحاب العقول المريضة .. الشكوى التي بدأت أصلا قبل تاريخها السردي هي كجمعة.
حتى وإن وصلنا بالرواية حدودها الإشارية القصوى فنتعهدها كحدث .. 0تصريح متأدب من سياسي مخضرم) كما سبق ونقول هي رد بجملة واحدة من سياسي رصين أتت مثيرة لتساؤلات كثيرة صادمة على الأرجح موجهة بوعي سياسي أو بغيره صوب تناولات الناقدين السياسيين من خارج دوائر السياسة , وتحديدا الأدباء: هذا نص مرتبك كأدائكم يكتبه سياسي وقد أتى لا يقل ارتباكا عن أي نص أدبي قد تكتبونه سواء فشلا كما يذهب هذا التحليل أو نجاحا كما ذهبت المقدمة التي قدمته. وإن كان لأحدكم أن يكون السياسي هو قدره منذ عقود لا كاتبا روائيا , لما أستطاع أن يقدم أكثر مما قدمه سياسي مخضرم كياسين سعيد نعمان .. ما نزال في ارتباك لا نستطيع معه حتى انتاج خطاب رصين أو دون ذلك خطاب آخر رصين يقدمه .. نحتاج الى مزيد من الوقت حتى يتراءى لنا مليا (بعدنا الزمني) أكثر اكتمالا وتكاملا ليتسنى لنا تشخيص حالتنا الحضارية والتاريخية ناهيك عن السياسية والكتابية .. نحتاج لمزيد من الوقت ومزيد من البوح والبقاء (بكل إثنياتناوثنائياتنا ) معا وعلى نفس الطاولة .. فقط نحتاج مزيدا من الوقت,ف ( الأوقات الجميلة تمر بسرعة. أما عن أخباري أنا فنحتاج الى لقاء آخر وربما أطول).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.