يا بيروت يا ست الدنيا يا بيروت.. نعتذر إليك اليوم بكل الخجل نعتذر، لم تعد في العروق نقطة دم حرة ولا في الوجوه ذرة حياء لقد جنح قادتنا للصمت الرهيب، ومن نطق منهم أدان وشجب كالعادة وألقى باللوم على حزب الله آخر قطرات ماء وجه أمتنا. أما العامة فقد أنهك الحزن قلوبهم وأيديهم يشلها العجز لم تعد لديهم رغبة في الكلام حتى أو الشكوى أو العويل، الأمل الوحيد يبرق حينما نشاهد الصمود الشعبي اللبناني الذي يستحق كل إجلال وتقدير، رغم الأشلاء والمجازر، رغم التشرد وانعدام أبسط شروط السكن والأمان والعلاج. ليس ذلك بغريب على هذا الشعب الذي صارت جينة من جينات أبنائه التعايش مع الحرب والدمار كالتعايش تماماً مع الأمن والسلام، لكن إلى متى سيظل هذا الشعب رهين ذلك؟ إلى متى ستظل مآسينا نازفة في العراق وفلسطين والصومال؟ إلى متى سنظل مسرح دمى مشوهة ومسوخ تعبث بها إسرائيل وأمريكا وفق ما تحبه من السيناريوهات السمجة؟ لم يعد الشجب والإدانة والمطالبة بتطبيق الاتفاقيات الدولية المجحفة في حق العرب أصلاً ذا فائدة.. لم يعد من المفيد تشتيت الجهد والوقت في مناقشة أين وكيف ومتى ومن المسؤول عن ما نحن فيه. حل واحد ووحيد صار علينا اعتناقه بصدق وعدالة وحسم وهو المواجهة والوقوف المتكاتف مع أوجاعنا العربية التي تقف إلى جانبها القوانين والشرائع الدولية. هي ذي الدول تجلي رعاياها عن لبنان في تكاتف ضمني مع إسرائيل أو يقيناً منها بأن إسرائيل لا تعير بالاً لأحد ولا تهتم بأحد سوى مصالحها ورغباتها المسعورة، تستخدم الأسلحة المحرمة، تنتهك الأعراف والقوانين الدولية، تلفق الأخبار والأقاويل والادعاءات بلا خجل.. وهاهم أولئك اللبنانيون يفترشون الشوارع والحدائق والمدارس التي ليست بمنأى عن صواريخ إسرائيل ووقاحاتها في استخدام ورقة مكشوفة مفضوحة النوايا لاستفزاز وضرب سوريا وإيران والسيطرة الكلية على إقليم الشرق الأوسط بما فيه الوطن العربي. لا أحد يتمنى اشتعال الحرب، وأنا لا أقصد التحريض، لكني أو أن نقف جادين مع قضايانا التي تمس وجودنا كأمة تحترم نفسها وتدافع عن وجودها وتحمي حقوقها ولاتقبل بالغبن يقع عليها تلو الغبن وهي مسلمة قيادها للآخر ولاتستعمل حتى ماهو ممكن من قدراتها في الدفاع عن وجودها وسيادتها. لماذا يتقصد العدوان أجمل ما لدينا من الدول العربية أرضاً وشعباً وحكومة؟ لبنان القلب المفتوح على التعددية الدينية والحزبية، الدولة الأكثر مدنية وانفتاحاً على الفكر والعلم والمعرفة والحب والجمال والفن، لبنان الإنسان الأقوى والأكثر صموداً وصبراً وتجاوزاً لكل الأوجاع، لبنان فيروز وماجدة الرومي وشاربل خليل والرحبانية ومارسيل خليفة وصبوحة ونانسي عجرم، لبنان جبران خليل وإيليا أبو ماضي وحسين مروه ومهدي عامل وسعيد عقل، لبنان رفيق الحريري ووليد جمبلاط وإميل لحود والعماد ميشيل عون، لبنان حسن نصر الله، لبنان الدولة والوطن المتجاوزة للعرقية والطائفية والحزبية الضيقة، لبنان الطائر الحر الجميل عنقاء عصرنا وفينيقه الذي نستطيع أن نراهن على خروجه من مأزقه لوحده كالعادة ولكن علينا دعمه ومساندته قولاً وعملاً بكل ما أوتينا من آدمية تنبض بين جنباتنا.