يحدثنا التاريخ في مختلف حقباته ومراحله عن أحداث ومواقف وعن شخصيات في أماكن وبلدان ومناطق مختلفة .. كانت فعالة ومؤثرة وشخصيات كانت محورية بأدوارها في صنع تاريخ مجتمعاتها على مختلف الأصعدة .سواء كانت سياسية ، عسكرية ، اجتماعية، ثقافية ، فنية .. وأصبحت رموزاً وهامات وطنية في ذاكرة وجدان ناسها ومواطنيها . وأبين الولادة للقادة العظماء والمعطاء للمبدعين .. هي واحدة من تلك المناطق التي أنجبت كوكبة من الشخصيات والقادة والرواد في ميادين مختلفة .. كان لها تأثير في مجتمعاتها وعلى مستوى الوطن كله .. ولسنا في هذا المقام مدعوين لحصرها . بقدر ما يهمنا هنا التذكير بأنه من بين تلك الكوكبة من كان لهم فعل وتأثير في الوسط الثقافي والفني وكان لهم عطاءات وفيرة أسهمت بشكل إيجابي في تشكيل وتهذيب الوجدان الشعبي وموروثه الفني والموسيقي .. بل أن إسهاماتها كانت سباقة ورائدة في النهضة والتنوير الثقافي والفني. فإذا تأملنا .. أو أقدمنا على استطلاع للرأي الشعبي في أبين عن الشخصيات التي أثرت الساحة الفنية والثقافية سيجد المرء أن النتيجة تضع ( العطروش) كواحد من بين تلك الشخصيات التي كان له تأثير وفعل إيجابي بعطاءاتها وأعمالها في مجتمعاتها .. فالعطروش هامة ثقافية وفنية ومن رواد النهضة والتنوير والتحديث في المجال الفني والموسيقي . من حق أبين الفخر والاعتزاز بواحد من أبنائها ورموزها الثقافية والفنية والموسيقية ومن حقها أن تتباهى بالفنان الكبير المبدع محمد محسن عطروش وتعتبره هامة ثقافية وفنية رائدة ولا غرابة في أن نطلق عليه فنان الشعب " حباً وعرفاناً لما قدمه هذا الإنسان خلال خمسة عقود ونيف للوطن والإنسان. وكم يحز في النفس أن يرى المرء فناناً كبيراً مثقفاً ومبدعاً بكل المعايير ( فنان وملحن وعازف وشاعر) أثرى الساحة الفنية الغنائية بعطاءاته الوافرة المتجددة التي أثرت وجدان الذاكرة الشعبية لأكثر من خمسة عقود مضت.. والتي ستظل أبدا جزءاً من تاريخنا وموروثنا الثقافي والفني الغنائي .. بل ولا زال هذا الفنان حتى اليوم ينبوع عطاء متدفقاً لا ينضب. كم يحز في النفس أن ترى ذلك الفنان وتلك الهامة الفنية الكبيرة تعاني ما تعانيه من الإهمال .. الذي يقود إلى الغبن والإنزوا والإحباط .. والمسؤولية هنا تقع على المعنيين بوزارة الثقافة. والحقيقة أن الفنان المبدع بفنه وغنائه وألحانه إنما يوثر في نفوسنا .. فهو بالكلمة الرقيقة والهادفة والنبيلة واللحن الجميل والنغمة الموسيقية الناضجة المعبرة إنما بذلك يغسل أوساخ وأدران النفس من هموم ومعاناة الحياة .. ويدخل الفرحة والبهجة والطمأنينة إلى تلك القلوب الحزينة والمحبطة وتتجلى نقاوة الشاعر الإنسانية . بأنها لا تحرك الوجدان والمشاعر فحسب يل تسهم في تشكيلها وتهذيبها . ذلك ما نعتقد أن فن والحان العطروش تفضي إليه وتحدثه في نفوسنا عند سماعها. وهذا شأن أي عمل فني غنائي ناجح لدى فنان مبدع آخر وكم هي تلك الأغاني والأناشيد الوطنية للعطروش التي ألهبت الحماس وأذكت الروح الوطنية وكانت شعاراً وزاداً لشعبنا في نضاله التحرري ضد المستعمر .. ومن لا يذكر من الأجيال التي عاصرت أو ترعرعت وتفتح وعيها في زمن القبض على الجمر أناشيد وأغاني العطروش ابتداء من ( برع ياستعمار) والتي جسدت حينها صرخة الشعب في الجنوب وإرادته مروراً بأغنية ( تشتي اليوم من يحكمك) وأغنية (يالحج يا ضالع ) ومروراً بأغنية ( أنا قنبلة رما ها فتى) والتي جسدت العمل الفدائي البطولي ضد المستعمر البريطاني وصولاً إلى أغنية ( بوس التراب) التي مجدت شهداء الثورة أبان حرب التحرير ، وكذا أغنية (يا شباب ياشباب) ووصولاً إلى رائعته الغنائية ( أماه) التي تغنى بها وقدمها للجمهور الفنان القدير بلبل بنا عوض أحمد .. بل وهناك صف وطابور طويل من الأغاني والأناشيد الوطنية الأخرى التي عاصرت التحولات وواكبت نضالات شعبنا .. وكانت بحق معبرة عن صوت وطموحات وآمال الناس.. وكان لها تأثيرها وحضورها في وجدان الذاكرة الشعبية .. بل وكانت بعض من أغاني العطروش السباقة إلى دق ناقوس الخطر منذرة بتفشي بعض الظواهر السلبية والانحرافات والفساد ..ومن تلك الأغاني على سبيل المثال وليس الحصر( كل مسؤول في الشعب لازم يحاسب) وأغنية ياربان السفينة) وأغنية( من خان لا كان) وغيرها من الأغاني .. كانت تحمل نقدا صريحاً للقيادات في ممارسات خاطئة كادت أن تستفحل وكان العطروش هو الصوت الوحيد الذي ارتفع ناقداً أو منبهاً ومنذراً في زمن لم يجرؤ أحد على الإقدام عليه في سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. وعموماً الفنان محمد محسن عطروش أطال الله عمره وخلال مسيرته الغنائية غنى للإنسان والأرض وغنى للوطن بعشق وحب امتزجت فيه مشاعره وهمومه الخاصة بهموم وطنه وشعبه وبقضاياه العادلة.. غنى للناس البسطاء صناع الحياة ،عن الفلاح والصياد والعامل .. وأبدع وتألق في غنائه والحانه العاطفية الرومانسية الإنسانية المجسدة للمشاعر النبيلة في الحب والعشق والحياة والهجران والعتاب وأغنية ( قصة العمر) خير دليل . ومن المفيد القول هنا إن العطروش بأعماله الغنائية وإبداعاته قد تبوأ مكانة عالية في وجدان ذاكرة شعبه وغدا بحق واستحقاق مشروع فنان الشعب وفي بلدان أخرى يعتبرون مثل هكذا إنسان مبدع بطلاً قومياً. إن فنان الشعب العطروش قد تفرد وتميز بألحانه الرائعة منذ انطلاقته الأولى مختطاً لنفسه طريقاً خاصاً ، وكما صنفه النقاد والباحثون إنه كان وما زال (مدرسة فنية غنائية خاصة).تحمل الحداثة والتجديد وتستلهم الأصالة من واقع الموروث بتوقيع وبصمات العطروش. هذا بحق ماعكس قدرة العطروش ونضجه الفكري الثقافي والموسقي ، وموهبته ومهارته حقاً لقد امتزجت وتكاملت الموهبة والمهارة والمعارف العلمية والثقافية الواسعة عند العطروش لتنتج إبداعاً فنياً وغنائياً مكتملاً فيه شروط النجاح ليعيش ويبقى إلى ما شاء الله في ذاكرة أجيالنا جيلاً بعد جيل وتنهل منه .. ولا غرابة أن نجد على الساحة الغنائية اليوم فنانين كثراً ومواهب شابة تتلمذوا على هذه المدرسة الفنية ، وتأثروا بها وصقلت مواهبهم ولا تخلو أعمالهم الغنائية اليوم من نكهة وبصمات العطروش . إن هامة فنية بحجم الفنان العطروش ( فنان الشعب ) جديرة بأن تلقى الرعاية والاهتمام والتقدير والإنصاف والتكريم المعتبر من قبل قيادتنا السياسية وأجهزتها المعنية بالأمور ومن العيب إهمالها أو تناسيها ودفعها إلى التواري والانزواء والإحباط .. ليس عيباً ما يلاقيه فنانونا ومبدعونا الكبار من جحود ونكران وتهميش؟!. أن العطروش بخبرته المتراكمة وسعة ثقافته وتراثه الغنائي الموسيقي وعطاءاته المتجددة وتاريخه الوطني النضالي .. يفرض بالضرورة وضعه في المكان المناسب للاستفادة من طاقاته ( المعطلة قسراً) وإبداعاته وأفكاره في تصحيح مسار أنشطتنا ومشاريعنا الثقافية والفنية والغنائية بغية النهوض بها ذلك في نظرنا ما تقتضيه المصلحة الوطنية في المشهد الثقافي والفني اليوم. استدارك! وفاء لأبين وناسها .. ومع معاناتهم ومأساتهم الإنسانية جراء الحرب الصعبة التي افتضت النزوح والدمار و التشرد ونواح الثكالى ، والأرامل .. وأنين الجرحى .. وحسرة اليتامى نتمنى على حبيبنا وفناننا الكبير ( فنان الشعب) العطروش العايش معنا تلك المأساة.. أن يتحفنا بعمل فني غنائي يجسد مأساة أبين ومعاناة ناسها .. وهو الذي عودنا دوماً على حضوره في مثل هذه اللحظات التاريخية الاستثنائية .. فهو خير من يجسد تلك المأساة بتحفة فنية غنائية تكون بصمة استثنائية للعطروش في صدر تاريخ أبين في هذا الظرف الاستثنائي الذي تعيشه أبين الحبيبة ووفاءً لناسها الطيبين.