التوحد حالة من الاضطراب النفسي تصيب حوالي 0.02 - 0.05 % من الاطفال ، تؤدي إلى تدهور نمائي شديد لدى الأطفال في المهارات الاجتماعية واللغوية ومهارات الاتصال غير اللفظية ، ويتعدى حدوث هذه الحالة لدى الاطفال الذكور أربعة أضعاف حدوثها لدى الإناث إلا أن شدتها لدى الإناث تكون أكبر من الذكور ، حيث يبدأ الإضطراب في سن مبكرة خلال السنوات الثلاث الأولى من العمر. وما يميز اضطراب التوحد هو فشل الطفل في نسج علاقة مع والديه أو مع الآخرين ويبقى في عزلة اجتماعية شديدة يصاحبها عدم القدرة على التركيز في أي شخص أو أي شيء ، كما لا يستجيب الطفل المصاب عاطفيا ولا يملك القدرة على إعطاء المتطلبات العاطفية . ويلاحظ الاطباء نتيجة لذلك حالة من تأخر الكلام لدى الطفل ، أما إذا كان الكلام طبيعيا فيكون تكرارا وإعادة لكلام الغير مثل صدى الصوت ، بإيقاع غير حساس يرافقه الكثير من العيوب اللفظية واللغوية الأخرى . كما لا يتضح على الطفل المصاب أثناء فترة الرضاعة السلوك التفاعلي أو التفاعل الإجتماعي ، حيث يكون غير موجود أو متأخر ، كما لا يأخذ الطفل وضع الاستعداد عندما يحضنه الآخرون ، فيما يفضل أن يكون بمفرده في بيئة ثانية مع ألعابه المحببة أكثر من وجوده مع الأشخاص . وإذا ما فقد الطفل هذه الظروف أو تغيرت عليه فإنه يندفع في تفاعل غضبان حيث يلقي نفسه على الأرض تارة أو يخبط رأسه بالحائط تارة أخرى . أما التلاصق أو التواصل البصري في هؤلاء الاطفال فيكون قليلا جدا أو منعدما ، ويتصف هؤلاء بعدم المبالاة بمحاولات الآخرين في إدماجهم ضمن جماعات اللعب ، إضافة إلى قلة إستجابتهم للألم ونقص الاستجابة للضوضاء العالية ، وهنا يرى الخبراء السلوكيون ضرورة إحترام سلوك الاطفال المعتمد بطريقتهم وحسب طبيعتهم . ومن الملاحظ أن الطفل التوحدي يعبر بأفعاله أكثر بكثير من تواصلة بالكلمات ، كما أن بعضهم يتصفون بالتوتر وقلة الهدوء ، والبعض الآخر أصحاب ميول عدوانية وتخريبية بما في ذلك إيذاء النفس . ولاتزال النظريات العلمية عن التوحد غير مثبتة ، ولكن التوحد لايورث من قبل الآباء ، فهناك دلائل على وجود أسباب عضوية مثل التعرض لاصابة في الدماغ ، أو استعداد بيولوجي أو عيوب في الجهاز العصبي . وهناك دلائل حديثة تشير إلى أن مسببات التوحد ناجمة عن أسباب فسيولوجية عصبية ، والبعض يفسر التوحد على أنه عيب في اللغة ولكنه في كل الأحوال خلل وظيفي عصبي . هناك العديد من العلاجات للتوحد ، إلا أن الوسيلة الأفضل لمساعدة هؤلاء الاطفال تعتمد في الأساس على تكوين علاقة معهم تضمن الاستمرار في التواصل . ويرتكز العمل الذي يؤديه الخبراء السلوكيون في المتابعة لحالة هؤلاء الاطفال على اسلوب التواصل معهم ، حيث تنبع اهمية الأداء من خلال المقدرة على تكوين اتصال بين عالم الطفل الخيالي وعالمه الحقيقي . ويرى العلماء أنه لا يوجد علاج معتمد للتوحد ، ولكن هناك وصفات مختلفة حسب إختلاف الحالة ، وأن معظم العلاجات قد تصلح لأشخاص ولا تصلح لآخرين . ومهما كانت طريقة العلاج إلا أنه من الضروري العمل على وضع خطة علاجية خاصة بكل شخص لتقابل إحتياجاته المتفردة . وفي معظم الحالات يستجيب مرضى التوحد للأدوية العلاجية مع التعليم ، وتشمل هذه الأدوية علاجات حيوية غذائية و علاجات سلوكية و علاجات تكميلية. وعموما فإن استخدام العلاجات الحيوية مع العلاجات السلوكية أكثر هذه الطرق فاعلية . كما ان هناك العديد من العلاجات الحيوية والغذائية المستخدمة في التوحد إلا أن أكثرها انتشارا هي العلاجات الدوائية والتعويض بالفيتامينات والعناصر الأساسية . وتستخدم الادوية أيضا لتخفيف الاعراض والاضطرابات السلوكية مثل فرط الحركة والاندفاعية وصعوبات الانتباه والقلق ، حيث تعمل الادوية على تقليل الأعراض السابقة وتمكن الطفل من الحصول على أعلى فائدة من التدخلات السلوكية والتعليمية . أما العلاجات السلوكية فقد صممت للتغلب على السلوكيات المضطربة وظيفيا وتنمية مهارات خاصة اجتماعية وتواصلية أو حسية . القاعدة الأساسية في التعليم هي أن لكل شخص مصاب بالتوحد طاقاته ونسبة عجز ، وبناء عليه فلا بد أن يتوافق التعليم مع احتياجات الطفل الشخصية ، ويعتمد هذا النوع من العلاج على الفن والعلاج بالموسيقى والتعايش مع الحيوانات الأليفة ، وهذه الطرق العلاجية لا تعد في حد ذاتها تدخلات سلوكية أو تعليمية ، ولكنها تضيف فرصة للطفل لتنمية مهاراته الاجتماعية والتواصلية بالاضافة إلى التدخلات التعليمية والسلوكية . ويقدم العلاج بالفن طريقة غير لفظية للطفل للتعبير عن مشاعره ، حيث تعمل التدخلات الموسيقية على تنمية المهارات الكلامية واللغوية ، كما أن العلاج بالحيوانات مثل ركوب الحصان والسباحة مع الدولفين من شأنها العمل على تنمية مهارات الطفل الحركية التي تنمي بالتالي الثقة بالنفس .