لقد شهدت اليمن في فترة العصور القديمة المظلمة تطوراً راقياً في النهوض الثقافي الحافل بالعطاء الفكري المثمر والتميز من حيث الخلفية الثقافية ذات الانطباعات والخصائص الوجدانية الموضوعية المهمة في دنيا العلم والأدب. فقد كان الكثير من طلاب المدارس والمواطنين المهتمين بالندوات الثقافية يتجمعون في مجالس الشيوخ للاستماع إلى هذه النقاشات والمقترحات الجادة، و يرون أن المفاهيم والقيم المادية والعلمية والأدبية والأخلاقية الراسخة الجليلة هي المهمات الثقافية التي تحقق مطالبهم وتحل كل ما يتعرض لهم من مشكلات باعتبار أن الثقافة الإنسانية تفسر كل الحقائق الموضوعية وتتأثر بالعلاقات الإنسانية وتعبر عن مجمل القيم والتفاعلات الإنسانية بين الناس. ولكن نتيجة الحوارات والنقاشات الساخنة في مجالس الشيوخ بين العلماء والأدباء ، وما يدور فيها من ألوان الحديث حول الأمور الثقافية مثل الأقوال والأعمال المأثورة والحواديت والنوادر والفكاهات ومزيد من الإبداع خاصة في ميدان الأدب مثل الشعر والنثر والفلسفة وعلم الاجتماع والنحو والصرف والنصوص والبلاغة وحسن النظر وصدق الرواية وقوة الحافظة وبلاغة اللسان والقلم ، ضاعت هذه الثروة الثقافية بالإهمال والتسيب بدلاً من الاستفادة منها وكان ينبغي تسجيلها وتدوينها عبر الكتب الثقافية . ورغم تدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية وغيرها للعلماء والأدباء المفكرين وما كانوا يعانونه كالفقر والظلم تمكنوا من تقديم المزيد من العطاء الثقافي حيث يقول الأديب التنوخي إن العلماء والأدباء والمشايخ عرفوا أحاديث الملل وأخبار الملوك وأحاديث البخلاء والظرفاء والعلماء الفلاسفة والأغنياء وقطاع الطرق واللصوص وايضاً شاهدوا معظم الرجال والشباب وطلاب المدارس وهم يتحدثون عن أهل الشرق والغرب حول بعض الأفكار الإنسانية وايضاً كتب الجاحظ التي لم تترك صغيرة ولا كبيرة من أخبار عصره وأحداثه الاجتماعية ومنها العلمان والبخلاء والظرفاء والنبات والحيوان إلا وشرحته بدقة وإسهاب وما لنا نذهب بعيداً والعصر الذي نسميه مظلماً أنتج مثل الأديب الجبرتي الذي دون من الأحداث والبطولات الرائعة في عصره ما لم نفعله نحن في عصرنا. وبالأمس القريب مات حافظ إبراهيم وكانت حياته غنية بالعطاء الثقافي حيث كان في كل ليلة يملأ المجلس بأحاديثه العذبة وفكاهاته الحلوة ولعلها ,إنجمعت ودونت لأفادت تاريخ الأدب والاجتماع ومع هذا لم يهتم احد تدوينها ولم يلتفت احد إلى قيمتها الثقافية وعفى عليها الزمن مثلما عفى على ملح الموبلجي والبابلي وفي ذلك خسارة لا تقدر. ويقال إن هذه الأحاديث والنوادر والفكاهات تحسن إذا أديت باللغة الفصحى وتفقد قيمتها إذا حكيت بالعامية ولكن نقول وما هذا التكبر على اللغة العامية والسابقون من أعلام الأدب لم يكونوا يتحرجون من ذكر النادرة الحلوة باللغة العامية كما فعل الجاحظ في (البيان والتبيين) وابن زولاق في ( أخبار سيبويه) والابشهي في ( المستطرف). ولكن من باب الأهمية والحرص الشديد باقي دور وزارة الإعلام والثقافة وكيف تلعب دورها الحقيقي المشرف في نشر الثقافة الإنسانية عبر الصحف والمجلات والكتب الثقافية المختلفة الاتجاهات التي تمحور في جوهر القضية الفكرية وغرس مجمل من القيم المادية والمبادئ الإنسانية والأخلاقية في نفوس السواد لأعظم من الناس الذين يميلون إلى قراءة الكتب الثقافية العلمية والأدبية والفلسفية والدينية والفنية والمسؤولية تقع على عاتقهم في بذل جهود غير عادية على أساس تجميع المقالات العلمية والأدبية والفلسفية والدينية والفنية لأجل تدوينها والحفاظ على التراث الثقافي في المركز الوثائقي التابع لها حيث تعد هذه الثروة الثقافية هي المرجع والاستيعاب الأمثل الذي يحفز الإنسان المثقف على عشق القراءة لتطوير مداركه العقلية العلمية والأدبية والفلسفية ومتابعة القضايا الإنسانية الهادفة وكل ما هو جديد يتعلق بالتراث الثقافي. ورسالتنا الأخيرة هي أن كل ما خلفته الأجيال الماضية بخصوص العلم والأدب يجب تسليمه إلى إياد أمينة محافظة على التراث الثقافي و أن تكون متصلة عبر الحلقات وحتى لا تتكرر المشكلة في ضياع الثروة الثقافية من جديد عن طريق التسيب والإهمال بأيدي الجيل الحاضر.