عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الريال يخطط للتعاقد مع مدرب مؤقت خلال مونديال الأندية    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    غريم الشعب اليمني    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    الحكومة تعبث ب 600 مليون دولار على كهرباء تعمل ل 6 ساعات في اليوم    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    مئات الإصابات وأضرار واسعة جراء انفجار كبير في ميناء بجنوب إيران    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    لتحرير صنعاء.. ليتقدم الصفوف أبناء مسئولي الرئاسة والمحافظين والوزراء وأصحاب رواتب الدولار    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(الحصار والحب من أجل الانتصار) لصالح قائد الكهالي
مذكرات مقاتل من حصار صنعاء 67و1968م
نشر في 14 أكتوبر يوم 14 - 02 - 2014

اقرب مكان إلى صنعاء وكذلك لان صنعاء تشكل مستطيلا مقابل هذه المواقع ابتداء من سفوح جبل نقم الجنوبية حتى منطقه عصر، وهي غرب صنعاء، وخلال وجودنا في الموقع عرفنا ان بعض الجنود (يشرب الشاي الثقيل بينما البعض الاخر يشرب الخمر البلدي المصنوع محليا عدد منهم محدود جداً، وعندما تشتد المعركة يكون غير مهتم لما يحدث من حوله، بل انه يجابه ذلك بسخرية عجيبة !) قال الجندي صالح محمد مثنى آنف الذكر الذي كان اصلا من وحدة المدفعية في الجيش والتحق قبل الحصار بالوحدات المركزية! (نحن اقوى من هذه القذائف، نحن نملك مبدأ، ولكنهم مرتزقة فلوس كنا في الماضي نخاف من الرصاص، لكن الآن اصبحنا نتقبل القصف واعتدنا عليه والقذائف الثقيلة اصبح مفعولها لدينا اشبه بمفعول الرصاص قبل الحصار لقد تحملنا الكثير وتشجعنا بعد ان احلنا سفوح هذه التبت إلى مجزرة كما تلاحظون بعيونكم!!! ) وراح يؤشر لنا بيده إلى الجثث التي كانت متناثرة حول المواقع الصغيرة فهناك الابطال الذين صمدوا بدون خنادق، وبدون خوذات فولاذية، وبدون ملاجئ ضد القصف المتواصل وبدون اسعافات اولية . وعندما جرح احد الجنود لم يكن يوجد في الموقع مضمد للجراح، فطلب الجنود سيارة الاسعاف، وقام احد رفاقه بالربط على الجرح بالمشدة ولم تصل سيارة الاسعاف الا بعد اربع ساعات وقد سبب ذلك نزيفاً للجرح اثر على صحته فيما بعد، لكن واقع الحصار فرض نفسه، لم يكن لدينا الوحدات الصحية او التموينية مثل بقية الجيوش المحاربة في العالم .لقد شعرنا بمرارة عندما رأينا ابناء الشعب يقتل كل منهم الاخر، فالجانب الملكي يعبي الكادحين من البدو والقبائل لمحاربة اخوانهم ابناء ثورة 26 / سبتمبر، لكن كيف يمكن اقناع القبائل التي عاشت مئات السنين وهي تدين بالايديولوجية الرجعية، وتحارب من اجل المال اولا واخيرا، أن هذا الوقع المؤلم لا يمكن أن يحسم بقوة السلاح وحدة . فقبائل 1948م التي ناصرت الامام احمد ضد (الامام عبد الله الوزير وحكومته الدستورية )كانت تراودهم الفكرة ذاتها غير مدركة ان صنعاء اليوم ليست صنعاء 1948م ومع ذلك فان جديد صنعاء من اصحاب الدكاكين والسيارات وغير ذلك كان يمثل غنيمةً كبيرة بالنسبة لهم، بل ان صنعاء كلها ستكون هي الغنيمة مرة اخرى، حتى في عام 67م.1968م .وبعد ان ابدينا اعجابنا بجنود النهدين وشجاعتهم الخارقة، بالرغم من الحالة السيئة التي كان عليها الموقع المكشوف، طلبنا منهم ان يبنوا ملاجئ ضد القصف، لكن احد الجنود اسرع يقول ( لا يوجد لدينا الخشب والزنك لنبني المخابئ وكما شاهدتم فان قذائف العدو لا تصيب احداً منا، ومفعولها ينتهي بعد سقوط الشظايا إلى اسفل التبت ) ! فضحكنا مع بقية الجنود على تقييم ذالك الجندي لقذائف العدو !!! واستهانته بها .وودعناهم،
ونحن سعداء بتلك الروح المعنوية العالية التي يستمتعون بها، وبدانا العودة وكانت الساعة السادسة مساءً وقد ازددنا ايماناً بحتمية انتصارنا لان مواقعنا الأمامية كانت فوق تصورنا والجنود كان ايمانهم وتحديهم لجبروت العدو فوق كل تصور اخذنا نسرع السير هبوطاً من التبت، في خلال دقائق محدودة قطعنا الطريق مسرعين، قبل أن يداهمنا الليل، وكان موقع المدفعية لايزال بعيداً عنا، ولكن عودتنا كانت سريعة والفرحة تغمرنا لأننا زرنا رفاق السلاح والمصير، رفاق الحصار ولأن الجميع يردد (الجمهورية او الموت) وواصلنا سيرنا باتجاه الموقع الذي انطلقنا منه، وقد مرننا بالحجر الذي وضعناه كعلامة قبل صعودنا التبت، معلنين عودتنا، ومصممين على مواصلة القتال، مهما كان الثمن، حتى يتم اجبار المحاصِرين على التراجع واعطاؤهم الدروس التاريخية بان صنعاء 67 و 1968م ليست صنعاء 1948م وذلك أن صنعاء اليوم هي صنعاء الثورة والجمهورية لا صنعاء التي تستبدل اماماً بإمام وحاكماً اقطاعياً ملكياً بحاكماً اقطاعياً اخر . ووصلنا الموقع 85_م/د وكان الرفاق قلقين جدا بسبب تأخرنا وعندما دخلنا الموقع كان كل واحد في موقعه ومتراسه ومكثنا نصف ساعة واكلنا خلالها اللحم المعلب من صنع روسي والكدم (الخبز الجاف ) وشربنا الشاي وتحدثنا مع الرفاق عن ابطال النهدين وشجاعتهم الخارقة .فزاد اعجابهم كثيراً بما سمعوه منا عن ذلك الموقع، وزادهم ذلك ايماناً وصلابة وبينما كنا نتبادل العبارات الحماسية والشجاعة، سمع المراقب بالموقع ان اطلاق النار قد اشتد بتبت النهدين، وكان ذلك اشارة هجوم جديد يشنه الملكيون على ذلك الموقع الذي لم يمض على تركه اكثر من ساعة، وشعرنا حينها أن واجبنا أن نقدم مساندة المدفعية إلى الجهات الاربع للتبتين اللتين كانتا اشبه بالهرم المعمور .وتوجه كل واحد منا إلى المدفع الذي كان مسؤولاً عنه، وبدا القصف المتواصل، بينما كان جهاز الاتصال يلتقط اشارة التصحيح من جهاز الموقع وسلم إلى القائد وتمت عملية التصحيح واستمر القصف لمدة ساعة كاملةً، كانت اطقم المدافع تتكون من فرد إلى فردين توجه ضرباتها بالتناوب وحتى تم كسر الهجوم، وعاد العدو إلى ادراجه بعد ان فقد خسائر جديدة، كما خسر معدات بدون ان يحقق اي هدف من اهدافه، كانت تلك الليلة كسابقاتها ليلة قتال حتى الصباح في جميع المواقع التي كانت ترى امامنا، وطبيعي ان لانعرف النوم حتى صباح اليوم الثاني عندما توقفت المعارك استعداداً لمعارك المساء، تركت الرفاق في موقع 85/م/د، وركبت سيارة التموين إلى صنعاء، ومررت ببيت الفريق الذي كان لايزال نائماً وقد فهمت من الحرس ( انه سهر حتى اخر الليل، واتضح انه كان سهران مع عشيقات في العشرين من العمر بل ودون العشرين !)، تلك كانت حياة وحقيقة الفريق العمري (البطل الاسطوري حسب ما كانت تصوره صحف بيروت المأجورة ) التي بدا لها انه بطل الحصار، وحقيقة بطولة العمري يعرفها جيدا الابطال الحقيقيون الذين مزقوا حصار صنعاء، ودحروا جحافل الملكية عن عاصمة الثورة والجمهورية، كما ان حقيقته تكشفت لجميع اليمنيين بعد ذلك، وكل من شارك وعاش مع الفريق يعرفه جيداً !شعرت بألم شديد وانا اغادر بيت الفريق فقد كانت الارض تدور وشعرت بدوخة شديدة، كانت السيارة قد تركتني في باب البلقة وعادت تحمل التموين والذخيرة إلى موقع المطار، واتجهتوا إلى ميدان الشهيد العلفي واخذت موتور سيكل،
واتجهت الى بيت العم الذي اصبحت مسؤولا عنه بسبب الحصار وضعف ضمير العم المهاجر كان الموتور سيكل قد ازعج الحي، واطلت العمة مع اختها لرؤية من يركب الموتور سيكل، وسمعت صوت اخت عمتي، وهي تصرخ من الدور الثالث قائلة (انه حي، لقد جاء انه بخير قالت العمة صحيح !!! الحمد لله لقد اسهرنا عليه الليالي لقد عاد لقد رجع بسلام ) اعطيت سائق السيكل ايجار سيكله وقرعت الباب قرعةً واحدة فقط فاذا باخت عمتي تفتح الباب، وهي مرتعشة من الفرحة، والدموع تنساب من عينيها وشعرت ان قلبي اهتز بقوة، فلم اكن اصدق ذلك المشهد الذي يحدث امامي لأول مرة منذ ان التقينا، لقد احسست بحب انساني عميق يشدني نحو تلك الفتاة الريفية والتي ردت لي التحية بأحسن منها فهي لم تنس القبلة التي طبعتها على جبينها عند ما اضربت عن الطعام بسبب خلافها مع عمتي، اختها الكبيرة وعندما دخلت من الباب اغلقته بسرعة غير معتادة، ومدت يدها تسلم وقبلت يدي بلهفة ودموعها تنهمر من عينيها احسست حينها بمشاعر جارفة نحوها، نعم لم اكن اعرف قصة تلك الفتاة المسكينة والتي اصبحت تمثل واحدة من الماسي التي تعيشها الفتاة اليمنية في جميع انحاء اليمن شماله وجنوبه، شرقه وغربه .لم اتمكن من ان ابادلها التحية لتقبيل يدها لان العمة كانت قد هبطت من الدور الثالث بسرعةً لاستقبالي، وقد سلمت عليها كالمعتاد، وكانت هي الاخرى لها قصة من اروع قصص الوفاء والتضحية تحتاج وحدها إلى كتيب خاص لها ! بعد التحية المتبادلة صعدنا جميعا الى الطابق الاخير، وكنت اشعر بإرهاق شديد من السهر ومن اخبار الفريق القائد العام للجيش والحصار وخلعت حذائي ودخلت الغرفة، وكانت جواربي ترسل رائحة غير مستحبة لاستخدامي لها طيلة اسبوع كامل دون تغيير، وقد اسرعت اخت العمة إلى اخذهن وقد حاولت ان اقوم بغسلها بنفسي غير انها اصرت علي ان تقوم هي بذلك كما اصرت عمتي على ذلك ايضا لذلك احسست وشعرت بما هو اكثر من الحرج والتعجب لهذه العناية غير المتوقعة، وبعد ان اخذت شيئا من الراحة لمدة ربع ساعة قدم لي الطعام، وقالت لي عمتي التي كانت صائمة مع اختها، وهي تضحك، ! (لو كان انت جالس بالبيت كان انك صائم لكن المعركة تحكم حكمها !) فقلت لها ياعمتي المجاهدين اعفوا من الصلاة والصيام !! كان ذلك تصوري في تلك الايام وكان هذا اول حوار يدور مع العمة التي لم اكن قد جلست معها سابقا بما فيه الكفاية، وردت العمة قائلة (لكن كيف هذا الجهاد وانتم مسلمين كلكم والمسلم كيف يقاتل اخوة المسلم كلكم رايحين النار الجمهوريين والملكيين !)انطلقت تلك العبارة بينما كنت قد اخذت اللقمة الاولى، وكانت العمه تتكلم بثقة في نفسها، وقد رددت عليها بانني متعب وساهر والجوع شديد وعندي صداع يؤلمني، وليس عندي استعداد ان اكلمك الآن، ارجوك ياعمتي خذي فلوس (بقش) من جيب الكوت وارسلي اختك إلى الدكان لتحضر لي اسبر وه حتى انام بعد ان اكمل الاكل اخذت الفلوس وارسلت اختها (حليمة )، كنت حتى تلك الساعة لا اعرف اسم اختها فقد كانت تعطيني اسماً مستعاراً ولم اكن اعرف السبب لكنها في تلك اللحظة صاحت تناديها (يا حليمة اسرعي إلى الدكان وهاتي اسبروة لصالح لان راسه يوجعه، لأنه سرح عند قنابل الملكيين! ) نادتها وهي تضحك بفرحة لم يسبق ان شاهدتها، وفهمت ان الفرحة كانت تعبيراً عن الارتياح لعودتي بسلام وقد ردت حليمة (بصوت صنعاني هيا مرحبا واسرعت من المطبخ الذي يقام دائما في بيوت صنعاء القديمة في اخر طابق حتى تتجنب بقية الغرف والادوار الدخان الذي يتصاعد من (التنانير ) (الموافي ) نظراً لان الحطب هو الوقود المتوفر بصنعاء اخذت حليمة البقش (الفلوس ) والستارة وكان اللثام يغطي شفتيها دائما، كما هي تقاليد وعادات صنعاء وضواحيها والمدن اليمنية عموماً، وكانت حليمة تلبس زنة (قميصا اسود من القماش الدمس ) اخذتها معها من القرية واسرعت إلى الدكان واحضرت الاسبروة وعادت بسرعة وعندما وصلت الينا تكلمت بجراءة غير معتادة وقالت ( هيا خذ ياصالح الاسبروة الله يشفيك والا ينقل مرضك لي) فرددت عليها الله لا قال شكرا يااخت حليمة ! (فردت سريعاً ما هوش اسمي حليمة من قالك اسمي لطيفة ) فقالت العمة ضاحكه (ايوة اسمها لطيفة) فضحكت بالرغم من شدة الالم وشربت الاسبروة بعد ان اعطتني العمة كوباً من الماء بينما عادت كرية تغسل الجوارب مع الثياب، وكانت تمازح اختها لأنها اباحت باسمها الحقيقي . كان الاكل مكوناً من ( شعيرية، مع السمن البلدي والملوج) (خبز الموفى والتنور ) لم استطع ان اكل ما قدم لي من طعام بسبب التعب والالم والسهر، وقد داهمني النوم، وتركت الاكل، لقد نمت نوماً عميقا ولم اصح الا الساعة السادسة مساءً ولم توقظني الا قذيفة شديدة الانفجار سببت هزة كبيرة بزجاج النوافذ. وكان يمكن، للشظايا ان تقتل اي انسان داخل الغرفة .قمت مسرعا إلى السطح لمشاهدة مكان القذيفة التي لم يسبق لها ان بلغت إلى مثل هذا المكان .وكانت العمة واختها في سطح العمارة تراقبان مكان الانفجار، وتبين انه اصاب مسجد السيدة اروى بنت أحمد، وحصد مجموعة من المصلين فيه .هكذا كانت تصرفات المتباكين على الدين من (الجمهورية الكفرية والملحدة) تلك كانت صورة من الاعمال الاجرامية التي كانوا يمارسونها والتي لم تكن تستثني احداً ابتداءً من الطفل الرضيع وانتهاءً بالشيخ المسن المصلي في المسجد ! لقد احرج ذلك الموقف وتلك الجريمة انصار الملكيين داخل صنعاء وجعلهم يحسبون الف حساب لأي كلمة يقولونها بعد ان رأوا بأعينهم هدم مآذن المساجد بقنابل (المتدينين انفسهم )! ووصلت الينا اخبار الخسائر من المارة وكان لابد ان نتألم بشدة لذلك الاجرام ونزلنا من السطح لنتناول طعام الافطار والعشاء، وكان الم رأسي قد خف كانت العمة ماتزال غاضبة لقصف المسجد وقد استغليت هذا الظرف لكي احاورها حول ( المسلمين المتحاربين)واوضحت لها ان الذين يدمرون المساجد ويقتلون الاطفال والشيوخ لا يمكن وصفهم مسلمين، فهم كفرة وحاقدون على ديننا الاسلامي وان الذين يطلقون المدافع في بيت بوس، وارتل انما هم مرتزقة .مأجورون فوق انهم يكنون حقداً على المسلمين من ايام صلاح الدين الايوبي ! وكانت اختها (حليمة)، تسمع الكلام واللثام على فمها دون ان تبدي استعدادا لتناول العشاء بالرغم من انها صائمة منذ الساعة الرابعة صباحاً اي منذ غداء رمضان السحوري، كما هو معروف عن سحور رمضان .ظللت احاول اقناع العمة بان علينا ان نعادي بقدر عدائهم لنا وطلبت منها ان تغير نظرة المساواة بين الجمهوريين والملكيين لانهم يدمرون المساجد والشيوخ والعجزة والاطفال والنساء وكانت العمة تتناول وجبة العشاء بصمت فلم ترد علي بسبب غضبها وحزنها على شهداء مسجد اروى بنت احمد اما حليمة اختها فلم تنبس ببنت شفة، كما لم ترفع لثامها، ولم تتقدم لتناول لقمة خبز واحدة لقد سالتها لم لا تأكلين بحكم انك صائمة! لم ترد الا بكلمة واحدة مفادها (انها لم تستطيع ان تأكل حزنا وغضباً على شهداء المسجد) وخيم الحزن على العمة واختها لقد انتهى العشاء الذي تمكنت خلاله من محاورة العمة . اما حليمة اختها فقد ظلت تحتفظ بالقناع الاسود على شفتيها، وكانت نظراتها مصوبة نحوي بصورة مستمرة وبشكل حاد اخجلني ! وجعلني اتجنب توجيه نظراتي اليها . ولاحظت العمة ان القناع الاسود لم يبرح عن وجهها .وهزت رأسها ويبدو انها فهمت السبب الحقيقي لذلك وبعد ان رفعت حليمة اوعية الطعام وعادت العمة لتقول (حليمة لم تجروا على فك قناع وجهها حرجاً من وجودك في البيت!) لقد حرمت حليمة من العشاء برغم صيامها، ربما بسبب المها من قصف المسجد وكان اهالي صنعاء القديمة لا يصدقون إن المساجد اصبحت ميدان قتال . وماحدث افقدهم صبرهم وجعل من لم يجرؤ على الكلام ضد الإمامة يتحدث من مخاوف عودة ما حدث عام 1948م من جديد .لكن كان انفعال الناس شديدا ودفع الكثير إلى العمل ضد حكم الطغيان المدعم (بحضارة الغرب وقذائف امريكا الصهيونية الامبريالية ) كان استمرار حليمة بتغطية وجهها بالحجاب ماعدا عينيها قد جعلني اسال نفسي عن سبب استخدام القناع واسباب الخجل من وجودي في البيت وامعنت بالتساؤل عن حياة حليمة الخاصة وعمرها وبدأت العمة تسرد لي قصة اختها وكانت الحكاية طويلة (فقالت اختلف والدها مع امها عندما كانت طفلة صغيرة وقد انتهى الخلاف بالطلاق وكانت بداية الفراق فقد اخذها والدها واغترب الى القرية التي تبعد عن صنعاء وقريتيهما الاصلية بحوالي 170كم جنوب صنعاء وبعد ان بلغت السنة الثانية عشرة تم زفافها على العم المغترب بينما تزوجت امها برجل اخر من نفس القبيلة .وبدأت بأنجاب الاطفال في الوقت الذي تزوج والدها مباشرة بامرأة اخرى وبعد زواج العمة من العم المهاجر لم يبق معها عدا شهرين لم يمسسها خلالها قط وخلال فترة غيابة عنها كان العم يعيش في الحبشة حيث تزوج بامرأة حبشية وظلت العمة المسكينة تعيش في قريتنا طيلة تلك السنين المؤلمة وقد حاول والدها أن يقنعها بالزواج من رجل آخر ولكنها رفضت وظلت تنتظر حبيبها الموعود وكانت زوجة والدها الجديدة قد انجبت عدة اطفال ونتيجة ظروف المعيشة قرر والدها الذهاب غربة مرة اخرى من القرية الى صنعاء بعد ان افلس وبعد ذلك قام بفتح دكان صغير في صنعاء لبيع القشر (غلاف البن ) وبيع السكر وما ان تحسنت حالته المادية حتى سارع الى احضار زوجته وأولاده الصغار كان ذلك تحديدا في عام 1965م اما العمة فقد ظلت بعيدة عن حبيبها المهاجر وبعيدة عن والدتها التي تركتها طفلة صغيرة وكانت امها قد انجبت ولدين وبنتين كانت حليمة اصغرهم وفي بداية عام 1967م ارسل والد العمة رسولا مع حمار لنقلها من القرية الى مدينة يريم ومن يريم الى صنعاء وكان ذلك الرسول هو شقيقها من امها الذي كان متلهفا لمشاهدة اخته الكبيرة من امه ولم يكن قد رآها قبل تلك الفترة وكان حينها قد بلغ 24 سنة من العمر ومتزوج ولديه طفلة!) ومضت العمة تقص حكايتها واحلامها وانتظارها الطويل لعمي المهاجر المغترب طيلة السنوات التي لا تعدو ان تكون نموذجاً لحياة عشرات المهاجرين اليمنيين وغيبتهم الطويلة ووفاء المرأة اليمنية الذي لا يكاد يقارن باي وفاء واي تضحية !! وفي مطلع عام 1967م وصلت العمة صنعاء حيث مكثت لدى والدها وكانت دموعها لا تفارقها حزنا على حبيبها الغائب .كانت السنين التي انتظرتها مملوءة بالحزن العميق وكان العم المعتوه لا يترك عيدا يمر الا ويكتب انه قادم فيه ولا مناسبة تمر الا ويكتب انه قادم ولكن مرت الايام والشهور والسنوات بأعيادها الستة عشر وهو في الحبشة وزوجته تبكي وتبكي وتحزن و تحزن .كانت امها تسكن جنوب غرب جبل عيبان وعندما علمت بوصول ابنتها الكبيرة إلى صنعاء طارت من الفرحة والتهب قلبها بالشوق وتطلعت إلى رؤية ابنتها الاولى الكبيرة التي لابد ان تكون قد كبرت وغدت شابة جميلة .واسرعت الام لمشاهدة ابنتها وكان اللقاء عاطفيا حارا .لقد تملكتها فرحة لا حدود لها وبعد أن تمالكت نفسها من الفرح وطلبت من والد ابنتها ان يسمح لها بأخذها إلى القرية لكي تشاهد اخواتها واشقائها من امها فلم يمانع الاب، فقد كان يحب ابنته الكبيرة حباً عميقاً ولا يرفض لها ادنى طلب .ووفرلها الهدايا وسافرت بسيارة مع والدتها إلى القرية التي تقع جنوب غرب جبل عيبان كما سبق الاشارة، وبعد اسبوع عادت إلى صنعاء تحمل هدايا مماثلة لما ذهبت به من صنعاء وكان في مرافقتها شقيقها الاكبر الذي كان برتبة رقيب في الجيش النظامي الاول خلال العهد الامامي. واضافت العمة وهي تشرح قصتها الحزينة انها انتظرت عام 1967م إلى ما قبل حركة (5) نوفمبر الرجعية حيث بلغها والدها بصورة مفاجئة بان محبوبها قد وصل اخيرا الا انها لم تفرح في الظاهر بل بكت بكاءً شديداً وكان ذلك تعبيرا في الغالب عن شدة المفاجئة وعن طول حزنها .كان العم يكبرها بثلاثين سنة تقريبا، وعندما عاد كان الشيب قد غطى رأسه الا ان صحته كانت ماتزال جيدة فقد كان صاحب تجارة في اديس ابابا .يعيش في حالة بذخ مما جعله يتمتع بصحة ظاهرة وعندما وصل صنعاء لم يصل إلى بيت والدها (عمه ) بل إلى بيت احد اقاربه .وبعد يومين كان اثقل من سنوات الانتظار الطويلة، عرفت العمة من والدها في الصباح أن الحبيب الغائب سيحل ضيفاً عليهم ذلك اليوم، وجهزت مع خالتها زوجة والدها الغداء وانتظرت وصول الحبيب للغداء مع اربعة من اقربائه .كان كاتب
هذه السطو احدهم وفي الساعة الثانية عشرة ظهراً دخل الضيف ولم تصدق عيناها انه هو ذلك المحبوب، فقد اصبح راسه ابيض وعلى وجهة تجاعيد واضحة كما غدا ضخم الجثة . وقام والدها بإفراغ الغرفة العليا لابنته مع زوجها، ودار بينهما عناق ملتهب اظهر فيه العم مكراً وغدراً اكثر من مكر وغدر السنين الماضية، وبعد ان استمر يتبادل معها الحب المشنوق، طيلة السنين الطويلة طلب والدها ان يدخل مع زوجها في حساب حول نفقتها عن السنين التي قضتها عنده، وهي خمس سنوات غير انها طلبت من والدها ان يترك زوجها حتى يوجد لها بيتا لنفسها، وبعد ذلك يحاسبه كيفما يريد وقد استجاب والدها لطلبها، ولم ينطق بكلمة واحدة .وبعد عشرة ايام طلبت من زوجها أن يوفر لها بية ويوفر لها الطلبات الضرورية وكان من ضمن طلباتها ايجاد (خدامة ) تقوم بواجب البيت فاستجاب لها واعطاها ايجاراً لها وترك لها حرية ان تختار من تشاء ولم تكن تريد غير الاتيان بأختها من امها من القرية تحت غطاء انها (الخدامة ) حتى تبقى بجانبها ولم يكن يعرف الرجل الحقيقة أن الخدامة المطلوبة هي اختها، ووصلت حليمة قبل إن يبدا الحصار بأسبوعين فقط وبعد عشرين يوما قضتها في البيت الجديد الذي استأجره لها طلب العم (ان يسافر إلى القرية لزيارة شقيقاته وأقربائه والعودة خلال اسبوع !)ترك لها ايجار البيت لمدة شهر واحد مع مصاريف شهر ايضاً قبل ذهابه إلى القرية الذي صادف الحصار، وعندما وصل القرية كانت فتاة اخرى في انتظاره فقد تزوج على الفور بعد وصوله مباشرة .كانت الضحية الجديدة في ال28من عمرها تقريبا، حيث كانت قد خطبت له قبل سنتين وقد دفع مهراً كبيرا لها، فهي ابنة قاضي قطاعي وكانت ايضا من اقربائه ولم تعرف العمة المسكينة الحقيقة الا بعد انتهاء الحصار عن صنعاء ) اما قصة حليمة اختها من امها فهي الاخرى محزنة واليمة وبدات العمة تشرح لي قصة اختها كما يلي (عندما فكر اخي ان يتزوج، قرر والده ان (يزاقر بها زقار تبادل شغار) وكان نصيبها رجلاً كبير السن مشوه الوجه، والمظهر وقد رفضت حليمة الزواج من ذلك الرجل، فهددها والدها بالضرب لكنها اصرت على الرفض، فعلم اخوها فهجم عليها ( بالجنبية ) الخنجر وكاد ان يقتلها لولا ان تدخلت امها وابوها واعدين اخاها انها سوف توافق على الزواجة وقد اغمي عليها في الحال عند المغرب وكان احد الصالحين من الجن المسلمين قد لبس حليمة وسكن رأسها، واصبح يعيش معها، اضافة إلى اخ آخر له يأتيها عندما تطلبهما بالتناوب، وقد اذهلني الخبر وافزعني ما حدث لها وبالرغم مما حدث فقد تزوجها ذلك الرجل الشنيع بالقوة، كما تزوج اخوها الذي توفق بزوجة تناسب سنه على حساب حياة اخته حليمة، وقد هاجر زوجها إلى السعودية، بعد أن اخذها وعاشت معه اسبوعاً بالقوة وتحت التهديد والوعيد وبعد أن سافر إلى السعودية لم يعد، وعندما حدث الحصار كان قد مضى عليه 3 سنوات وكانت امها مرتاحة بدخول حليمة صنعاء عند ابنتها الكبيرة بعد أن عرفت أن زوج ابنتها الكبيرة قد عاد بعد سنين طويلة، وعندما اشتد الحصار كانت قرية حليمة قد سقطت تحت سيطرة الملكيين مثلما سقط جبل عيبان المطل على قريتها وقد لفت انتباهي من هذه الحكاية ان حليمة تحمل روحا اخرى غير روحها وان هذه الروح تأتيها كل ما طلبتها ولاحظت العمة عدم موافقتي على حكايتها هذه حول الروح الساكنة وعدم تصديقي ان هناك مخلوقات غير الانسان توجد في المجتمع البشري وعدم قبولي الا ان احاديث الفلاحين المستمرة عن الجن رغم ورود ذكر الجن في القرآن كما في قصة بلقيس وسليمان ... الخ واوضحت لها ان ليس هناك ما يدل على وجود او عدم وجود الجان لكن العمة اصرت على رأيها وابدت استعداها لتوضيح ذلك لي بعد نصف ساعة فقط .. كانت حليمة لاتزال تعمل في المطبخ بدون عشاء وكنا قد اندمجنا في الحديث، ولم نذكر انها بدون عشاء لقد انستني كل شيء هذه القصة المروعة التي عاشتها عمتي مع زوجها وكذلك قصة اختها المسكينة كان مسدسي جاهزا وكان الرشاش امامي ايضا وبعد ان تركتني العمة وصعدت إلى المطبخ الكائن بجوار السطح لسماع اصوات الانفجارات ومشاهدة لهيب المعارك الطاحنة في المواقع حول صنعاء بينما كانت حليمة ماتزال في المطبخ ولكن دون تناول لقمة واحدة وكنت قد فهمت السبب الذي، منعها من رفع اللثام وهو كما سبق وجودي داخل البيت لأول مرة وخجلها مني وعندما قررت أن اذهب لكي اشتري لها عشاء من السوق كانت الساعة التاسعة مساء، بلغت عمتي عن خروجي فخافت واسرعت من السطح لتجد انني احمل كل عدة القتال فرفضت السماح بخروجي وادعت الخوف من البقاء في المنزل مع اختها وحدهما وحاولت اقناعها ولكن دون جدوى . بعد ذلك ارسلت احد اطفال الجيران لكي يحضر عشاء لأختها وعاد بعد ربع ساعة فقط يحمل العشاء اخيرا وتناولت حليمة العشاء ولكن حالة من الصداع والدوخة كانت قد شقت رأسها بسبب الجوع، وبعد ان افاقت من «دوختها» قررت العمة ان تريني حقيقة الروح الخفية التي تسكن جسم اختها لكن حليمة كانت تلك الليلة متعبة بسبب الجوع وحادث المسجد الكبير واجلت العمة ذلك إلى اللية القادمة وبعد ذلك بدا النقاش حول الصراع الدائر بيننا وبين القوى الملكية ومرتزقة امريكا والسعودية . وقد تمكنت من اقناع العمة باننا كجمهوريين اصحاب حق واستشهدت بما يحدث وبهجرة العم (زوجها) الذي غاب عنها سنين طويلة لطلب الرزق وقررت انها من الآن فصاعدا لن تقف مواقف الوسط، وانما سوف تقف بجانب الجمهورية واصحابها المقاتلين والمدافعين عن صنعاء . (اما حليمة ) فقد كانت تسمع الحوار بخجل وحياء بنت القرية التي لم تعرف المدينة من قبل، لكنها تأثرت بهما كثيرا وزاد حقدها ضد الملكيين، وقررت ان تفعل اي شيء ولكنها لم تكن تعرف ماذا يمكنها ان تفعل كانت تحتاج إلى من يوجهها . وتطرقنا إلى دور المرأة في المعركة وكان الحديث معها عن دور المرأة منذ ايام غزوات الرسول حتى ثورة فيتنام والجزائر ودور (جميلة بو حريد الجزائرية) واخيرا تحدثت عن دور المرأة اليمنية التي بدأت تتدرب على السلاح وهي تعمل بمصنع الغزل والنسيج بصنعاء... لاحظت ان حليمة اخذت تتفاعل مع الحديث وبدا انها تريد ان تتكلم او تقدم اي مساعدة لنا لكي نفك حصار صنعاء وحصار قريتها التي انقطعت عنها اخبارها .... وكانت تعرف ان شقيقها كان مع الجمهوريين وأن العملاء في قريتها سوف ينتقمون منه في اي لحظة تتاح لهم فيها الفرصة بعد أن تجاوزت الساعة العاشرة والنصف ليلا طرحت العمة هموم الحصار وآثاره على حياتها داخل البيت الجديد واوضحت أن الحطب انتهى وأن السوق قد فرغ نهائياً من كل شيء وانه ليس هناك حل وطلبت العمة أن اتدبر امر الحطب وبعد شيء من التفكير عثرت على الحل . فقد تذكرت ان مواقع مدفعية المطار الجنوبي مليئة بالصناديق الفارغة حيث قررت أن اذهب في اليوم الثاني إلى المطار الجنوبي 85/م/د حيث موقع الرفاق واخذ كمية من صناديق الذخيرة الفارغة من هناك واقوم بتكسيرها حطباً وذلك هو الحل الوحيد، وكنت اعلم مسبقا أن الرفاق سوف يقدمون الصناديق بسخاء مع السيارة التي تحملهن وذلك ما حدث فعلا .بعد العاشرة والنصف بدأ القصف يهدا في المواقع فشعرت براحة كبيرة، لان الرفاق حصلوا على فترة هدوء قصيرة . وقررت أن انام فذهبت إلى الغرفة الصغيرة التي سبق أن قررت العمة أن تكون مخصصة لي، وكنت قد نقلت فراشي مع السرير من البيت الذي كنت اسكنه مع مجموعة من الشباب بناء على طلب العمة بدعوة الخوف عندها بعد أن وصل الملكيون إلى باب شعوب وبدأ الرعب يدب في صنعاء القديمة اكثر منه في صنعاء الجديدة (شوارع الثورة التي بنيت بعد قيام الثورة ) وبعد نصف ساعة من النوم عادت المعارك واشتدت من جديد، وطار النوم من عيني وصعدت إلى السطح لأجد حليمة قد سبقت اليه لمشاهدة المعارك وكانت السفوح الشرقية لجبل نقم المواجه (لدار سلم، ودار الحيد ) قد اصبحت متوهجة بفعل نيران الاسلحة الصغيرة وقنابل الهون المضيئة وكان الهجوم شديدا على جبل نقم وكان جبل براش ونقم يتعرضان ليلياً لقصف مستمر وهجمات مركزة لا تقل عنفاً عما تواجهه بقية المواقع المحيطة لصنعاء والتي كانت كلها جبهة قتال مشتعلة كنت اشعر بشيء من الطمأنينة عندما كانت تنطلق الرشاشات الخفيفة من مواقعنا وخاصة عندما يحدث ذلك في الليل وأتألم كثيرا عندما لا تواجه نيران العدو بالرد المناسب عليها من مواقعنا، كان القتال سجالا والمعارك محتدمة وكانت بعض المواقع هنا او هناك تسقط بيد العدو ولكن سرعان ما تعود زخة الرصاص من جديد ومعها يعود الامل، ويذهب التشاؤم وهدأت المعارك في الساعة الواحدة، وبدأت من جديد اوجهه الاسئلة الى حليمة وبالذات احوالها مع العمة وكانت في البداية لا ترد على تحرياتي وبعد ان اصررت عليها ان تتكلم قالت ( ان الخصام يحدث احيانا لكنها لا تتأثر نظرا لأنها اختها من جهة ولأنها تعيش حالة نفسية يرثى لها، وبذلك فهي تقدر حالتها .
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.