في المجتمع الديمقراطي تعتبر الصحافة والديمقراطية وجهين لعملة واحدة ، فلا يستقيم أمر الديمقراطية بدون صحافة حرة، ولا تتوطد أركان الديمقراطية إلا بالصحافة الحرة، لأن الصحافة الحرة هي التي تتيح فرصة المعارضة البناءة والتوجيه السليم، وهي التي تجعل الناس يحكمون على الأشياء بموضوعية، وتمكنهم من إبداء آرائهم بشأن القضايا الوطنية بموضوعية. وفي المجتمع الديمقراطي ربما يكون الصحفي أكثر من غيره قدرة على التأثير في الناس، وبالتالي فهو أكثر الناس إمكانية في لم شتات المجتمع أو تمزيقه، فهو يمتلك القدرة على تشكيل وعي الناس والأخذ بأيديهم إلى بناء المجتمع الديمقراطي ، فهو القادر على لم شتات المجتمع وتنظيم حياة الأفراد والجماعات على أسس ومبادئ وتشريعات متفق عليها، تنظم علاقاتهم فيما بينهم من جهة ، وعلاقتهم بالحاكم أو الحكومة من جهة أخرى. بشرط الالتزام بالتشريعات وإيمانهم بالمبادئ ، وتطبيقهم القوانين على أنفسهم قبل المطالبة بتطبيقها على غيرهم. ومسؤولية الصحفي في المرحلة الراهنة تتمثل في قدرته على مغالبة نزعته الذاتية، وتخلصه من أنانيته وترفعه عن التفكير في مصالحه الخاصة ، ليستطيع الذوبان في المجتمع ، كما تتمثل في سعيه الدؤوب لتوفير كل وسائل النجاح لفنه ، بتطوير مواهبه وزيادة ثقافته ، وتوسيع مجالات اهتمامه ومواكبة كل جديد في مجال نشاطه، واهم من ذلك كله فإن مسؤولية الصحفي أمام المجتمع عظيمة وخطيرة ، وتتمثل في تفاعله مع الأحداث الجارية بوعي كامل لطبيعة المرحلة التي يمر فيها المجتمع اليمني في الطريق إلى الديمقراطية ، غير أن من يقرأ بعض ما ينشر في صحافتنا المحلية سوف يعثر على مقالات لا تمت إلى الصحافة بصلة ، ولا هدف من ورائها إلا الإثارة بكل صنوفها وألوانها ، فهي بدلاً من أن تقود الشعب إلى الوحدة والالتئام ، تعمد إلى تفريق المجتمع ، وإثارة الأحقاد والضغائن ، وبث روح العداء بين أبناء الشعب الواحد وهي كذلك بدلاً من أن توجه الناس إلى الطريق السليم نحو البناء والتعمير توجه الناس نحو التقاعس والتخاذل، بما تنشره من أخبار محبطة للهمم ، ومقالات مثيرة للفتن وتحليلات قاصرة غايتها إعادة الناس إلى أيام التشطير البغيضة ، وهي بدلاً من أن تبث في الناس روح التنافس نحو البناء بالعمل والإنتاج والابتكار والإبداع ، تعمد إلى إثارة الفتن وبث الفرقة بين أبناء الشعب الواحد ، وتثبيط همم الناس وإحباطهم حتى لا يقدروا على مواجهة المشكلات اليومية ، وهي بدلاً من أن تتجه بمقالاتها والأخبار التي تنشرها نحو محاربة الفساد والدفاع عن حقوق الناس تعمد إلى إثارة النعرات القبلية ، وتعميق الصراعات بين الناس ، وتذكيرهم بالماضي التشطيري ، وتشدهم إلى مآسي الصراعات القديمة وما هكذا ينبغي أن تكون الصحافة في المجتمع الديمقراطي. إن الصحافة التي نريدها في المرحلة الراهنة هي التي تؤدي رسالتها بأمانة ، بما تنشره من معلومات نافعة وأفكار ناضجة وتحليلات موضوعية للأحداث والوقائع بعيداً عن الحقد و الضغائن . خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان