كانت إسرائيل تتخوف من التطورات الجارية في كل من مصر وسوريا ومن تحسن علاقتهما مع الاتحاد السوفيتي، وتتخوف من التعاون العسكري الذي كان يتسع بينهما من جهة وبين الاتحاد السوفيتي من جهة أخرى. وفي الوقت نفسه بدأت إسرائيل تظهر تخوفها من الجهود التي أدت إلى إبراز الكيان الوطني الفلسطيني، وتشكيل منظمة التحرير الفلسطينية. وفي ضوء ذلك أخذت إسرائيل تثير ضجيجاً واسعاً ضد سوريا ومصر وتقول بأنهما تسلحتا بأسلحة ثقيلة من الاتحاد السوفيتي، أما عبد الناصر فكان يرى أن تحرير فلسطين فضلاً عن أنه حق، فهو الضمان الحقيقي لحرية الأمة العربية كلها ولوحدتها أيضاً، ومن هذا المنطلق وضع عبدالناصر الإمكانات الكبيرة للنضال الوطني الفلسطيني وكان يؤمن بأن الشعب الفلسطيني يجب أن يكون رأس الحربة في طريق العودة إلى فلسطين، مؤيداً من شعوب الأمة العربية. كان عبد الناصر مؤمناً بأن أكبر عقبة تواجه الأمة العربية، هي تحالف العنصرية الصهيونية مع الاستعمار، وتواطؤ بعض الأنظمة العربية، ولذا كان عبدالناصر يعلن أن الجمهورية العربية المتحدة تحتفظ لنفسها في الحرية بالعمل والتنسيق مع القوى العربية التي تراها، وإنها تحتفظ بالقرار النهائي لزمان أي معركة ومكانها. حدث في 6 أيار 1967م أن طلبت مصر من قائد قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة المتواجدة على خط وقف إطلاق النار بين القوات المصرية والإسرائيلية في سيناءوغزة، أن يسحب قواته وذلك بعد أن تأكد لمصر وسوريا أن إسرائيل تنوي القيام بعدوان واسع على سوريا. ولم يتردد المسؤول العسكري الأول في مصر بالجزم بأن القوة الأساسية للقوات المسلحة المصرية تستطيع أن تنزل ضربات قاصمة بالعدو. وفي صبيحة الخامس من حزيران يونيو 1967م كانت إسرائيل قد بدأت هجومها وترددت أصداء الهجوم في العالم كله وكانت المفاجأة أن احتلت إسرائيل شبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان والضفة الغربية، والقسم الشرقي من القدس، قطاع غزة. الهزيمة العسكرية الساحقة التي حققتها إسرائيل، لم تتمكن من إسقاط نظام عبدالناصر أو فرض الاستسلام على مصر العروبة، ولم تنجح الهزيمة في خنق حركة التحرر العربية، بل على العكس حصلت انتفاضات تحررية ناجحة في أقطار عربية وظهرت الثورة الفلسطينية المسلحة العلنية كعامل سياسي مهم في المنطقة. بدأ عبدالناصر يعيد بناء القوات المسلحة المصرية وبدأ في حرب الاستنزاف مع إسرائيل التي دفعت فيه ثمناً كبيراً، وبدأ يحضر ليوم التحرير وليوم النصر الكبير وتمكن عبد الناصر أن يعيد الثقة لكل الأمة العربية وفي فترة وجيزة، ولكن جاء القدر ورحل عبد الناصر. أمتنا العربية اليوم التي تعيش هزيمة تلو الأخرى بأنظمتها بحاجة إلى عبدالناصر ليوحد كلمة الأمة، وليعيد الثقة لها من جديد، وليرسم لنا خارطة التحرير، تحرير الأرض وتحرير الإنسان، عبد الناصر الذي حول الهزيمة إلى نصر هو من تحتاجه أمتنا العربية اليوم. لن نيأس فالرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: (الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة).