ثقافة الطفل يمكن أن تسهم إسهاماً كبيراً وفعالاً في تكوين إنسان المستقبل القادر على التخطيط والبرمجة والتنفيذ، والقادر على التصرف السليم في مختلف المواقف، والقادر على التعامل مع الظروف المختلفة، ويحسن اتخاذ القرارات المناسبة في الأوقات المناسبة، في ضوء التفكير العلمي المتزن والمتوازن لخيره وخير مجتمعه. وثقافة الطفل العربي والقيم التربوية الأصيلة توأمان لاينفصلان فكل منهما يكمل الآخر، يتأثر به ويؤثر فيه، وكلما كانت القيم متأصلة في نفوس الأبناء تحولت إلى سلوك حقيقي، ومن هنا تأتي أهمية أن تسهم وسائل الإعلام المختلفة في تعزيز قيم المجتمع المستمدة من روح الدين الإسلامي الحنيف، لمواجهة الثقافة الوافدة عبر الفضائيات المفتوحة لكل الثقافات في عصر العولمة. ومما لاشك فيه أن عالم اليوم في عصر العولمة يمر بتحولات ومتغيرات كثيرة، ويسير بسرعة هائلة، يحمل معه مؤثرات ومتغيرات متعددة، بعضها سلبي وبعضها إيجابي، ليس في مقدور الطفل العربي التعاطي معها، من دون أن تترك آثارها على ثقافته، وبالتالي على قيمه وسلوكه، وهذا يدفعنا إلى البحث في تراثنا العربي الإسلامي، واستقرائه لنعثر فيه على ما يمكن أن يساعدنا في تنشئة أطفالنا تنشئة إسلامية صحيحة في ظل عصر العولمة المتغير. فلدينا في تراثنا ثروة ضخمة يمكننا أن نستثمرها في تعزيز القيم في ثقافة الطفل اليمني، ومن ذلك مثلاً ما قاله الحكيم اليماني في وصيته لأبنه، فقدم له ثماني وصايا مستوحاة من تجربته، قال فيها: (أوصيك يا ابني محمد *** خذ مني هذي التواصي واسمع كلام المجرب *** يذكرك لأنت ناسي الأولة: طاعة الله *** تسأل بها يوم تُسأل والثانية: اجمع المال *** اللي عليه المعول والثالثة: في علومك *** في نيلها ليس تكسل والرابعة: في رفيقك *** قاتل معه قبل يقتل والخامسة: في المطارة *** سقي من السيل الأول والسادسة: مرأة الويل *** طلاقها قبل تحبل والسابعة: أكرم الضيف *** وادي من الزاد ولو قل والثامنة: إن دعا الصوت *** فغير مع الصوت الأول) ويزخر التراث العربي بالكثير من النصوص الشعرية التي يغلب عليها طابع الحكمة والموعظة التي يوجهها الآباء للأبناء أو المعلمين لتلاميذهم، ومن ذلك مثلاً ما نجده في شعر اللاميات الشهيرة كما في لامية ابن المقري، حين يقول: (لاتفرحن بسقطات الرجال ولا *** تهزأ بغيرك واحذر صولة الدول لا تأمن الدهر ان يعلي العدو ولا *** تستأمن الدهر أن يلقيك في السفل) وقوله في اللامية ذاتها: (والق الاحبة والإخوان إن قطعوا *** حبل الوداد بحبل منك متصل وأعجز الناس من قد ضاع من يده *** صديق ود، فلم يردده بالحيل واستصف خلك واستخلصه احسن من تبديل خل وكيف الأمن بالبدل) وقوله كذلك: استح من ذم من إن يدنُ توسعه *** مدحاً، ومن مدح من إن غاب ترتذل شر الورى بمساوي الناس منشغل *** مثل الذباب يراعي موضع العلل أو كقول الصفدي في الجهد والاجتهاد: (الجَد في الجِد والحرمان بالكسل فانصب تصب عن قريب غاية الأمل واصبر على كل ما يأتي الزمان به صبر الحسام بكف الدارع البطل) وقوله: (وان بليت بشخص لا خلاق له فكن كأنك لم تسمع ولم يقُل ولا تمار سفيها في محاورة ولا حكيماً لكي تنجو من الزلل ولايغرنك من يبدي بشاشته إليك خدعاً فإن السم في العسل وإن أردت نجاحاً أو بلوغ منىفاكتم أمورك عن حافٍ ومنتعل) أو كما قال ابن الوردي في طلب العلم: (اطلب العلم ولا تكسل فما *** أبعد الخير على أهل الكسل لا تقل قد ذهبت اربابه *** كل من سار على الدرب وصل في ازدياد العلم ارغام العدى *** وجمال العلم إصلاح العمل) أو كما قال الإمام علي بن أبي طالب، في الكلام: (وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن ثرثارة في كل نادٍ تخطب واحفظ لسانك واحترز من لفظه فالمرء يسلم باللسان ويعطب والسر فاكتمه ولاتنطق به فهو الأسير لديك إذ لاينشب) أو قوله في بقاء المودة وعدم جرح مشاعر الناس: (واحرص على حفظ القلوب من الأذى فرجوعها بعد التنافر يصعب إن القلوب إذا تنافر ودها شبه الزجاجة كسرها لا يُشعب) * خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان