منذ مليون عام أو يزيد، لا أدري، حدث والأرض ماتزال سديم غبار، عصافيرها مشردة .. النحل صائم على أحلامه .. والفراش هائم على وجهه، حدث أن حورية من حوريات السماء نزلت إلى الأرض تبحث عن ملاك شغف قلبها حبه بيد أنه اختفى فراحت لفرط لوعتها وحيرتها تفتش عنه بين الكواكب .. ولأنها لم تعثر عليه على الأرض وقد طافتها شبراً شبرا بلغ الحزن منها مبلغه واستشاطت بؤساً وترحاً وأخذت الدموع تنهمر من عينيها.. بكت وبموضع كل دمعةٍ سقطت من عينيها على الأرض نبتت وردة .. مع الدمعة وردة .. هطلت دمعة فنبتت وردة .. هطلت دمعة فنبتت وردة .. هطلت فنبتت .. هطلت فنبتت.. ودواليك حتى اكتست الأرض ببردة الجمال ..وعجت السهول والوديان بصنوف شتى من الزهر والورود وكانت كلها بيضاء .. فرحت العصافير وصدحت مغردة وطفقت بكل همة تزين أعشاشها بالزهر وانتشت النحل ودبت فيه الحيوية والنشاط .. وعالياً حلقت الفراشات .. وضاعت الدنيا نسيماً وعبقاً .. وتناهى عبقها الفاغم إلى السماء .. اتفق أن الملاك حبيب الحورية وصلته رسالة الشذى تلك في السماء فلم يساوره أدنى شك في أن صاحب تلك الرسالة غير حبيبته ..اغتبط ولفرط لوعته هب على الفور يقصد مصدر الرسالة ( الأرض ) .. لم تخنه فراسته فيما أيقن به بيد أنه عندما وصل الأرض لم يجد سوى الورود أما الحورية فقد رحلت لتكمل رحلة بحثها عنه في الكواكب الأخرى بقلب مفطور يملؤه الحزن والأسى .. أغتم لذلك كثيراً وحزن وحار صنيعاً، وكأقل ما أمكنه فعله تعبيراً عن مدى حزنه وحبه تناول فرشاته وألوانه، وكان رساماً، وجعل يلون الوردات وردة وردة ليزيدها فوق جمالها جمالاً ومواساةً لنفسه .. بينما هو كذلك صادف وردة عالية شامخة مشرئبة العنق فسألها أن تنحني كما البقية حتى يلونها ففاجأته برفضها واستعصت عليه وأبت إلا أن تظل بيضاء .. وكان أسم تلك الوردة ( الياسمين ) ومن ذلك الحين صارت كل الورود تنحني للياسمين لأنها لم تنحن والذي لاينحني لايتلون والذي لا يتلون تنحني له كل الأشياء .