قيادي إصلاحي يترحم على "علي عبدالله صالح" ويذكر موقف بينه و عبدالمجيد الزنداني وقصة المزحة التي أضحكت الجميع    لا يجوز الذهاب إلى الحج في هذه الحالة.. بيان لهيئة كبار العلماء بالسعودية    عاجل: الحوثيون يعلنون قصف سفينة نفط بريطانية في البحر الأحمر وإسقاط طائرة أمريكية    دوري ابطال افريقيا: الاهلي المصري يجدد الفوز على مازيمبي ويتاهل للنهائي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر    أجواء ما قبل اتفاق الرياض تخيم على علاقة الشرعية اليمنية بالانتقالي الجنوبي    عمره 111.. اكبر رجل في العالم على قيد الحياة "أنه مجرد حظ "..    رصاص المليشيا يغتال فرحة أسرة في إب    آسيا تجدد الثقة بالبدر رئيساً للاتحاد الآسيوي للألعاب المائية    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    فيضانات مفاجئة الأيام المقبلة في عدة محافظات يمنية.. تحذير من الأمم المتحدة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في 8 روايات خليجية
نشر في الجنوب ميديا يوم 26 - 11 - 2012

تشيد الكاتبة الكويتية فوزية شويش السالم في روايتها "رجيم الكلام" هذه من ست سير، أولاها هي (سيرة السير) التي تأتي بضمير المتكلم، حيث تلتقي الكاتبة في مكتب الشهيد بنارنج عبدالله التي اختارت، مثل فوزية، أن تكتب عن (الشهيدة أسرار القبندي) . ومنذ هذه البداية تبدأ لعبة الكاتب (ة) والشخصية الروائية . فنارنج تقول عن كاتبتها فوزية: "كتابتها تشبهني ولا تشبهني . ولكن أحياناً أشعر بتشابك بعض الخيوط بيننا . لكنها تبقى بتفردها واحدة أخرى لا تشبه أحداً" .
تميز الرواية طباعياً بين ما تحاول أن يكون طبقاتها السردية . فما يخص الكاتبة يأتي مائلاً بالبنط الأسود . وفيه تسرد فوزية من سيرة كتابتها لرواياتها السابقة (النواخذة - الشمس مذبوحة والليل محبوس) . أما الرواية المزمعة عن الشهيدة أسرار فتتنازعها نارنج مع فوزية . ونارنج تعترف بأن منافستها "كاتبة متميزة، ولها نصوص رائعة ولغة هاذية مملوءة بحالات من الشطح والانخطاف الآسر" . وفي الثانية من السير الست لرواية (رجيم الكلام) - وعنوانها (سيرة الكتابة) تصف فوزية كتابتها بأنها خارج السرب، ولا منتمية، وبرية، ولغتها لقيطة . ثم تتحدث الكاتبة عن بداياتها، وعمن نقدها، ومن أخذ بيدها، وتورد مقتطفات مما قيل في كتابتها . كما تسوق ما تقدر أنه سيكون موقف النقد من (رجيم الكلام)، كأن يقول قائل إنها ليست برواية، بل هي "هجين جديد، أو إنه مولود نغل جاء من مخربة وعابثة في أصول اللغة والرواية . تغتال الكتابة، وتضعنا في حيرة أصل النسب الملعون" . وتتوقع الكاتبة أن يقول رمز ثقافي لا تسميه، إنها تكتب سيرة وتسميها رواية . وعلى هذا النحو تتوالى سير (رجيم الكلام) الأخرى: سيرة الفقد - سيرة الحب - سيرة الخوف - سيرة الوهم . وإذا كانت سيرة الشهيدة أسرار القبندي ستتخلل هذه السير، "فالوكد" لن يكون عليها، ولا على نارنج، بل على ما يخص فوزية، كأن تتحدث عن روايتها (مزون) في (سيرة الحب) حيث تأتي قصتها مع ماجد المتوفى، وهو من عاشت الحب معه اثني عشر عاماً .
1- علي الجلاوي: (البحرين):
لهذه الرواية عنوان فرعي هو (رواية سجين متقاعد) ولسوف تسرع الرواية إلى الإعلان عن أن الكاتب (علي الجلاوي) هو الراوي والشخصية المحورية، عندما يقدمه أحدهم لأخرى قائلاً: علي الجلاوي أحد شبابنا الناشطين، وله خمس مجموعات شعرية . وقد جاء في ثبت أعمال الكاتب في ختام الرواية أنه شاعر وله خمس مجموعات شعرية .
ومنذ البداية أيضاً يسرع علي الجلاوي بالرواية إلى كسر المحرم الديني والجنسي، قبل أن يُعتقل، حيث يرد على سؤال المحقق بأنه علي الجلاوي، فيقفز صوت من إحدى غرف المعتقل "جلاوي!! كيف أنت؟" . ولسوف يُساق جلاوي مع المعتقلين الآخرين من (توقيف العدمية) إلى (توقيف جو) إلى سجن (سهو)، فيكتمل انتساب الرواية إلى أدب السجون .
بالمحكمة والمحاكمة يتتوج سوق السجناء السياسيين . وبعد أن ينفذوا الحكم الجائر يأتي الإفراج . لكن هذا الكسر للمحرم السياسي، مع وبعد كسر المحرم الديني والجنسي، ينتهي إلى المرارة والخيبة، فيقول علي الجلاوي: "الآن خرجت أجسادنا من صناديقها، لكن ماذا نفعل بكل هذه الذاكرة على أجسادنا؟ متى يمكنها الخروج من السجن؟ لقد نسينا ذاكرتنا يا سيد مع الأمانات التي أخذت منا قبل دخولنا السجن، ولم نسترجعها، لأنها بكل بساطة فُقدت، أو يمكن استبدال الكلمة بأخرى أخف وطأة، فالدولة لا يمكن أن تفقد شيئاً فنقول سرقت، لقد منحنا الدولة يا سيد بعضاً من عمرنا وخرجنا فرحين" .
2- حامد بن عقيل: الرواقي (السعودية):
تأتي هذه الرواية في ثلاث طبقات سردية: أولاها بالحرف الطباعي العادي، وهي إخبارية، تتولى سرد ما يتعلق بالراوي كعاشق لمريم، وبه ككاتب لرواية (الرواقي) . أما الطبقة السردية الثانية فتأتي ببنط أسود وأكبر، وتتولى سرد سيرة الموسيقي اليمني منذ طفولته حتى شيخوخته، بينما تتولى الطبقة السردية الثالثة، وبالحرف المائل، سرد مجالس المعلم ومريديه ودروسه التي ترسل على لسان الملك (رسالة) الرواية .
في الفقرة الواحدة جاءت هذه الطبقات السردية الثلاث إلى ما بعد منتصف الرواية، حيث جاءت لمريم فقرة، تلتها لليمني فقرة، ثم صارت الفقرة الواحدة منبراً لصوتين - طبقتين . وإذا كانت الفقرات قد اتسمت عموماً بالقِصَر والحيوية، فقد طالت وتثاقلت في (محاضرة) طويلة للملك (ص 43 - 49) وكذلك فيما انفردت به مريم (ص 77 - 86)، وأخيراً، فيما انفرد به اليمني (ص 87 - 95) .
تبدأ الرواية برمي الراوي لمدينته (جدة) بالسخط، وبالإخبار عن مخطوطته التي يحملها، بلا عنوان، إلى صديقه الناشر يوسف . ومن هنا تبدأ السيرية في الرواية، حيث يأتي أيضاً وعي الرواية لذاتها، في حديث الراوي عن مخطوطته، كما في قوله للناشر في الملتقى النقدي الذي يشهدانه: "فكرت أن أكتب تاريخاً في تلك المخطوطة التي بين يديك" وقوله "ما كتبته لا يحمل صيغة تفسيرية لأي شيء أو حدث . إن سرد وتفسير الأشياء والأحداث من خلال اللغة يفسدها تماماً" . أما ما هو أهم فقد جاء في نفي الراوي أن تكون مخطوطته رواية . فإذا علمنا أن الناشر قد عنون المخطوطة بعنوان رواية حامد بن عقيل، أي ب (الرواقي)، فهذا يعني أن الراوي الذي لا يحمل اسماً هو حامد بن عقيل، وهذا يعني أن حامد بن عقيل ينفي عن (الرواقي) أن تكون رواية، بل هي كما يحدد مجرد كتابة "أعني هوس الكتابة التي تهرب من قيد التصنيف الجائر وأغلال المسميات البائتة" . والسؤال الذي يسارع هنا هو: لماذا جاءت إذاً، على الغلاف الأول للرواية هذه الكلمة التي تجنّسها: (رواية)؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون من جزافية التمرد على التجنيس بدعوى التجريبية أو حرية الكتابة أو تمردها أو كتابة النص العابر للأجناس؟
يعلل الناشر اختياره (الرواقي) عنواناً بأن المعلم فيها هو أبرز ما جذبه . والمعلم لا يفعل إلا أن ينقل إلى مريديه تأملات الملك، بالأحرى: لا يفعل المعلم إلا أن يسرّد فكرية الرواية عبر شخصية الملك . ومن ذلك، هو كثير، ما يتصل بدحض دعوى الأصولية المتأسلمة، إذ ملّ سماع القول (أنظمة ومؤسسات الدولة الإسلامية) حتى صار يميل "إلى الكفر بمفكرينا في هذا الوطن الأبله" . وكذلك هو الحديث عن "عبقرية القرشي التي دفنتموها تحت صخور التنطع بحكمتكم البلهاء" . وكذلك هو إنكار أن محمداً بعث لبناء الدولة، بل جاء لبناء الفرد، والشاهد القرآني هنا هو الآية التي تقول: "إن إبراهيم كان أمة"، ولذلك صار أصحاب محمد: كل واحد منهم أمة، بينما بات الحال كما يشخصه الملك في مخاطبته لمستشاره: "وأنتم اليوم تدعون الناس للاتباع المطلق وتنهون عن الابتداع وتحذرون الناس من مغبة التفكير" . وعلى الرغم من كل ما تزخر به هذه الطبقة السردية من الفكرية الداعية إلى الإصلاح، فإن الراوي يعلن: "أنا لا أكتب لإصلاح العالم، ولكنني أكتب لترميم ذاتي الغارقة في العتمة والوحدة والقلق" .
وبالعودة إلى السيرية، إضافة إلى ما تقدم، فإن الراوي يقول حين رأى نسخة من مخطوطته التي صارت كتاباً مطبوعاً: "ورحت أتأمل غلافها الأول الذي كتبت عليه كلمة الرواقي بخط بارز ولون فاتح أقرب إلى الذهبي، وحمل صورة مائلة لتمثال زينون"، وكل ذلك مطابق لرواية حامد بن عقيل التي تهجر فيها مريم عاشقها الراوي، وتتزوج سواه، فيقول في حديثه عن أصداء روايته (الرواقي) بين القراء، إن بينهم من يسأل عن هجران مريم له دون سبب معقول، فيعقب الراوي: "كيف يمكن إقناع أحد عن الفرق بين الواقع والمتخيل في الفن؟ ولماذا على كل حكاية أن تكون سيرة لكاتبها؟" . وبالطبع، لهذا التعقيب من الدقة ما له، ولكن لغير الرواية التي لا تفتأ تحشد ما يؤكد سيريتها، كما في هذه الرواية .
3- سارة الجروان: طروس إلى مولاي السلطان - رسائل إلى السلطان (الإمارات العربية المتحدة):
في تقديم الكاتبة لروايتها (طروس إلى مولاي السلطان) تعلن أن اسمها الأصلي هو (حصة خلف الجروان الكعبي)، وليس سارة الجروان التي حملت اسمها رواية (رسائل إلى السلطان) من قبل . وبجرأة يحسدها عليها كتاب وكاتبات الرواية السيرية بعامة، تنفي الكاتبة أن يحرجها الربط بين اسمها الحقيقي واسم بطلة الرواية . والكاتبة بذلك تبدو غير عابئة بالقراءة التي تطابق بين الكاتب - الكاتبة والراوي - الرواية، أو أية شخصية روائية، وبالتالي فالكاتبة غير عابئة بشبهة السيرية، ولا بالقراءة المتلصصة التي تشكو منها الكاتبات بخاصة .
في الرواية الأولى (رسائل إلى السلطان) لا تعيّن الرواية زماناً ولا مكاناً . ومع هذا التشغيل لاستراتيجية اللاتعيين، تتميز الرواية بتشغيل الشهرزادية في ختام كل رسالة من الرسائل الاثنتي عشرة، بالأحرى من الحكايات الاثنتي عشرة، فلكل رسالة حكاية، وهذا تشغيل آخر، بالحكاية، للشهرزادية . ومن رسالة إلى رسالة، أو من حكاية إلى حكاية، يزداد إلحاح السؤال عمن يكون المرسل إليه، عمن يكون هذا السلطان الذي يستحيل لقاء حصة به؟ لقد تميزت (رسائل إلى السلطان) بشعرية اللغة، وبالمخيلة الرامحة، وبملاعبة التشويق، بينما أبهظت التأرخة رواية (طروس مولاي السلطان) كما في كتاب مدرسيّ - كأخبار الصراع على واحة البريمي - أو في بحث تاريخي عما كانت عليه المنطقة قبل ظهور النفط وقيام الدولة الاتحادية . وعبر ذلك ظل للشهرزادية حضور ما، في مستهل الطروس مثلاً . وكما في الرواية الأولى كان الرهان على الحكاية في الرواية الثانية، وهو ما مضى حتى إلى الاستحضار الحرفي للحكاية من (ألف ليلة وليلة) . وبكل ذلك اشتبك السيري بالتاريخي والحكائي، لتكون لسارة - حصة هاتان الروايتان .
4- علي المعمري: ابن سولع (سلطنة عمان):
تقدم هذه الرواية شاباً عُمانياً يدرس في لندن، حيث يلتقي العُمانية ميثاء التي تدرس هناك أيضاً . وربما تنفرد هذه الرواية بندرة والتباس الإشارات السيرية، ما عدا حرمان الراوي من الاسم واعتماد ضمير المتكلم، وما عدا ما تشي به في مواضع شتى من الرواية، تلك التفاصيل الحارة والدقيقة التي لا تنم فقط عن مُكْنةٍ سردية، بل ربما عن حرارة العيش، وبالتالي، عن نشاط الذاكرة كما يليق بالسيرية الروائية وغير الروائية . وإذا كانت رواية (ابن سولع) تتميز ببناء الشخصية - كما في شخصية ميثاء والعمة حمدة والضابط عبيد بن باروت، والجارين الإيرانيين - فقد أثقلت عليها التأرخة والكتابة البحثية، كلما اتصل الأمر بالأطروحة التي يعدها الراوي عن النزاع على واحة البريمي .
5- غازي القصيبي - دنسكو (السعودية):
منذ سنوات كان الوزير والكاتب السعودي الراحل غازي القصيبي قد تصدر المرشحين لمنصب الأمين العام لمنظمة اليونيسكو . لكن المنصب أفلت أو انزلق من قبضة هذا الروائي الساخر بامتياز، فكان أن كتب روايته (دنسكو) . وهو يعلن في مستهلها أن هذه (القصة الخيالية قد جرت في منظمة دولية خيالية اسمها الإنجليزي المختصر هو عنوان الرواية (danasko) . واسم هذه المنظمة الكامل بالعربية هو (إدارة الآثار والطبيعة والاجتماع والمعرفة والتنظيم) فهل جاء كل ذلك إلا تحريضاً على استذكار (اليونيسكو) ونزولاً عن التقية؟
لا يحدد القصيبي لروايته مكاناً معروفاً، إذ يرسم تشكيلاً جغرافياً روائياً جديداً للكرة الأرضية، منه قارة عربستان وقارة الروسلاند والقارة العظمى، ولعلي لا أخطئ إذا فسرت: القارة العربية، القارة الروسية، أمريكا . أما زمن الرواية فهو ،1999 وحدثها المركزي هو محاولة مدير الدنسكو البروفيسور تشيانتي الفوز بولاية ثالثة، على الرغم من أن النظام لا يسمح له بذلك . لكن سكرتيرته سونا تحرضه على خوض المعركة الانتخابية وتأخذه بيده فيها .
يجلو الإعداد للمعركة وسيرها الفساد المكين في أجهزة الدنسكو وفي كل ما يتصل بها في قارات الأرض، مذكراً بحديث الفساد والفوضى في عهد المدير الذي كان يأمل القصيبي أن يحل محله . والمهم هنا أن مرشح عربستان - أي المرشح العربي الذي قد يكون ظلاً روائياً مموهاً لغازي القصيبي - قام بأربع وثمانين أمسية شعرية . وقد سرت إشاعة قوية في مقر دنسكو تقول إن المرشح العربستاني فور ظفره بالمنصب العتيد سوف يلغي كلمة (ديمقراطية) من ميثاق الإدارة، ويضع مكانها كلمة (شريعة) . وسينهي برنامج معرفة (السلام)، ويحل محله برنامجاً يسمى معرفة (الجهاد) . إلا أن ما اتضح من بعد هو أن أنصار مرشح القارة العذراء (؟) كانوا وراء الإشاعة . وقد جاء في الحملة الانتخابية لهذا المرشح أنه قصد من نفيه للفرق بين مخ الإنسان ومخ الشمبانزي، أن يقول: "المعنى في بطن الشاعر"، فنفى مرشح عربستان أن يكون في بطنه شيء .
يجلل غازي القصيبي السيرية في روايته (دنسكو) بستار كتيم من ضمير الغائب إلى لا تعيين المكان . وبالقدر نفسه تهتك الرواية الأستار الصفيقة والمخادعة في العلاقات الدولية . ولئن كانت الرواية قد تميزت بالسخرية فقد أبهظتها التوابل الجنسية والبوليسية في غير مطرح، وبخاصة ما كان من المؤامرة الصهيونية الأمريكية في الختام .
6- ناصر الظاهري: الطائر بجناح أبعد منه: (الإمارات العربية المتحدة):
ينص الراوي صراحةً على أن حياته هي حياة المروي عنه، حتى ليصعب التفريق بينهما إلا في اللحظات التي يستمتع المروي عنه بها، بينما يقاسي الراوي منها . ويصوغ الراوي هذه العلاقة الملتبسة بهذا السؤال: "أين هو مني؟" . ويرسم من الجواب ما يرسم إذ يقول: "حياته مثل حياتي، لم تمض كما يهوى، وكما اشتهيت أنا، كانت تتقاذفه أمور كثيرة في الحياة، مثلما تلاعبت بي أنا الأشياء" .
ويتوالى الرسم أيضاً في قوله: "كنت أنا الذي سيصبح راوية له أتعذب، أتركه وأرجع، وحين كان هويكبر، كنت أنا أذوي وأصغر، وظل هو يكبر، وأنا في العمر ذاته" .
تسم الرهافة ما يرويه الراوي الذي تسكنه النوستالجيا إلى الطفولة بخاصة، إلى فضاءات تترامى بين باريس وموسكو وبيروت ولندن والقاهرة ودمشق و . . لكن الفضاء الذي يسكن الراوي هو "العين" مسقط رأس الكاتب . وفي حضور "العين" يتقد الجذر الشعبي في اللغة والطبيعة وأسلوب العيش والعلاقات وهذا ما تطلب الهوامش الشارحة الكثيرة فلا يضاهي حضور "العين" إلا حضور شخصيات الأب والخال، ثم المرأة .
لقد رأينا كيف نفى حامد بن عقيل أن يكون كتابه "الرواقي" رواية، ورأينا كيف ألبست فوزية شويش السالم كتابها "رجيم الكلام" بالرواية . وها هو ناصر الظاهري يذهب أبعد في تجنيس كتابه "الطائر بجناحٍ أبعد منه" . إذا جاءت على الغلاف كلمة "حكاية" . وبذا ينأى بالكتاب من حدد جنسه كحكاية - سواء أكان الكاتب أم الناشر عن أن يكون رواية . لكن أمر التجنيس ليس رهناً فقط بالكاتب أو الناشر، فثمة "كتب" جمة يجنسها أحدهما رواية وما هي برواية . وعلى أية حال أعوّل في النظر إلى (الطائر بجناح أبعد منه) كرواية، على كلمة (حكاية) نفسها، وعلى الكثير من العناصر الفنية الأخرى، ليس ابتداء بالشخصيات ولا انتهاء بأفعالها في فضاءات مرسومة بحذق واختزال، مثلها مثل الشخصيات، وفي مقدمتها الراوي الذي يثير بدوره مسألة السيرية . ففي افتتاحه للرواية "الحكاية" نقرأ: "أنا الراوي، وهي صفة لم أطلبها يوماً، هي الصدفة وحدها التي جعلت من هذا العاق وهو صغير أن يدوس على رأسي وقت مغرب" . وسيتكرر في المفتتح قول الراوي غير المسمى: "استلبس هذا الآدمي" و"سكنت تحت جلد هذا الصبي المشاغب" و"عششت في رأسه" .
لا يحتاج الأمر إلى كبير جهد كي يتبين هذه اللعبة المتواترة في الرواية والحكايات، حيث يتوحد الكاتب والراوي أو، بعبارة أخرى، يلطو الكاتب خلف الراوي، بينما يشتق من كيان الراوي الشخصية التي سيروي سيرتها، وما هي بنسبة أو أخرى، بشكل أو آخر، إلا سيرة الكاتب . ولكن بالرواية السيرية يخفف من صرامة هذا التعبير . على أن السؤال الأولى بأن نختم به هو: ماذا لو جاءت الطبعة الثانية من (الطائر بجناح أبعد منه) بلا كلمة (حكاية) أو بكلمة (رواية)؟
إبراهيم بادي: "حب في السعودية"
يصدّر الكاتب روايته بنفي السيرية، فيكتب: "هذه الرواية من نسج الخيال" . وسرعان ما يتبين أن في الرواية كاتباً هو إيهاب، يكتب رواية سيكون عنوانها (أنا والرواية وهي) لينتقم من الحبيبة السابقة فاطمة . وإلى إيهاب ثمة من يعلن أنه مؤلف رواية (رجل وخمس نساء) وهو ليس تلك التي كُتب اسمها على غلاف هذه الرواية . وهذا المؤلف ينفي أن يكون هو إيهاب، ويعلن أن إيهاب بطل الرواية التي يكتبها، وأنه ليس غير شخصية خلقها، كما مرّ بنا في روايتي طالب الرفاعي وفوزية شويش السالم .
كي لا تظل القراءة تسأل عمن يكون ذلك المؤلف غير المسمى، وكي لا تظل متشككة في سيرية الرواية، يعلن أنه قد حدد موعداً مع دار الآداب في بيروت ليقدم لها الرواية التي يكتبها، ويذكر أنها (من هي؟) شرحت له أن المخطوطة ستمر على لجنة القراءة . والمهم هنا أن رواية (حب في السعودية) هي من منشورات دار الآداب . لكن الأهم أن الكاتب غير المسمى في هذه الرواية ينادي إبراهيم بادي درءاً للسيرية، بقدر ما أظنه اغراءً بها، فيكتب: "فيقولون هذه سيرتك . أحداث حصلت معك . إيهاب هو أنت . وأنت هو إيهاب" . كما يتساءل عمّ إذا كان القراء سيقارنون بين وجهي الرجلين، وعمّ إذا كانوا سيفتشون في حياة المؤلف غير المسمى بحثاً عن دلائل تشير إلى أنه يكتب سيرة ذاتية . وإذا كان صاحبنا يؤكد أن روايته ورواية إيهاب ستتشابهان، فهو يضيف أنه سيروي قصة إيهاب، وإيهاب سيروي قصته هو، وفضلاً عن ذلك تتشابه الروايتان بالأحداث والأسلوب والمفردات . وعلى الرغم من كل ذلك يفكك لعبة الروايتين والكاتبين، ليوحد بين إيهاب ومن لا اسم له في الرواية، فهل هذا الذي بلا اسم هو إبراهيم بادي الذي يعود إلى التوكيد أن إيهاب "هو من قرر أن يكتب سيرته الذاتية مع فاطمة . . لست أنا؟" .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.