بمغادرة الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، مقر الإقامة الجبرية التي فرضها المسلحون الحوثيون الشيعة عليه في منزله بالعاصمة صنعاء، منذ أكثر من 3 أسابيع، وإعلانه في عدن (العاصمة السابقة) تمسكه بشرعيته واستكمال مهامه الرئاسية، تدخل البلاد مرحلة جديدة من الصراع، في بلد يعاني تشظياً في البنية الأساسية لمؤسسات الدولة. لكن مراقبين يرون أن وصول هادي إلى عدن، كبرى مدن الجنوب وعاصمة دولته السابقة، سيعيد ترتيب المشهد السياسي اليمني من جديد، وستضطر جماعة الحوثي الشيعية المسلحة، إلى الرضوخ إلى الأمر الواقع، في ظل العزلة الدولية المفروضة على البلاد خارجياً وداخلياً؛ خارجياً بمغادرة البعثات الدبلوماسية منذ أيام لصنعاء، وداخلية مثلتها مغادرة هادي إلى عدن وترك العاصمة التي يصفا البعض بالمحتلة من قبل مليشيا الحوثي، ما يعني سحب شرعية المليشيات التي فرضتها بقوة السلاح منذ سيطرت على العاصمة في 21 سبتمبر الماضي. ويلحظ المراقبون ارتياحاً شعبياً للخطوة التي أقدم عليها الرئيس هادي، ويعتبرونها استعادة لشرعية الدولة المختطفة، باعتبار هادي هو الرئيس الشرعي والمنتخب من الشعب بغض الطرف عن سوء إدارته للدولة خلال الثلاث السنوات الماضية من حكمه لليمن. والحقيقة أن هادي بات أفضل الخيارات السيئة المتاحة، لاسيما عقب الاحتقان الذي أصاب عموم الشعب اليمني جراء تصرفات الحوثيين ضد الدولة ومحاصرة الرئيس ورئيس حكومته ووزراء حكومة الكفاءات، وما تلا ذلك من إجراءات كانت أشدها وقعاً على الناس هو ما اسماه الحوثيون "الإعلان الدستوري" في السادس من الشهر الجاري، قضى بحل كل مؤسسات الدولة لصالح "اللجان الثورية" للحوثيين كسلطة أمر واقع. وتعتبر مغادرة هادي لصنعاء، الصفعة الثانية التي وجهها للحوثيين، بعد الصفعة الأولى التي مثلتها استقالته والحكومة، وما مثلته من انكشاف للجماعة المسلحة التي بدأت تلتهم مؤسسات الدولة بما فيها القصر الجمهوري، وسلاح الجيش، والوزارات التي عيّن فيها الحوثيون محسوبين عليهم في مناصب مدنية وعسكرية. كل هذه التصرفات المستندة إلى قوة السلاح، زادت من رصيد الشرعية ل"هادي" في مواجهة الحوثيين، وأعلنت الكثير من القوى السياسية بينها أحزاب إسلامية، كالتجمع اليمني للإصلاح (المحسوب على تيار الإخوان)، وحزب الرشاد اليمني (سلفي) مساندتها لشرعية هادي، إضافة إلى العديد من القبائل اليمني في الجنوب والشرق والشمال. وهنا لا يمكن إغفال دور اللجان الشعبية في الجنوب (مسلحون موالون لهادي) والتي تعبر قوة مسلحة، استخدمتها الدولة في حربها على القاعدة في مناطق الجنوب، وهي الآن تتأهب للدفاع عن شرعية هادي ضد ما يسمّونه "انقلاب الحوثيين". وفي بيانه الأخير، أعلن هادي تمسكه بالشرعية والعملية السياسية المستندة على المبادرة الخليجية، ما يعني بشكل أو بآخر، عدول الرجل عن استقالته التي يبدو أنها أُخذت منه عن طريق القوة أو أُجبر على الإقدام عليها. هادي الذي طالب المجتمع الدولي بحماية العملية السياسية في بلاده، يبدو أنه لن يخرج عن رغبة المجتمع الدولي وقرارات مجلس الأمن، بمعنى لن ينجرّ الرجل إلى استخدام القوة، وسيدفع باتجاه تحقيق نصر سياسي عن طريق الحوار الذي ترعاه الأممالمتحدة عن طريق مبعوثها الخاص "جمال بن عمر". سيستخدم هادي ورقة القوى السياسية اليمنية المناهضة لجماعة الحوثي لاستعادة شرعيته، على أنه يجب التأكيد هنا أن القوى السياسية ترى في هادي خياراً أقل سوءاً من خيار بقاء سلطة الحوثيين التي تستند إلى قوة السلاح. إن فرض المزيد من العزلة على سلطة الحوثيين في صنعاء، سيزيد من منسوب الاحتقان الشعبي ضدهم، وسيجدون أنفسهم مطالبين بترك صنعاء وغيرها من المدن التي يسيطرون عليها، لاسيما إذا ما استمر قطع المعونات التي تقدمها بعض الدول، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، فإننا أمام انهيار وشيك للاقتصاد اليمني الهشّ أصلاً، ما يعني أن الحوثيين يتحملون تبعات هذا الانهيار أمام الشعب الغاضب الذي يتظاهر بشكل شبه يومي ضدهم في أكثر من محافظة يمنية. ويبدو موضوع الحسم العسكري مستبعداً، حتى هذه اللحظة على الأقل، إذْ لا توجد إرادة لدى الجيش اليمني لخوض معركة كسر أعظم مع الحوثيين، كما أن هادي لن يزجُّ بالقبائل والقوى المتحالفة معه في حرب لا أحد بوسعه التكهن بنتائجها، ولا مآلاتها على بلد ما يزال يعاني من تبعات الصراعات والحروب في ماضيه. لكن آخرين يرون أن هادي ربما يكون جزءاً من مخطط دولي لتقسيم اليمن، بمعني أن تُسلّم مناطق الشمال إلى الحوثيين الشيعة، فيما يؤول حكم الجنوب إلى الرئيس هادي باعتباره أحد أبناء المحافظات الجنوبية. ويرى المحلل السياسي اليمني "رياض الأحمدي"، أنه في حال كان هادي قد غادر العاصمة باتفاق سري مع الحوثيين، فإن المغادرة قد تكون استكمالاً لسيناريو تقسيم اليمن بين الحوثي شمالاً وهادي جنوباً، وفي هذه الحالة قد ينفجر الصراع في الجانبين، بين الحوثي والقوى الأخرى في صنعاء، وبين هادي وقوى معارضة له في عدن. وأضاف الأحمدي في حديث ل"شؤون خليجية"، "إذا كانت الخطوة (مغادرة هادي صنعاء) تمت بعيداً عن رضا الحوثيين فإنهم أمام خيارين: إما القبول بشرعيته من عدن أو مواجهته، والوضع برمته مفتوح على احتمالات أخرى، من بينها أن تضعف سيطرة هادي والحوثيين وتظهر قوى أخرى". ويختم بالقول: "هادي الذي فشل في حماية صنعاء ومؤسسات الدولة فيها، من المستبعد أن ينجح في لملمتها من عدن، أو حتى أن يشكل جبهة موحدة ضد الحوثيين".