لاشك في ان الثاني والعشرين من مايو عام 1990م شكل منعطفا مهما في حياة شعبنا وبه نظر العالم الى اليمن وما جرى فيها صبيحة ذلك اليوم الاغر بانه بداية الخطوة الاولى نحو تحقيق الوحدة العربية وحرك في وجدان الاشقاء والاصدقاء الكثير من المشاعر الفياضة تجاه اهمية الحدث كعلامة فارقة في تاريخ اليمن وكمنجز بالغ الاهمية في التاريخ المعاصر، اذ سطر اليمنيون باحرف من نور تاريخ ذلك اليوم الخالد الذي انتظروه عقودا طويلة بل قرونا من الزمن خاضوا فيها نضالا جسورا من اجل اعادة الوحدة لليمن في ظروف بالغة التعقيد ظلوا خلالها يتصارعون ويتقاتلون ويتمزقون لمراحل طويلة عانوا خلالها من ويلات التشطير المريرة ومارافقها من عنف وخراب ودمار وتجاذبات فرقت الهوى والهوية ليمن كان تاريخه الغابر سلسلة قوية من البطولات والانتصارت والمآثر حتى استحق عن جدارة ان يكون يمن الايمان والحكمة وهذا مايستدعي من الجميع اتخاذ مواقف شجاعة تنتصر للوحدة ولليمن الموحد وتضع ذلك الموقف فوق كل المصالح والاعتبارات خاصة وأن الوحدة تمثل مصلحة وطنية وضرورة شرعية لان الله تعالى يقول في محكم آياته (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) ويقول ايضا ( ان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاتقون). وكان يقال إن العرب والمسلمين لن تقوم لهم قائمة لكن الوحدة اليمنية جاءت لتدحض تلك الاباطيل وتؤكد على قدرة العرب والمسلمين على توحيد صفوفهم وان التمزق والفرقة والشتات الذي كانوا فيه مجرد حالة عابرة تتطلب شحذ الهمم والطاقات والتوجه الصادق والامين نحو تعميق قيم الوحدة بكل مافيها من خير ومصالح مفيدة للناس اجمعين. اما دعوات الفرقة والتمزق فان الاشرار هم من يختلقون لها الاسباب الباطلة لتمزيق وحدة الصف، واجدها مناسبة للتأكيد أن اي محاولة لاعادة عجلة التاريخ الى الوراء من شأنها ان تقضي على احلام اليمنيين بالعزة والقوة والمجد الذي نتطلع اليه جميعا فلماذا تتعارض مصالح الاقزام مع مصلحة الشعب وتتعارض مع الاحكام الشرعية المقدسة ؟! لأن نفوسهم تأبى الا ان تكون رخيصة وخاضعة للاملاءات المعادية التي تستهدف شق الوحدة الوطنية. واليمنيون شعب واحد بدون اقليات وعلى دين واحد وارض واحدة فالأولى ان يحفظوها من كل سوء وهذا قدرهم وهذا مصيرهم دفاعا عن وجودهم الحيوي الفاعل بين الامم . اليوم وبعد واحد وعشرين عاما من الوحدة المباركة مازالت المناسبة جديرة بالاهتمام والاحتفاء لانها تتصدر الكثير من المشاهد المهمة في حياتنا نحن جيل الثورة الذين كانت لنا الوحدة كما كانت لمن سبقونا من جيل الرواد للحركة الوطنية اليمنية قدرنا ومصيرنا وهدفنا ومصدر الهام للمثقفين والادباء والسياسيين ولكل احرار اليمن الشرفاء وللمواطنين العاديين لانها مثلت هاجسا نضاليا يوميا للجميع حتى اعان الله كل الخيرين وهداهم الى تحقيقها وبذلك طويت صفحة التشطير السوداء القاتمة الى غير رجعة مع ان الشعب اليمني كان وفي كل مراحل التمزق السياسي والتشطير المرير موحدا ومحافظا على هويته واصالته وترابطه وتماسكه في ظروف كانت فيها الانظمة الشمولية المتعاقبة وحدها هي التي تعاني من التشطير ونتائجه الكارثية على مصير شعب ومستقبل وطن في ظروف الشمولية البشعة والمقيتة التى عانى اليمنيون من ويلاتها وفضائعها . الوحدة اليمنية وفي عيدها الحادي والعشرين تكون قد نضجت واصبحت اكثر اهمية ويجب الحفاظ عليها من اطماع الاعداء والمغامرين وحملة الاجندات الصغيرة المعادية حيث ان الوحدة اليمنية كانت ومازالت وستظل باذن الله تمثل مشروعا حضاريا عملاقا وملهما للوحدة العربية الحلم وبالنسبة لنا كيمنيين هي قدر ومصير ومصدر قوة وعظمة ورخاء وعزة كل اليمنيين ولذلك لايمكن ان تكون الوحدة رهينة بيد حزب او جماعة او منطقة ولا يمكن لاحد كائن من كان ان يكون وصيا على مستقبل شعب ومصير وطن لان الوحدة القدر والمصير قد اصبحت اكبر من هؤلاء وملكا للشعب اليمني قاطبة صاحب المصلحة الحقيقية في بقائها واستمرارها وديمومتها والدفاع عنها بكل قوة الى يوم الدين. ومهما برزت بعض الاصوات التي تعبر عن حالة مشروعة من المطالب الحقوقية العادلة الا ان تلك الاصوات لايمكنها ان تقرر مصير وطن خاض ابناؤه نضالات عظيمة وصادقة من اجل الوحدة والحرية والعدالة والديمقراطية مع الاخذ بعين الاعتبار اهمية الوحدة في تغيير صورة اليمن بين الامم وحاجتها الى مزيد من النضالات الجسورة والصادقة من اجل التنمية الحقيقية الملموسة والمثمرة واقامة دولة المؤسسات والنظام والقانون واحترام حقوق الانسان في الحياة الآمنة الكريمة والمستقرة الخالية من العذابات المعيشية والحياتية اليومية التي تزداد قسوة بفعل ممارسات افراد وسياسات خاطئة الا انه ورغم كل تلك الدعوات والاماني يبقى خيار الوحدة اليمنية قائما ومسكونا بوجدان الاغلبية الساحقة الذين بيدهم تقرير مصير اليمن وليس لاحد سواهم اذ لايمكن لذلك المنجز الحضاري العظيم والشامخ ان يخضع باي حال من الاحوال للامزجة والاهواء والرغبات الشخصية والحزبية الضيقة جدا لان خيار الوحدة اليمنية قد تم حسمه شعبيا واصبح متأصلا في ضمير الناس ووجدانهم وضاربا جذوره في عمق الارض اليمنية المباركة ولايمكن زحزحته او التراجع عنه تحت اي مسمى كان لان قرارا غير حصيف وفاقداً للحكمة بالسماح لاي مغامرة للانفصال من شأنه تشجيع تقسيم اليمن الى مناطق متناحرة وكانتونات هزيلة متصدعة ويكون على الارض اليمنية المباركة اكثر من يمن وبالتالي نعود الى مرحلة الدويلات الضعيفة المتقاتلة والامارات الفاشلة المتخلفة ونستجر مرة اخرى الحروب والصراعات الدامية ،ومن شأن ذلك ايضا ان يمكن اعداء اليمن ان يدسوا انوفهم لاذكاء نيران الفتن واشعال فتيل الحروب وافتعال الازمات بين ابناء الوطن الواحد الذي نخشى عليه من التقزم والتشرذم والهوان اذا غابت عن العقلاء والخيرين - وما أكثرهم- اصوات الحكمة التي بعلوها يمكن للشرفاء الوحدويين ان يحفظوا لليمن الحلم العربي في الوحدة المباركة التي ينظر لها العرب والمسلمون على انها بصيص نور الامل في السماء العربية المظلمة لتحقيق وحدة الارض العربية ولاشك في ان كثيرا من المعاناة والمشكلات التي نعانيها بضع سنين لم تكن بسبب الوحدة او نتيجة لقيامها بل هي نتيجة طبيعية لممارسات افراد ولسياسات خاطئة كرست الاحباط والغبن والفساد والقهر وهي تستوجب نضالا وطنيا لزوالها ورفع المعاناة عن كاهل المواطنين لان الوحدة اليمنية تسمو فوق الصغائر وتكبر على امزجة الافراد فهي تمثل ارادة شعبية وشرعية وقانونية حرة وشجاعة . ولاشك في أن اليمن الجديد الذي ننتظره يمر بالكثير من المخاضات العسيرة ويواجه الكثير من التحديات وعلى اختلافها تداخلت فيها العوامل المحلية بالظروف الخارجية في تصعيد خطير يلقي بظلاله على عملية التنمية والامن والاستقرار والسلم الاجتماعي ويفاقم من الازمات والمشكلات فيما المواطن يعاني من تبعات وانعكاسات تلك التحديات في حياته المعيشية والاقتصادية والخدمية وغيرها من جوانب الحياة اليومية المعطلة التي تعاني من انعكاسات خطيرة ومرحلة بالغة الدقة والحساسية يتطلع فيها اليمنيون الى تغليب لغة الحوار والمصلحة العامة للخروج باليمن الى فضاءات آمنة ومستقرة تحفظ ليمننا الحبيب وحدته وتماسكه خاصة واننا في هذه المناسبة العظيمة في عيد الوحدة - عيد الاعياد - نتذكر عظمة الذكرى ونستلهم منها الكثير من الدروس والعبر خصوصاً أن الوحدة اليمنية المباركة قد اقترن قيامها بالديمقراطية وحرية التعبير والرأي الآخر واحترام حقوق الانسان بعد مراحل طويلة من قهر الرأي الاخر والاستبداد وقمع الحريات وتكميم الافواه وسحق المعارضين بقسوة وبفضل الوحدة المباركة كان لهم ان يظهروا الى النور والعلن ليؤسسوا الاحزاب والمنظمات والتنظيمات ويصدروا الصحف بكميات هائلة ويتكلموا بما يشاؤون ويريدون ..وماكان لهم ان يصلوا بالاوضاع الى عنق الزجاجة لوا انهم احسنوا استخدام الديمقراطية وحرية التعبير واتجهوا بصدق وبدافع الارادة الوطنية والشعبية المخلصة من اجل القيام بالتغيير الايجابي الواعي الملبي للارادة الشعبية لجموع المواطنين وذلك من اجل يمن جديد ومستقبل افضل. وعليه فان حنين البعض - وهم قلة - الى الماضي التشطيري البغيض الاسود لايمثل الا انفسهم وهو حنين الى مرحلة استبدادهم وغيهم وبطشهم وتخلفهم لان الماضي الشمولي البائد قد حفل بالكثير من المظالم والصراعات والمآسي والآلام والمواجع التي لايجب التذكير بها لان فتحها من شانه ان يفتح ابوابا من الكراهية والاحقاد والثأرات ..أما الوحدة فإن من شانها ان تفتح فضاءات جديدة اكثر تفاؤلا بالحاضر والمستقبل فهل تعقلون ؟!.