كثر الحديث في الوقت الحاضر عن الحاجة الملحة لإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية شاملة في الساحة اليمنية، مما يؤكد على وجود اختلالات شملت مناحي الحياة وهذا أمر لا يشك فيه احد ولا يختلف حوله اثنان إذ أن الأمر ليس خاص بنا معشر اليمنيين. ولكنها ظاهرة عمت العالم كله شرقه وغربه وجنوبه وشماله وهو ما ينذر بوقوع كارثه إنسانية عظيمة إن لم يتغمد الله عباده بواسع رحمته ويجتمع عقلاء المعمورة لتدارك ما يمكن تداركه وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ولأن حديثنا في هذه الوقفة عن أحوالنا نحن في يمن الإيمان والحكمة الذي أثنى عليه وعلى أهله سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والتسليم وأي ثناء عندما قال ( إني لأجد نفس الرحمن من جهة اليمن ) فأعظم بها من بشارة. إن لي وجهة نظر ترى إن أزمتنا ليست أزمة حكم ولا سلطة ولا اقتصاد ولا فكر ولكنها أزمة أخلاق في السياسة وأزمة أخلاق في الاقتصاد وأزمة أخلاق في الفكر والثقافة والأدب وغيرها من نواحي الحياة. ولكن لنتأمل وننظر إلى سيد البشر ومعلم البشرية حينما بعثه ربه على فترة من الرسل بشيراً ونذيراً وقد ساءت أحوال البلاد والعباد، كيف استطاع بحكمته وقيادته ومعية ربه له وتأييده أن يوصل البشرية التي كانت تغرق إلى بر الأمان ووضع لها منهجاً عظيماً لاتزل فيه الأقدام ما تُمُسِكَ به على الدوام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . فأول ما بدأ به خير الهدي هديه انه رفع شعار عظيم القدر عزيز الجناب فرفع بأعلى صوته بابي هو وأمي شعار (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وبهذا الشعار أصبح عليه أفضل الصلاة والتسليم مع صحابته الكرام سادة الدنيا والآخرة فخضعت لهم الرقاب وذللت لهم الصعاب ونشروا العدل والحق في الأفاق. واليوم تعالوا نصلح ما أفسده الزمان من حياتنا بعيداً عن الاتهامات والانفعالات وسوء الظن مستعينين بالله الواحد القهار لننعم بحياة طيبة يسودها الأمن والأمان والسكينة والاطمئنان والثقة المتبادلة بين الحاكم والمحكوم والراعي والرعية. وليكن أول ما نبدأ به إصلاح ذواتنا وأنفسنا التي بين جنبينا تلبية لدعوة مولانا الذي خاطبنا بقوله (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). فالممارس للسياسة سواء في السلطة أو في المعارضة عليه أن يعلم أنها وسيلة وليست غاية وسيلة من وسائل إصلاح البلاد والعباد وممارسها يجب أن يكون على قدر عظيم من الخلق ونكران الذات والمراقبة للكبير المتعال جل جلاله، والرحمة بالعباد، والحرص على مصالحهم، والسهر على راحتهم، ولذا كما أن الغاية عظيمة وشريفة كذلك يجب أن تكون الوسيلة، لا كما يقال الغاية تبرر الوسيلة. لذا يجب أن تكون بدايتنا وانطلاقتنا نحو إصلاح أحوالنا بإرساء مثل هذه المثل العظيمة جليلة القدر التي هي مراد الله فينا وفي وجودنا في هذه الحياة ، وان نصلح أحوالنا بجد ونشاط دون كلل أو ملل أو يأس أو قنوط مستعينين بالله أولا ثم بما منحنا الله إياه من إمكانيات مادية وبشرية. فننظر إلى أرضنا المترامية الأطراف المتعددة التضاريس التي أودعها الله ما أودعها من الخيرات والثروات الزراعية والسمكية والنفطية (بلدة طيبة ورب غفور)، وموروث حضاري تشهد له صفحات التاريخ، نستخرج هذه الكنوز العظيمة التي حبانا الله إياها ونزيل عنها التراب ليعود نفعها على كل إنسان يعيش في هذه الأرض سواء كان في سهلها أو جبلها في باديتها أو حضرها، قرب أو بعد. ثم نركز جهودنا على ما هو أهم من ذلك وهو اهتمامنا بالإنسان روحاً وعقلاً وجسماً وكيف نبني هذا الإنسان المتسلح بالعلم والإيمان المعتز بدينه وبنفسه وأخلاقه ومثله العليا الذي يهمه إسعاد نفسه وأسرته ومجتمعه مبتعدا عن الأنانية وحب الذات وعلى هذه الأسس نسير لنصلح كل جانب من جوانب حياتنا سواء السياسية منها أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الفكرية أو التربوية ... الخ. فإذا سعينا إلى ذلك فعندها سوف نقول إننا بدأنا بالخطوة الأولى ووضعنا حجر الأساس لمستقبل واعد ومزدهر ومتطور بإذن الله (ولأجر الآخرة أعظم).