للأديبة التونسية هيام الفرشيشي مسيرة طويلة نسبيا مع الكتابة الإبداعية والنقدية والصحفية، وقد أثبتت أنها من طينة الكتاب المثابرين والعاملين بجد وفي صمت، بعيداً عن الادعاءات ودون تسرع أو استعجال للفرح كما يقال، و إنها بعد سنوات عديدة على حضورها في الساحة الأدبية الثقافية، تصدر مجموعة قصصية بعنوان (المشهد والظل)، وسنطل اليوم على المجموعة القصصية ، احتفاء بتجربة مبدعة تونسية ، تحاول جاهدة تقديم الإضافة لمدونتنا الأدبية. تضم مجموعة (المشهد والظل) أثني عشر نصاً قصصياً، وتؤثث هذه القصص شخصيات إشكالية، مثل شخصية الأستاذ المفكر في قصة ( موكب صامت) وشخصية الرسام في قصة (الرسم على الروح)، وغيرها من الشخصيات التي بلغت الكاتبة من خلالها أفكارها وهواجسها وعكست عليها بعضاً مما يعتمل داخل عقلها وروحها، وقد تصدى لتقديم المجموعة، الأديب أحمد ممو الذي رأى أن هيام الفرشيشي متمكنة من أدوات التبليغ السردي، ليخلص في النهاية إلى القول : (إن القارئ بعد أن يقرأ هذه المجموعة لا يستطيع إلا أن يراجع ملامح العديد من شخصياتها في ذاكرته، لما لها من حضور مقنع في طرح الإشكالات الفكرية والنفسية المقترنة بها). رغم غلبة الطرح الفكري والطقس النفسي الباطني على جل قصص المجموعة، فإنها لا تخلو من اقتناص جميل ورشيق لتفاصيل الحياة اليومية، ولعل أهم سمات ( المشهد والظل) الشعرية المبثوثة بين طيات القصص، وهذا يحسب لهيام الفرشيشي التي تتبرأ إلى حد الآن من اقتراف كتابة الشعر، لكنها على غرار العديد من الساردين التونسيين والعرب، تعرض علينا شعرية أخرى قد تتفوق في فقرات كثيرة على الخواطر البسيطة التي يصنفها أصحابها في خانة القصيدة .. وتلك قضية أخرى. اشتغلت الكاتبة على (الظل) كمادة أساسية لباطن الإنسان، وكمفتاح لولوج عالم الحلم ولطرح أسئلة وجودية عميقة، وهذا الأمر يتجلى في عديد القصص المدرجة في مجموعة (المشهد والظل)، من ضمنها قصة (خطوات القط الأسود) التي يتداخل فيها الواقع والخيال والأشياء وظلالها والذات وباطنها، في حبكة سردية مشوقة، تشد القارئ وتعبث به من خلال تأرجح السرد بين الواقعية والعجائبية والطقس الغرائبي الذي تطفح به القصة. قدم المجموعة كذلك الأديب المغربي عبد الحميد الغرباوي، ومن ضمن ما ورد في تقديمه: (الكتابة القصصية عند هيام تجذبك برفق من أول سطر، بل من أول كلمة، وتجعلك مشدوداً إليها، بل تفتح لك بوابات عوالمها وتدعوك برفق ورقّة إلى الإنصات إلى حكاياها وخرافاتها وأساطيرها) وأضيف إلى ما حبره عبد الحميد الغرباوي في تقديمه، أن كاتبتنا تستبطن رغبة جامحة في رسم العالم بالكلمات، ومن ضمن الفقرات الكثيرة الدالة على صحة ما ذهبت إليه، هذه الفقرة القصيرة المقتطفة من قصة (حيرة نرجسية). (شيخ يسوق القطيع وقد ارتدى قشابية صوفية بنية داكنة، وبيده عصا غليظة، انفلتت عنزة عن القطيع، تركض نحو شجرة أوراقها خضراء، لم تستطع الوصول إلى الأغصان فانتصبت على قائمتيها الخلفيتين... يتبعها القطيع). هذه إطلالة على ثمرة جهد إبداعي لأديبة تونسية، تعد من خلال مثابرتها واجتهادها بتجربة أدبية متميزة، تغني الرصيد الإبداعي التونسي والعربي ككل لا يتجزأ .