على الرغم من أن الكثير من المقربين الموثوقين من الرئيس علي عبدالله صالح، يحدِّثون دائماً عن حكمته وروحه الإنسانية الصادقة والمبادرة إلى التسامح، ويرجعون أخطاءه التي أوصلت اليمن إلى هذا اليوم، لبعض مستشاريه، إلا أن مواقف مختلفة أظهرت ما ينفي ذلك .. فيوم وفاة المهندس المناضل فيصل بن شملان رحمة الله عليه، توقع الناس مشتركيهم ومؤتمريهم أن يتقدم الرئيس صالح مشيعي منافسه في الانتخابات الرئاسية 2006، في عدن.. لكن ذلك لم يكن.. وقد بحث له الناس يومها عن الأعذار، منها أن الفقيد أوصى بسرعة دفنه في أول صلاة تلي وفاته.. لكن الأمر الذي أثار الكثير من علامات الاستفهام هو أن الرئيس لم يقدم أية تعزية لأهالي الفقيد.. خصوصاً مع وجود حراك في الجنوب يطالب بالانفصال.. وهناك، بالضبط، وقع محبو الرئيس الصادقين في موقف محرج، لأن الرئيس نفسه كشف لنا عن معدنه، وعن المرتبة التي وصلت إليها الأنانية لدى فخامته.. لا يهم، ذاك موقف سجله التاريخ في رصيده، وهو موقف شخصي بعض الشيء، لكن فخامته مؤخراً استغل ذكرى "جلوسه"، ليضغط على حزبه في تقديم بعض التنازلات من أجل بدء حوار وطني مع أحزاب اللقاء المشترك، وشكراً للأخيرة لأنها تنازلت وقبلت بالحوار بمناسبة "عيد الجلوس".. وكان المفترض، وفي الظروف الطبيعية أن تقول له، كما قال البردوني : "عيد الجلوس أعر بلادك مسمعاً.. تسألك أين هناؤها؟ هل يوجد؟ يا عيد حدث شعبك الظامي متى . . يروى؟ وهل يروى وأين المورد؟ حدث ففي فمك الضحوك بشارةٌ . . وطنيةٌ، وعلى جبينك موعد فيم السكوت ونصف شعبك ها هنا . . يشقى.. ونصفٌ في الشعوب مشرد؟ يا عيد هذا الشعب، ذل نبوغه . . وطوى نوابغه السكون الأسود ضاعت رجال الفكر فيه كأنها . . حلمٌ يبعثره الدجى ويبدد للشعب يومٌ تستثير جراحه . . فيه ويقذف بالرقود المرقد" وهذا أيضاً لا يهم، فقد أثبتت أحزاب المشترك حسن نواياها وقبلت بالحوار، وتبشر الشعب خيراً بالحوار، حتى لكأن الأمطار التي رافقت جلسات التحضير للحوار، كانت تنبئ برضى السماء عما صارت أو يمكن أن تصير إليه القلوب بالحوار.. لم لا، فالكثير من المزارعين يؤكدون أن أمطاراً عزيرة رافقت عهد الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي وهو العهد الذي عرفت فيه اليمن معنى الثورة والجمهورية والتسامح والوفاء.. ولقد كانت مفاجأة غير سارة، عندما بدأ الحوار السبت المنصرم، ولم نجد فخامة الرئيس القائد، وكان ذلك أمراً خدم المشترك بكل معنى الكلمة، إذ أن أبي حفظه الله، وهو من أشد المنتقدين للمعارضة والمجاملين للرئيس أمامي (خوفاً عليّ من الوقوع في شباك "القمش")، تأثر كثيراً بخطاب الدكتور عيدروس النقيب.. وهو يقول: كنا نأمل أن يحضر الرئيس! وكعادتهم، يرجع محبو الرئيس الصادقين مثل هذه المواقف، إلى مستشاريه، بقولهم إن ما حدث، قد يكون ربما "نصيحة سيئة" تلقاها فخامته.. ولطالما أرجعنا أخطاء الرئيس إلى مستشاريه، وفي كلا الحالين فإن الرئيس ليس بريئاً، فهو من اختار مستشاريه ومن رباهم.. والحق أن مثل هذا العذر يلغي عن الرئيس صفة القائد! وإن كان فعلها بمحض إرادته، فذلك ليس جديداً على حكمته.. فهو صاحب المعجزات والمنجرات، وليس أقلها تحويل الوحدويين صناع الثورة والوحدة في ردفان وما جاورها إلى "انفصاليين"، كما أنه "يحيي اللئام وهي رميم"، وهو يعرف جيداً كيف أن الحوثي الذي يزحف نحو صنعاء بدعوى أنه "سيد" (كما يتضح في مقابلة عبدالملك الأخيرة)، ليس إلا منجزاً من منجزاته الكبيرة.. وربما أعظمها! وقبل بدء الحوار، كان الرئيس قد اتهم أطرافاً في المعارضة بعرقلة الحوار، وحملها المسؤولية.. ولسنا بصدد الدفاع عن هذه الأطراف، لكن أمراً مهماً يجب أن يفهمه الرئيس، وهو أنه وحده من سيتحمل المسؤولية حال فشل الحوار.. لأسباب شتى؛ أهمها أن كل ما يحدث في اليمن اليوم، ليس إلا محصلة لسياساته طوال العقدين الماضيين، والمشترك إن أخطأ فليس إلا من مواليد عهده، والخلاف مع المشترك لم يكن لولا ثقة الرئيس بنفسه وأنانيته وعناده، الذي جعله يقصي من حوله، ويظن أنه وحده القادر على فعل شيء.. فهو الثورة، وهو الوحدة، وهو الجمهورية، وهو الزبيري والنعمان ولبوزة وحنبلة، وهو عبدالفتاح اسماعيل وهو كل شيء.. فخامة الرئيس.. في هذه اللحظات الحرجة وقد أوشك الريال على السقوط، والشلن أن يعود، و"الهللة" في صعود، وأسعار الغذاء والدواء وغيرها قد ارتفعت أضعافا منذ أعوام، وطائرات أمريكا تقصف معابد "سبأ" دون أن يكون بإمكاننا أن نقول في وجهها "بم"، وقد أصبحنا في وضع مزرٍ جداً جداً.. وليس أقل دليل على ذلك إعلانك العجز عن مواجهة التمرد، ليس أي عجز؛ وإنما العجز التام.. في هذه اللحظات نقول لك ما يلي: احرص كل الحرص على نجاح الحوار، عسى أن تخرج البلاد إلى طريق.. وإذا كنت عازماً على المضي في اغتيال الثورة، فاعلم أن الأيام دوال، ولا تظن أن التاريخ سيبحث لك عن المعاذير، وفور مغادرتك سيكتب الناس عنك: "الرئيس الذي أخذ بالثأر للغشمي!"... وسوف نكتب تاريخك كله بهذه الطريقة التي قرأتها بهذه المقالة.. وكم سنحترمك لو أسلمتها للفريق هادي دون أية منغصات.. فهو رئيس الحوار اليوم وهو الأجدر بهذا المنصب. وقد تنجح ونغفر لك بعض منجزاتك (غير العملاقة)، إذا كنت وزيراً للخارجية في التشكيل الحكومي المقبل.