عيدروس الزبيدي يصدر قرارا عسكريا جديدا    الحوثيون يرتمون في محرقة طور الباحة ويخسرون رهانهم الميداني    خوسيلو يقلب الطاولة على ميونيخ ويقود الريال للقاء دورتموند    جريمة مروعة تهز مركز امتحاني في تعز: طالبتان تصابا برصاص مسلحين!    بعد وصوله اليوم بتأشيرة زيارة ... وافد يقتل والده داخل سكنه في مكة    العرادة يعرب عن أمله في أن تسفر الجهود الدولية بوقف الحرب الظالمة على غزة    فلكي يمني يحدد أول أيام شهر ذي القعدة 1445    "القضاء في لحج يُثبت صرامته: إعدام قاتلين عمداً"    سقوط نجم الجريمة في قبضة العدالة بمحافظة تعز!    قصر معاشيق على موعد مع كارثة ثقافية: أكاديمي يهدد بإحراق كتبه    دوري ابطال اوروبا .. الريال إلى النهائي لمواجهة دورتموند    الضالع تحت نيران الحوثيين: صرخة مدوية تطالب بوضع حدّ للعدوان الحوثي    قناتي العربية والحدث تعلق أعمالها في مأرب بعد تهديد رئيس إصلاح مأرب بقتل مراسلها    "علي عبدالله صالح والزوكا شهيدان ماتا بشرف": دبلوماسي يمني يوجه رسالة ليحيى الراعي    أحذروهم في عدن!.. المعركة الخطيرة يقودها أيتام عفاش وطلائع الإخوان    اختيار المحامية اليمنية معين العبيدي ضمن موسوعة الشخصيات النسائية العربية الرائدة مميز    مطالبات بمحاكمة قتلة مواطن في نقطة أمنية شمالي لحج    انفجار مخزن أسلحة في #مأرب يودي بحياة رجل وفتاة..    دورتموند الألماني يتأهل لنهائي أبطال أوروبا على حساب باريس سان جرمان الفرنسي    اكتشاف مقبرة جماعية ثالثة في مستشفى الشفاء بغزة وانتشال جثامين 49 شهيدا    حقيقة ما يجري في المنطقة الحرة عدن اليوم    تراجع احتياطيات النقد الأجنبي بالصين في أبريل الماضي    فريق شبام (أ) يتوج ببطولة الفقيد أحمد السقاف 3×3 لكرة السلة لأندية وادي حضرموت    الولايات المتحدة تخصص 220 مليون دولار للتمويل الإنساني في اليمن مميز    الوزير البكري: قرار مجلس الوزراء بشأن المدينة الرياضية تأكيد على الاهتمام الحكومي بالرياضة    مدير عام تنمية الشباب يلتقي مؤسسة مظلة    الاتحاد الدولي للصحفيين يدين محاولة اغتيال نقيب الصحفيين اليمنيين مميز    تستوردها المليشيات.. مبيدات إسرائيلية تفتك بأرواح اليمنيين    الاشتراكي اليمني يدين محاولة اغتيال أمين عام نقابة الصحفيين اليمنيين ويدعو لإجراء تحقيق شفاف مميز    قمة حاسمة بين ريال مدريد وبايرن ميونخ فى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    مورينيو: لقد أخطات برفض البرتغال مقابل البقاء في روما    لماذا تقمع الحكومة الأمريكية مظاهرات الطلبة ضد إسرائيل؟    عصابة معين لجان قهر الموظفين    الحكومة الشرعية توجه ضربة موجعة لقطاع الاتصالات الخاضع للحوثيين.. وأنباء عن انقطاع كابل الإنترنت في البحر الأحمر    استشهاد وإصابة 160 فلسطينيا جراء قصف مكثف على رفح خلال 24 ساعة    تحديث جديد لأسعار صرف العملات الأجنبية في اليمن    رغم إصابته بالزهايمر.. الزعيم ''عادل إمام'' يعود إلى الواجهة بقوة ويظهر في السعودية    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    نيمار يساهم في اغاثة المتضررين من الفيضانات في البرازيل    قصة غريبة وعجيبة...باع محله الذي يساوي الملايين ب15 الف ريال لشراء سيارة للقيام بهذا الامر بقلب صنعاء    وداعاً صديقي المناضل محسن بن فريد    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    فرقاطة إيطالية تصد هجوماً للحوثيين وتسقط طائرة مسيرة في خليج عدن مميز    هل السلام ضرورة سعودية أم إسرائيلية؟    دار الأوبرا القطرية تستضيف حفلة ''نغم يمني في الدوحة'' (فيديو)    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    البدعة و الترفيه    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظواهر مقلقة في ثقافتنا
نشر في 14 أكتوبر يوم 26 - 06 - 2012

النقد هو الغائب الكبير من أدبنا العربي في إسرائيل توجد كتابات نقدية، أو تقع عموما في باب النقد. أو تسمى نقدا لأنها أقرب شيء إلى أشكال الكتابة النقدية.
وسأبدأ بنفسي: أقول بلا تردد أن ما أكتبه من نقد يقع في باب الكتابة الثقافية المتأثرة برؤية فلسفية عامة، بدءا من مراجعة كتب، أو طرح فكرة ثقافية أو قضية فكرية عامة وصولاً إلى الفكر السياسي والاجتماعي. وكثيراً ما قيل لي من زملاء أدباء إن مراجع اتيوطروحاتي الفكرية، هي من نوع النقد الثقافي الأقرب للمراجعات الثقافية أو الفكر الصحفي، السهل والممتع وسهل الهضم. وقد اعتبرت هذا التقييم أقصى ما أطمح إليه من كتاباتي الثقافية (النقدية كما تسمى).
لا أدعي أن النقد غائب تماماً، حقاً لدينا نقاد ونقد أدبي، غير انه لم يشكل تياراً ثقافياً مؤثراً وحاسماً في صيرورة ثقافتنا وتطورها. بل لم يشكل حتى تحدياً أدبياً أمام مبدعينا، أسوة بما يشكله النقد من موقف حاسم في كل ثقافة ذات جذور وأجندة ثقافية. وأبرز الدراسات النقدية لا علاقة لها بثقافتنا المحلية رغم أهميتها.
هل في مسيرة ثقافتنا أجندة ثقافية؟
هل ثقافة بلا أجندة يمكن أن تسمو إلى ثقافة قادرة على اختراق مجتمعها والتأثير فيه؟.
أمامنا تجربة ثقافية نادرة في تجارب الشعوب، تجربتنا الذاتية. في سنوات الستين والسبعين من القرن الماضي (العشرين) نجحنا بخلق تيار ثقافي مؤثر لدرجة بات الأدب (الشعر أساساً) نجماً في مهرجاناتنا السياسية. وكانت كل ندوة أدبية تعقد تتحول إلى مهرجان ثقافي.. كنا نبحث عن الإصدار الجديد لنقرأه قبل الندوة ونشارك في طرح انطباعاتنا.كنا جزءاً من حركة ثقافية نشطة. كان للتيار الثقافي بعده الاجتماعي والسياسي المؤثر. أجل شكلت السياسة بسبب واقعنا الخاص مضمونا مهماً لتقييم العمل الأدبي،الأخلاقي والتربوي، بل وأكثر، كانت الثقافة سلاحنا السياسي الروحي. لذا ليس بالصدفة أن أبرز حزب في وقته (الشيوعي) تبنى سياسياً الثقافة والهوية الوطنية الفلسطينية (تحت صيغة طبقية أعتقد أنها كانت شكلية.. وما زالت كذلك) وربط حاضر الأقلية الفلسطينية المعزولة والمحاصرة بقوانين عسكرية قمعية، بماضيها الثقافي والتراثي. كان تفكيراً سياسياً خدم التنظيم بقدر أكبر مما خدم الثقافة. ولكنه ساهم بخلق تيار أدبي شيوعي شكلاً وقومي بجذوره الأساسية، احتل الساحة الأدبية خلال فترة طويلة وليس سراً أن كل الذين يعرفون ب(شعراء المقاومة) هم أبناء هذا التيار السياسي.
ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى مميزين.
المميز الأول لهذا التيار إيجابي بما شكله من تيار ثقافي تبوأ مكانته المهمة محلياً وعربياً.
والمميز الثاني سلبي ربما بالقدر نفسه إذ استبعد أسماء مهمة لم تستطع الانخراط في صفوف الشيوعيين لأسباب عديدة، وهذا استثناها من الواجهة الثقافية التي سيطر عليها وسوقها محلياً وعربياً التنظيم الشيوعي، بإعلامه القوي وشبه الوحيد القائم وقتها، وربما لا أخطئ بالقول انه قمعها شعبياً أيضا بحده من انتشارها عبر تجاهل إعلامه المسيطر لسائر الأسماء التي لا تنتمي سياسياً لتنظيمه..
التنظيم استفاد بتحوله قوة ثقافية سائدة ومقررة، وهدفاً أمام كل مثقف إذا أراد الانتشار. ولكني اليوم أرى بالمسألة جانباً مهيناً: الخضوع للتنظيم وقبول رؤيته السياسية أو التجاهل والإقصاء. لذلك تطورت ظواهر سلبية مدمرة لم يكن بقدرة أحد صدها.
أفرزت هذه السلبيات قيماً مشوهةً، ونقداً مشوهاً وثقافةً مشوهة، ودخلاءَ على الأدب والنقد والسياسة، وعلى النشر المشوه في الصحافة خاصة، والترويج الكاذب ذي الصبغة القبلية.
وأكاد أقول أن غياب أقلام واعدة هو نتيجة الفوضى الثقافية، التي بات مروجوها من نقاد لا علاقة لهم بالأدب، أو بعض من صمتوا دهراً ونطقوا كفراً أدبياً، أو كتابِ نثرٍ وشعرٍ لا شيء من الجمالية الأدبية في نصوصهم، يصرون أن يقتحموا عالم الإبداع ظانين أن الموضوع لغوي إنشائي فقط، ويجدون مع الأسف من يستجيب لنزواتهم.. خاصة مع تلاشي سيطرة تيار سياسي محدد على النشر، وهو بحدّ ذاته أمر إيجابي ولكنه انعكس بشكل سلبي مطلق على ثقافتنا.
هذا أوصلنا إلى حالتنا المضحكة المبكية اليوم. فذاك يلوح بعشرين كتاباً وصلوه وانه يجمع عدته ليكتب (مراجعات نقدية) لكل ما وصله. من النقد الأول سيقرر (أجل نحفظ الدرس وأستطيع أن أكتب مقدمة نقده قبل أن ينشره وربما أن أشير إلى ما هو أكثر من المقدمة) أننا أمام شاعر أو كاتب قلَّ مثيلُه في الشعر أو النثر.. ولن يتردد فاستعمال اصطلاحات مثل (حداثي) و (مجدد) و(عالمي)... وآخر يخرج من مفكرته اصطلاحات نقدية أكاديمية تطورت في ظل ثقافة وحضارة مختلفة، وفي إطار فلسفات اجتماعية أحدثت انقلابات اجتماعية وفكرية راديكالية في مجتمعاتها أرى استحالة وعبثية نسخها وتطبيقها على ثقافتنا.
تصفحت العديد من الإصدارات الجديدة، لم أجد ما يشجعني على قراءة كاملة لأكثريتها. وبعضها لم أفهم علاقته بالإبداع الأدبي.. إلا بالتسمية التي تحملها الأغلفة. حقاً هناك مواهب جيدة، وهناك كتابات جيدة، ولكنها تغرق في بحر من الكتابات غير الناضجة.
لا أكتب لأقلل من أهمية المراجعات، حتى للإصدارات التي لم ترق إلى مستوى الشعر أو القصة. ولكني أتوجه برجاء، لنقّاد هذا الأدب (أو دعاة الترويج)، لا تبيعوا أوهاماً، إذا كنتم حقاً تعتبرون أن نقدكم يقع في باب الثقافة.. احترموا صاحب العمل الذي يريد توجيهاً صحيحاً وصريحاً، حتى لو كان مؤلماً، لأنه قد يكون موهوباً حقاً، ونقدكم، إذا لم يلتزم منطق الصدق، يجعل البعض على قناعة أنهم أصبحوا أصحاب مدارس أدبية، وان ما يخرج من مداد أقلامهم، بصالحه وطالحه، هو الإبداع بجوهره.
يبدو لي أن مبدعينا المبشرين بالخير كما أرجو، يطلبون العلالي من اللحظة الأولى، ووقعوا على ممارسي نقد فاقدين لأية رؤية نقدية أو ثقافية أو جمالية بديهية.
هذه كانت رغبتي أيضا مع أول قصة نشرتها وأنا في جيل الخامسة عشرة، وظلت هذه الرغبة ترافقني حتى جيل أستطيع أن أسميه جيل الاكتمال النسبي للوعي الثقافي. وأقول النسبي لأن الوعي لا يكتمل أبدا إنما يزداد إثراؤه بالتجارب الإبداعية واكتساب المعارف الجديدة وتوسع عالم الأديب الثقافي والفكري وتجاربه الحياتية.
بعض هذا النقد الذي أحذر من مخاطره، يذكرني بحكاية سمعتها أثناء دراستي في الاتحاد السوفييتي السابق. ويقال إن ستالين نفسه هو أول من رواها، تهكماً على بيريا الرهيب، قائد المخابرات السوفييتية في وقته. تقول الحكاية:
كان ستالين مولعا بتدخين البايب. فقد ستالين البايب المفضل لديه.. كان ستالين على ثقة أن البايب سرق منه في الكرملين. وعليه، اللص لا بد أن يكون من الحاشية المقربة. أعطى علماً بالأمر لقائد المخابرات المشهور وقتها بيريا الرهيب، وطلب غاضباً العثور على البايب بأي ثمن. بيريا الرهيب بدأ بالتحقيق والاعتقالات والتعذيب... في هذا الوقت وجدت المساعدة بايب ستالين تحت سريره، وأعلمت الرفيق ستالين أنها وجدت البايب الضائع.. ستالين سارع بالاتصال بالرفيق الرهيب بيريا ليعلمه أن مسألة البايب حلت فقد وجده.. بيريا لم يصدق، قال: كيف يمكن أن تجده يا رفيق ستالين ولدي ستة معتقلين من قيادة الحزب اعترفوا أنهم سرقوا البايب المفضل لديك؟!
أيها الرفيق الناقد بيريا، رحمة بأدبنا لا تستعمل أساليب إقناع حتى لو كانت بأسلوب رقيق وقمة في اللطافة والتبجيل والتشجيع وحسن النية!!
بالطبع أتمنى للأدباء العرب الفلسطينيين في إسرائيل المزيد من الإبداع والرقي الثقافي. ولكن الأمنيات لوحدها لا تصنع أدبا.
تعالوا نفحص جوانب أخرى لها صلة رحم بالنقد.
هل يملك نقدنا المحلي السائد، وعياً جمالياً (استيطيقا - علم الجمال)؟ وهل هو قادر على إيصاله للمتلقي؟!
ما يقلقني أن وعينا الجمالي الأدبي لم يتبلور بعد بصفته ركناً ثقافياً وفكرياً مقرراً وحاسماً في تقييم الإبداع الأدبي.
في مرحلة سنوات الستين والسبعين من القرن الماضي كنا متعطشين للثقافة، أولا كضرورة لمجتمع بشري معاصر، وثانياً كرد فعل مضاد (كما في الفيزياء) على الحصار الثقافي الصهيوني.
الثقافة أعطتنا أجنحة لنتواصل مع تاريخنا وهويتنا القومية والحضارية. أعطتنا دفقاً من المعنويات لنتحدى الواقع السياسي الرهيب الذي انكشف أمامنا عقب نكبتنا وبقائنا في وطننا، جزءاً ممزقاً من شعب. بعضنا بلا هويات يهددهم خطر القذف وراء الحدود، بعضنا حاضر غائب حسب قوانين قراقوشية تحكمت بمصيرنا، الأرض تصادر، قرى تهجر وتهدم حتى بعد إقامة الدولة (اقرث وبرعم، خرجوا باتفاق مع الجيش ورغم قرار المحكمة العليا بحقهم بالعودة إلا أن الحكومة تحايلت على القرار بقوانين مختلفة وجرى هدم القريتين بالقصف من الجو)... ولاجئون على بعد مسافة قصيرة من قراهم وأراضيهم ويمنعون من الاقتراب منها (لاجئو صفورية يسكنون حياً في الناصرة يطل على أراضيهم المصادرة وبيوتهم المهدمة وبنيت على أراضيهم بلدة يهودية). ذاكرة شعب كامل تهدم. بقايا شعب ممزق ومهزوم ويتلمس الطريق في واقع غريب عنه بكل أبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. لم تكن فترة لالتقاط الأنفاس. كل شيء يسير بسرعة غير معتادة. خطط للتجهيل بلغتنا وهويتنا، أسماء بلداتنا وملاعب صبانا تعبرن(تستبدل بأسماء عبرية)، من أكثرية في وطننا تحولنا إلى أقلية ممزقة ومضطهدة، نفتقد للمثقفين، المتعلمون قلة، نفتقد للبنى التحتية التعليمية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية. من مزارعين تحولنا بفقدان الأرض إلى عمال أجرة في المشاريع اليهودية، قرانا ومدننا تحولت إلى فنادق تأوينا بعد يوم العمل. المعلمون يلاحقون ويفصلون إرهاباً وقمعاً لجعلهم خصياناً ينفذون أوامر الحكم العسكري في تجهيل الأجيال الشابة بلغتهم وتاريخهم. شعب بلا مؤسسات، القيادات التقليدية هربت، المخاتير بأكثريتهم الساحقة تحولوا إلى زلم للحكم العسكري الإسرائيلي، وبعضهم كانوا من(جيش الظلال) الصهيوني قبل نكبة شعبنا، الذين سمسروا لبيع الأرض للحركة الصهيونية، وباعوا شعبهم لقمة سائغة لمصير رهيب ما زال يدفع بالدم ثمن مأساته حتى اليوم.
في هذه الظلمة والضياع برز الحزب الشيوعي بقيادته الطليعية التاريخية. مجموعة من المثقفين الوطنيين الأبطال حقا بكل المعايير. من اليوم الأول قرروا التحدي. دفعوا ثمناً رهيباً، ولكن طريقهم أثمرت.. الثمن كان ضياع حيوات أجيال، حتى لا يضيع شعبنا ويفولذ تمسكه بوطنه وحقوقه. وكان تطوير الأدب أحدى المهمات الإستراتيجية المهمة للطليعة الشيوعية. ولكن كما قلت كان لذلك جانبان، إيجابي وسلبي.. الإيجابي رغم أهميته العظيمة يتلاشى ونحصد اليوم سلبياته..
ما يقلقني ان ذوقنا الجمالي لا يتبلور من خلال الفوضى الأدبية وكتبة المدائح، وبتنا عاجزين عن استيعاب الجمالي في الإبداع والتلقي.
وربما نتساءل ما هي مركبات هذا الذوق الجمالي الجديد؟!
إن جل ما يغيب عن الناقد هو المستويات التعبيرية للإبداع.
عندما يصعب على الناقد أن يستوعب الوعي الجمالي، بصفته الوعي الذي يتناول الظواهر والأشياء من خلال سماتها الحسية، وقدرتها في التأثير على المتلقي، عند ذلك يغيب تماما أهم ما في النقد وأعني: المضمون الجوهري للمقياس الجمالي في الإبداع الأدبي.
آمل أن لا تكون كلماتي معقدة، لذا أسمح لنفسي أن أقول انه لا يوجد في أدبنا إلا القليل للقليل من النقد الأدبي، وأكثريته لم يتناول أدبنا.
النقد يحتاج إلى فكر إلى فلسفة، وألاحظ أن أكثرية كتاب ما يعرف ضمنا بالنقد يفتقدون للفكر الثقافي ولوعي فلسفي، بل ويفتقدون لحسٍّ ثقافي ذوقي، وكتاباتهم بلا فكرة نقدية محددة.
بالطبع لدينا معوقات تتعلق بتركيبة مجتمعنا، الحياة الثقافية النشطة والفعالة هي سمة للمجتمعات المدنية، ونحن للأسف الشديد نحقق تراجعاً في مدنية مجتمعنا. نعود إلى تجزئتنا العائلية وتباعدنا الطائفي، حتى فكرنا القومي يتحول إلى فكر طائفي وعائلي منغلق.ومنطقنا السياسي ينحرف نحو العائلية السياسية والطائفية السياسية. كنا نظن أنها لم تعد تشكل عائقاً أمام مجتمعنا العربي في إسرائيل، الذي تحول إلى اقتصاد إنتاجي حديث، وعلاقات إنتاجية حديثة، وما فرضه ذلك من أسلوب حياة مدني. حقاً التطور كان قسرياً وسطحياً، أي لم ينجح بتغيير حاسم للعلاقات الاجتماعية القديمة، علاقات المجتمع القروي الصغير المتماسك عائلياً، واستبدالها بعلاقات مجتمع مدني منفتح ومتحرر من الروابط القروية، تحكمه قيم مدينية لا سابقة لشعبنا بها بهذه الكثافة وفرض القطيعة مع الواقع الذي تشكلت مفاهيمنا في إطاره، أي بدل قيم المجتمع الفلاحي البسيط بدأت تسود قيم مجتمعٍ برجوازي أوروبي، (كولونيالي) في نهجه مع الأقلية العربية الباقية في وطنها رغماً عن مشاريعه التهجيرية، إلى جانب الحقيقة غير القابلة للجدل، بأن نكبتنا هي الوجه الآخر للواقع المتغير الذي يعصف بنا.
أدعي أننا لم نستوعب بعد هذه المتغيرات العاصفة في ثقافتنا. تعبيرنا الوطني لم يرقَ إلى مستوى (ابسيميتولوجي)، بمفهوم المعرفة الحقة العلمية لجذور التحول التي تعصف بماضينا كله وتفرض علينا تحولات سريعة تتناقض مع مستوى تطورنا وعلاقاتنا القديمة.
يبدو أن هذا الواقع يحتاج إلى دراسة الجوانب النفسية الاجتماعية وتأثيراتها الثقافية على المجتمع العربي داخل إسرائيل وانعكاساتها السلبية والايجابية على مسيرته الثقافية والسياسية لشدة الاندماج في واقعنا بينهما!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.