العلماء ورثة الأنبياء وأحق الناس بالعناية والرعاية والتكريم والتعريف بهم وبتاريخهم، لما لهم من مكانة عند الله سبحانه وتعالى لقوله في محكم كتابه ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)) المجادلة آية 11. العالم هنا هو الشيخ الداعية والمفكر/علي بن محمد صالح باحميش، العيدروسي، ولد بمدينة الشيخ عثمان بمحافظة عدن يوم السبت 8 ربيع الأول سنة 1328ه /10/3/ 1910م، وهو عالم، فقيه صوفي، وخطيب، وتربوي، وكاتب، توفي والده وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره، وقد بدأ في طلب العلم الشريف وهو صغير، فاستفتح كما هي عادة المسلمين في كل بلاد الإسلام بدراسة القرآن الكريم قراءة وحفظاً، وكان ذلك على يد فقيهين في مدينة الشيخ عثمان بمدينة عدن، هما (الفقيه عامر، والفقيه إسماعيل بن علي إمام مسجد العيدروس سابقاً)، ثم التحق بمدرسة الحكومة الابتدائية لمدة سنتين. لم يواصل الدراسة لظروف صعبة مر بها، فعمل في عدة وظائف مختلفة تناسب سنه آنذاك، ومع هذا لم يمنعه العمل من المضي في طريق العلم، فتفقه وقرأ النحو والصرف، وبعض العلوم الإنسانية على يد فقهاء البلد، وفي مقدمتهم العلامة/ قاسم بن احمد السروري، الذي استمر في التدريس والتعليم أكثر من 25 سنة وتخرج على يديه عدد كبير من العلماء والفقهاء. استطاع الشيخ/علي باحميش بتوفيق من الله ثم بعصاميته أن يجمع بين طلب العلم والمعيشة في وقت واحد، فقد سافر إلى بلاد الصومال والحبشة، عام 1345ه/1926م ، وعاد إلى البلاد وفتح متجراً بسيطاً عاش فيه ست سنين تقريباً، وأبت عليه نفسه الطموحة وهمته العالية إلا أن يواصل طلب العلم ويتحمل في سبيله المشقة والتعب. عزم السفر إلى مصر والانتساب إلى جامع الأزهر الشريف بالقاهرة، فارتحل سنة 1349ه/ 1930م إلى الحبشة فالسودان فمصر، ومكث هناك سبعة أعوام يجتهد في طلب العلم مع قلة ذات اليد ليأخذ أهم غذاء وهو غذاء الروح والعقل. حصل الشيخ/علي محمد باحميش على الإجازة العلمية والشهادتين الأهلية والعلمية من الأزهر، وعاد عام 1375ه/1938م إلى عدن، عمل في عدن مديرا لمدرسة بازرعة الخيرية الإسلامية أكثر من عشر سنوات، فأصدر صحيفة (الذكرى) عام 1367ه/1948م وهي أول صحيفة دينية أسبوعية، أسهم في تحريرها الكاتب الشهير الأستاذ أحمد عوض باوزير، ثم صحيفة (العدني) سنة1370ه/1951م. في مطلع عام 1374ه/1954م، عين إماماً وخطيباً لجامع العيدروس بعدن وبقي على ذلك حتى أوقف عن الخطابة نهائياً سنة 1395ه/1975م، وتم تعيين الأستاذ/محمد سعيد الصائغ بدلاً منه وهو أحد تلاميذه. تم تعيينه في شهر شعبان عام 1374ه/1954 قاضياً شرعياً لعدن خلفاً للقاضي/ محمد بن داود البطاح الأهدل وبعد الاستقلال سنة 1387ه/1967م عين كذلك مستشاراً لوزير العدل بالإضافة إلى عمله السابق. ويعد الشيخ/علي باحميش من أوائل المشاركين في برنامج إذاعة عدن منذ تأسيسها سنة 1373ه/1953م، هو والعلامة محمد سالم البيحاني فكان حديث الخميس يقدمه الشيخ/ البيحاني وحديث الجمعة يقدمه الشيخ/علي باحميش، وكانت إذاعة عدن تنقل خطبة الجمعة من مسجد العيدروس مباشرة التي يلقيها العلامة/باحميش. استفاد الكثيرون من دروسه ومحاضراته الخاصة والعامة في المنزل والمسجد ومن أبرز تلاميذه الشيخ/محمد عبدالرب جابر، والعلامة/صادق بن محمد العيدروس خطيب جامع العيدروس بعدن والعلامة/أحمد مهيوب إمام وخطيب مسجد الشيخ عبدالله (رحمه الله) والأستاذ/أنور محمد حسن إمام مسجد أبان سابقاً. وللشيخ/علي باحميش مناقشات ومساجلات ومواقف مع عدد من العلماء والتيارات وقد أشتهرت في عدن أبان مرحلة الاستعمار البريطاني وبعدها، ولكنه حافظ رغم الاختلاف في الرأي مع معارضيه (من غير المنتمين للسلطة)، على علاقات المحبة والود والاحترام معهم. من مؤلفاته: -1 فقه الصيام -2 الفتاة بين السفور والحجاب -3 درر المعاني -4 تحذير المسلمين -5 فصل الخطاب في ثبوت الشهر برؤية هلاله دون حساب. -6 خطب منبرية ومقالات توفي فجر الأربعاء 29 شوال 1397ه/12/10/ 1977م، بعد تعرضه لحادث سيارة، وشيع جثمانه من مسجد بانصير فجر ذلك اليوم إلى مقبرة العيدروس، وقد قتل القاتل في أحداث 21 ربيع الثاني 1406ه/13 يناير 1986م، التي عصفت باليمن الجنوبي وأضعفت الدولة التي كانت قائمة آنذاك وأركانها ، وفتحت واقعاً جديداً أمامها. رحم الله الشيخ/علي باحميش وأسكنه الجنة.