د. عبد العزيز صالح بن حبتور - رئيس جامعة عدن (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون)) صدق الله العظيم لا يزال الشعب اليمني بأسره يعيش حالة الصدمة والذهول جراء استشهاد فقيد الوطن الكبير/عبد العزيز عبدالغني رحمه الله واسكنه فسيح جناته. لقد تابعنا باهتمام كبير الحادث الإجرامي الذي تعرض له مسجد دار الرئاسة في يوم الجمعة الحزين والذي استهدف اغتيال فخامة الرئيس/علي عبدالله صالح حفظه الله وشفاه وكبار قادة الدولة، ومن ضمنهم شهيد الوطن عبد العزيز عبد الغني، الذي أكرمه الله العلي القدير بالشهادة الكبرى في أحد الأيام المباركة من خواتيم شهر رمضان المبارك، (فلا نامت أعين المتآمرين والجبناء). لقد كان الشهيد محظوظاً في حياته حين درس وتعلم في أرقى جامعات العالم "جامعة كولورادو" في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وعمل في أهم المناصب القيادية منذ البدايات الأولى لحياته العملية التي ترسم السياسات التنموية العامة في الإدارة والاقتصاد والتي تنتج النهوض التنموي في كل المجالات وتخدم في المحصلة النهائية أفراد الشعب وتمهد للحياة المدنية المنشودة الناهضة من ركام المجتمع التقليدي القبلي الذي يرزح تحت وطئه اليمانيون لقرون متعاقبة. إن الشهيد صاحب فكر ليبرالي واسع الأفق وقارئ حصيف للواقع اليمني شديد التعقيد، يستند بفكره إلى عدد من المفكرين الليبراليين كجون لوك، فرانسوا كيزني، جان جاك رستو، وليم بيتي، آدم سميث، وديفيد ريكاردو، آدمون برك وجون كينز وغيرهم من المفكرين الاقتصاديين اللبيراليين الاجتماعيين المعتمدين على المذهب الكلاسيكي الاقتصادي الحر، وحرية المبادرة الفردية. إن هذه النظريات وهؤلاء المفكرين ربما ليسوا محل إجماع المهتمين بالشأن الاقتصادي لأسباب تتعلق بالنهج الفكري العام ولكل ظروفه وقناعاته، لكن بالعودة للواقع اليمني الذي خرج في ذلك الحين من حكم الإمامة الكهنوتي المتخلف (الثيوقراطي) وبعد الخروج من نفق الحرب الأهلية المدمرة الممتدة من (1962م - 1967م) وحدوث "المصالحة التوافقية" والبدء بالتنمية، فانه ما كانت ستنجح أية نظرية في الدنيا إلا بعد الاعتماد على قراءة "واقعية للواقع اليمني المرير" واتباع ذلك المنهج الاقتصادي لتنمية الحياة الذي أوصل التنمية الاقتصادية الاجتماعية إلى بداياتها الممكنة والمتاحة وحققت قفزات تنموية هائلة على الجزء الشمالي من الوطن "الجمهورية العربية اليمنية" آنذاك واستمرت هذه السياسات الاقتصادية لدولة الوحدة اليمنية المباركة. الشهيد رحمة الله عليه كان من أنصار هذه النظرية وأعطى جل جهده وفكره وأسلوبه الحضاري في الإقناع لاتباع ذلك الطريق ووصل، بينما أقرانه في مواقع أخرى ظلوا الطريق عندما اتبعوا نظريات "حرق المراحل" والبروليتاريا الرثة كرافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وستروا عوارات القبيلة بالفكر اليساري المتطرف المغامر، هؤلاء فشلوا بينما نجح الشهيد كطرفي معادلة منطق الحياة في اليمن السعيد بإذن الله. في آخر زيارة له لجامعة عدن بمعية فخامة الرئيس عندما شارك أبناءه الطلاب والطالبات في افتتاح معرضهم العلمي والفني والإبداعي "18" أتذكر كلماته المعبرة كأستاذ عظيم عندما قال لي هامساً "لديكم شباب وشابات بجامعة عدن ثروة لا تقدر بثمن هم عماد المستقبل وبناة الوطن وما شاهدته اليوم من إبداع علمي وثقافي ثمرة من ثمار الوحدة اليمنية المباركة"، لا زال صدى الحروف والكلمات يرن في أرجاء الحرم الجامعي ويهز كياني، تذكرته وأنا استمع لنبأ استشهاده كصاعقة مدوية هزت الوطن من أقصاه إلى أقصاه. عزاؤنا لأسرة الشهيد عبد العزيز عبد الغني وجميع أهله وألهمهم الصبر والسلوان وعزاؤنا لفخامة الرئيس الذي فقد صديقاً أميناً وناصحاً كفؤاً ومفكراً كبيراً وعزاؤنا جميعاً أن الشهيد عبدالعزيز عبد الغني ترك لنا تراثاً كبيراً من الأعمال السياسية والإدارية والاقتصادية ستكون مدرسة قيادية للأجيال تقترب منها أكثر للتعلم والاستزادة في يمن الإيمان والحكمة. الدلالة الساطعة من الاعتداء الإجرامي على مسجد دار الرئاسة للقضاء على رموز الدولة هو أن تلك القوى المعتدية لا تعرف طريقاً للوصول للسلطة غير الانقلابات الدموية، والقتل والترويع أما القوى الديمقراطية الحقيقية فطريقها للوصول للسلطة هو الحوار والتفاهم والخضوع لرأي الشعب عن طريق الانتخابات الحرة المباشرة. رحمة الله عليك ياشهيد الوطن وأحد حكمائها. (إنا لله وإنا إليه راجعون).