لم يعد يخيفني كما كان في فترة سابقة مزعجة، ومن كثرة مطاردته لي والتقائي به عدة مرات على غير رغبة ودون مواجهة مباشرة .. صرت آلفه ، وغدا يألفني حينما يراني تارة يصوب نظره إلي واعتقد أنني المقصود ويتجه لاصطحاب الرجل الواقف خلفي ، وتارة أخرى أتوهم أن اللقاء قد حان والموعد أزف فيقبل ماشياً في اتجاهين وتتسارع دقات قلبي فيأخذ الواقف على يميني ذلك الزميل الطيب الذي أحبه تاركاً الآخر الذي على يساري المنتصب بتجويف فارغ ،وحقد ملآن، وقرف ظاهر مع أني كنت أتمنى بسبب جراحاتي المتعددة منه أن يصطحبه معه إلى غير رجعة.. إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم. غريب أمره.. إنه لا يختار إلا الطيبين والمخلصين والمبدعين. صارت المسألة شبيهة بالنقوة مثل أن ( تنقي القات) بخبرة مولعة طويلة ، أو مثل المشتري الحاذق الذي يفحص الكباش بالنظر إلى سبلتها ورفعها فيختار المملوءة شحماً ولحماً، وأتساءل بيني وبين نفسي أله حس يتفكر به ؟! وهكذا صاحبنا الذي من كثرة وشدة مطارداته أو زياراته لي أو بالتحديد المنطقة/الحيز / المساحة/ البقعة التي أكون متواجداً فيها بدأت الحواجز تتحطم بيننا وبينه ( وما عاد باقي) إلا أن نوسع له في المقيل ونعطيه قاتاً رداعياً ليخزن .. ربما في الساعة السليمانية يغير من طبعه ويشطب من نحب من اختياراته. أنا وهو أصبحنا مثل الأصدقاء مع أننا لم نكن صديقين ، ولا كانت طريقنا واحدة ، بل متباعدة. الأحزان والأوجاع فيها واجدة. أنا وزميلي الجديد.. الصديق على رغمي .. الصاحب بالغصب (حبني بالغضب) بيننا آلاف الأميال من الاختلافات في كل شي ويكفي أن أقول إنني أعشق النور حد الثمالة فيما هو يهيم عشقاً بالظلام حد الجنون .. يا أخي أزعجتني وأرعبتني .. دائماً ورائي.. مسالم ودود ولم أرتكب في حياتي ما يوجب العقوبة عدا هنات إذا كان لا بد.. أمامك توكل كرمان أو حميد الأحمر. أية صحبة هذه ؟! أية صداقة التي تربط بين كائنين مختلفين ولايتفقان في أمر واحد تقريباً. لماذا الرهبة منه؟ إنه يقودك إلى شيء مذاقه حلو وجميل وشهي مع ملاحظة أن الذين رافقوه .. لم يعد إلينا أحد منهم ليخبرنا وينورنا بحقيقة ما جرى، وهل هناك لذة أو مذاق حلو أم لا؟! لكن من المؤكد أنهم سيعودون في زمان آخر. ليت شعري هل أنا وحدي .. جوانحي منصهرة في مثل هذه الحالة الغريبة المؤلمة التي وخزاتها كسهام القنفد أم أن هناك آلافاً أو ملايين يشعرون ويواجهون ذلك الطيف المرعب، والتوجس المخيف، والخيال المفزع .. الصديق المفروضة عليهم صداقته، ولايتحدثون عنه، ويتعايشون معه على غير رضى مثلي غير أني أزعم بتجاوزي لهم في ميدان الاجتراء على خلق صداقة قوية معه لاتفصم عراها وتجعلني أقل خوفاً، وأكثر اطمئناناً إلى أنه سيتلطف معي بعد أن سمعني وشاهدني ذات يوم وأنا أحضن المذياع واترنم مع المطرب العدني سالم بامدهف في أغنيته الشهيرة: (قولوا له ليش ما يكلمنا *** قولو له: يعطف على المضنى وتلطفوا له في الكلام). أجل .. واثق أنه سيتلطف بي، وسيكون ودوداً معي، حتى وإن كان مكلفاً بالمهمة، ولن ألطمه في وجهه أو أشج راسه كما فعل سيدنا موسى عليه السلام، أولاً: لأنه صار صديقي، وثانياً: لأني لا أمتلك قوة كليم الله. بطل وسيد الأبطال عندما تتسبب في تجويع مواطنيك، وتخريب بلدك، ورفع قضيته أو إشكاله المحلي إلى التدويل ليصير ألعوبة في أيدي قوى خطيرة ومؤثرة .. هل تعد بطلاً أو ثائراً أو مناضلاً؟! اقتربنا كثيراً من لبنان .. يا مشتركنا هلم بالاحضان. ملحوطة: لم نصل إلى التدويل بعد، ولكننا في الطريق. سميرة .. واجية (أجت سميرة وإلا عادها) عبارة عفوية يقولها المواطن القاطن حالياً في أبين بعد نهوضه لأسرته، ويلقى الرد. والمقصود .. ليس سميرة توفيق، ولا سميرة سعيد، وإنما الطائرة التي تزور زنجبار وجعار والمخزن والحصن بشكل شبه يومي بحثاً عن المسلحين. آخر الكلام يا ناصر الدين إذ رثت حبائله *** لانت أكرم من آوى ومن نصرا *محمد بن عبدالملك الزيات