مرة جديدة، تخسر قناة «الجزيرة» أحد أهم كوادرها الإعلامية، ممن يجمع بين الاحترافية والانتماء الصريح لقضية المقاومة في العالم. بعد أشهر عدة، غاب خلالها مقدم البرامج الزميل سامي كليب عن شاشة القناة، أسوة بغيره من مقدمي البرامج، علم أن كليب وقَّع عقدا مع قناة تلفزيونية أخرى، ما يعني توقف تعاونه رسمياً مع القناة القطرية. ولم يعرف بعد اسم القناة التلفزيونية المقرر أن ينتقل اليها لاحقاً، كما أن منصبه فيها ما زال طي الكتمان، وإن كانت التسريبات تفيد بأنه سيقدم برنامجا سياسيا يتناول القضايا العربية بمضمون وطريقة جديدين، يستندان الى تجربته الطويلة في مجال الإعلام الغربي. وفيما من المتوقع أنه سيشرح ملابسات هذه الخطوة لاحقاً، أوضحت صحيفة السفير أن الفرضيات تتباين حول أسباب مغادرة مقدم برنامج «زيارة خاصة» للقناة، وهو البرنامج الذي شكل غالباً منبرا للمقاومين في العالم ضد إسرائيل، ما أثار غير مرة حفيظة الصحافة الإسرائيلية. ويأتي توقف التعاون بين كليب و«الجزيرة»، بعد عدد من الاستقالات التي شهدتها القناة على مدى العامين الماضيين، منها استقالة مدير مكتبها في بيروت ومقدم برنامج «حوار مفتوح» الزميل غسان بن جدو واستقالة مذيعها الأشهر فيصل القاسم مقدم برنامج ( الاتجاه المعاكس ) والمذيعة لونة الشبل وآخرها استقالة شيخ المذيعين جميل عازر . وكليب الذي كان أمضى أكثر من عشر سنوات متعاونا مع «الجزيرة»، كان برنامجه توقف منذ ستة أشهر، في إطار قرار إيقاف البرامج الحوارية المسائية، الذي اتخذته الإدارة منذ سقوط نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، ما أثار جدلاً كبيرا حول الأسباب. فالبعض برره بحرص القناة على عدم قطع البرامج كل خمس دقائق لتمرير خبر الثورات العربية، والبعض الآخر اعتبر أن للأمر علاقة بالسياسة الجديدة للقناة ولدولة قطر، والقاضية بوضع كل الأخبار والتقارير في سياق سياسي مناهض لعدد من الأنظمة العربية، وهو ما كان صعبا تطبيقه على البرامج، نظرا لنهجها القاضي باستضافة الرأي والرأي الآخر. يذكر أن كليب قدم في القناة برنامجي «زيارة خاصة » و«الملف»، عبر إنتاج خارجي. وتميز الأول بالدخول في أسرار وتاريخ شخصيات عربية كثيرة من المشرق والمغرب العربيين. فيما أضاء «الملف» على ملفات ساخنة كان آخرها ملف السودان قبيل تقسيمه، حيث تم الكشف فيه عن حتمية الانفصال ودور اللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدة الأميركية في إيصال أوضاع البلد العربي الأفريقي الى حد الانفصال. كما تناول ملف التسلح العربي وكيفية فرض الولاياتالمتحدة الأميركية صفقات كبيرة على دول الخليج لبيعها أسلحة قد لا تستخدمها مطلقا، بالإضافة الى خطر رجال الدين اليهود على مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي. وفي ظل هذه الاستقالات من»الجزيرة»، ومنها ما هو معروف ومنها ما زال مكتوما، والتي طالت أسماء بارزة فيها، فإن السؤال المطروح هو: هل تحولت «الجزيرة» الى إحدى ضحايا الثورات العربية، نتيجة ما يعتبره البعض ابتعادا عن الموضوعية والمهنية في التغطية وانحيازاً الى ثورة دون أخرى .. وهل تكرس هذه الاستقالات صورة «الجزيرة» الجديدة، سواء من حيث خطها السياسي، أو من حيث وجوه مذيعيها ومقدميها، أو من حيث أدواتها المهنية التي تتمحور مؤخرا حول الجانب الإخباري على حساب الجانب البرامجي.