على مدى يومين تدارس المعهد الديمقراطي الأمريكي في ورشة عمل إقليمية حول الحكم الرشيد كان محورها الشفافية والمساءلة، ثلاث تجارب عربية هي اليمنوالكويتوالبحرين واستطاع المثقف القدير الأستاذ سعد الدين بن طالب أن يدير الفعالية بحنكة معهودة من برلماني سابق تميز بمواقف وطنية مشهودة. كان لنوعية المدعوين دور مهم في إثراء ورشة العمل حيث تنوع الحضور ثقافة وانتماءات وتميزت المشاركة من الكويتوالبحرين بشخصيات استطاعت أن تكشف عن روعتها خلال يومي الورشة فمن الكويت قدمت أوراق عمل لعدد من أعضاء مجلس الأمة ولكن لم يحضر إلا الأستاذ عبد الوهاب الهارون رئي اللجنة المالية في مجلس الأمة الكويتي أما المشاركة البحرانية فقد تنوعت بحوالي ستة أعضاء كان أبرزهم البرلماني والمحامي المتميز الأستاذ على السماهيجي. "لا يمكن تحقيق إصلاح اقتصادي دون إصلاح سياسي" بهذه العبارة لخص البرلماني الكويتي عبد الوهاب الهارون القاعدة الصحيحة للوصول إلى الحكم الرشيد وهذا ما وافقه عليه الجميع كما وافقه الجميع أيضاً على جملة أربعة عشر عامل من عوامل الفساد والخلل في التجربة البرلمانية الكويتية هي معظمها عوامل الخلل في التجربة البرلمانية اليمنية والتجربة البحرينية وربما أغلب التجارب العربية الأخرى وهذه العوامل هي: 1- التدخل غير المشروع في الانتخابات (وهذا في الغالب من السلطة السياسية) 2- انتخابات الفرعية (وهذا تقليد موجود ولكن كل طرف يستخدمه بطريقة تتوافق مع طبيعة التركيبة الاجتماعية والسياسية) 3- القوانين غير الدستورية ومنها قانون الانتخابات 4- طبيعة النظام الانتخابي 5- الخلل الإداري والمحسوبية والواسطة 6- غياب مبدأ المحاسبة 7- غلبة الولاء العائلي 8- انتشار الرشوة 9- السياسة الاقتصادية 10- غياب الشفافية 11- انتشار القدوة الفاسدة 12- عدم تطبيق القانون 13- الجمع بين الوظيفة والعمل التجاري 14- غياب معايير الكفاءة في اختيار الكادر الإداري جدلية العلاقة بين الداخل والخارج بين الإصلاح من الداخل والإصلاح من الخارج كانت حاضرة في نقاشات الورشة جاء ورقه صخر الوجيه عن التجربة البرلمانية اليمنية أن مشكلة الديمقراطية في منطقتنا العربية أنها ليست نتيجة ضغوط شعبية ولكنها منحة ونتيجة لظروف دولية وإقليمية" ومع اتفاقي مع هذا التحليل إلا أنني اختلف معه في أن من أعطى هذه المنحة يمكن أن يتراجع عنها لأن لها استحقاقات يصعب العودة معها للخلف وتكون الأنظمة الراغبة في التراجع عن الاستحقاقات الديمقراطية كمن يريد أن يعيد تقييد الأيدي بالأغلال فيما تكون الأيدي قد كبرت على القيود والقيود ذاتها قد اهترئت بفعل الزمن. كما أن القول بأن الديمقراطية نتيجة ضغوط إقليمية ودولية يعزز دور الخارج في الإصلاح وكما قال الأستاذ عبد الوهاب الهارون أنه لو لم يأتي التغيير من الخارج فإننا سنظل نناقش نفس الأمر لثلاثين سنة دون أن نضجر من ذلك ويمكن أن نستشهد على صحة ما ذهب إليه الهارون بحصول المرأة الكويتية على حقها السياسي في المشاركة بفعل الظروف الخارجية كما أن هناك شواهد كثيرة على ذلك في اليمنوالبحرين ومصر وغيرها. وكالعادة كان المتميزون في البرلمان اليمني متميزون في مشاركتهم بدءً من صخر الوجيه الذي قدم ورقة عن تجربة البرلمان اليمني وشوقي القاضي ونبيل الباشا وعلي حسين عشال وغيرهم بالإضافة إلى من وجهت لهم دعوات من السياسيين والناشطين الحقوقيين أما عيدروس النقيب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي فقد شاء حظه المعاثر (وربما الحسن) أن يزور ضيوف الورشة مجلس النواب اليمني وهو يتصدى لحملة سخيفة من زملاءه من الحزب الحاكم كان من الواضح أن دعاوى تميز التجربة البرلمانية اليمنية قد تهاوت سريعاً أمام ما طرحه البرلمانيون من البحرينوالكويت وزاد من سرعة التهاوي حادثتان خلال يومي الورشة الأولى تمثلت في العملة المسعورة الموجهة من أعلى ضد النائب البرلماني الشجاع سلطان السامعي عضو الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي اليمني بسبب مقال في صحيفة الشورى طرح فيه مشروعاً للإصلاح من الداخل ووصلت الحملة حد التهديد بالقتل وتحريك الثأر لقضايا انتهت أما الحادثة الثانية فهي مقتل أحد أعضاء المجلس بسبب ما قيل أنه شجار مع الجيران. والغريب أن ذلك لم يمنع أحد الأشخاص من الإصرار على تميز التجربة البرلمانية اليمنية بما يصعب معه مقارنتها بالتجربة الخليجية بحرينية كانت أو كويتية وعلى العكس من ذلك حرص البرلمانيين البحرينيين على تأكيد حداثة تجربتهم ووجود نواقص فيها وأنهم يحرصون على الاستفادة من التجربة الكويتية العريقة بدءً بالتقاليد البرلمانية ومروراً بالقوانين التي كانت الكويت سباقة إليها وكانت واحدة من مميزات التجربة الكويتية أن ديوان المحاسبة ويوازيه في اليمن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة) يعد من أقوى المؤسسات في الوطن العربي ويتبع مجلس الأمة وتقارير كافية لإثارة الرعب لدى المسؤولين في الكويت أما لدينا في اليمن فإنه يمكن لمن يتهم بالفساد في الجهاز نفسه أن يتعين قاضي يتحكم بين الناس. تميز التجربة البرلمانية اليمنية نسف في اليوم الثاني للورشة عندما قدم الأستاذ عبد الوهاب الهارون عرضاً للتجربة البرلمانية الكويتية التي استطاعت أن تسقط حكومتين واستقالة العديد من الوزراء من بينهم وزراء من الأسرة الحاكمة بالإضافة إلى العديد من الاستجوابات والأسئلة أو لجان التحقيق وصولاً إلى تعرض مجلس الأمن الكويتي للحل كمؤشر على فاعلية المجلس وأعضاءه والذي كان واضحاً من تاريخ أول استجواب في العام 1964م وكان من الواضح أن التجربة البرلمانية الكويتية متميزة وتمثل الرئة التي يتنفس من خلالها الشعب الكويتي وهذا في اعتقادي يعود إلى العقد الاجتماعي الناظم للعلاقة بين الكويتيين حكام ومحكومين والذي وضعته النخبة الكويتية في خمسينات القرن الماضي بين آل الصباح والشعب الكويتي وعبر عنه الدستور الذي صدر في عهد المغفور له عبد الله السالم الصباح وكان الاتزان في قواعد العقد الاجتماعي سبب في الاستقرار السياسي لهذه الدولة التي تميزت بمواقف قومية متقدمة. أخيراً.. يمارس المعهد الديمقراطي الأمريكي NDT دوراً فاعلاً في التدريب والتأهيل وترسيخ قيم الديمقراطية وذلك منذ أكثر من عشر سنوات وهذا الدور جدير بأن تستفيد منه منظمات المجتمع المدني في اليمن دون أن نذكر قدرات بعض المنظمات المدنية المتميزة التي لا تنقصها الخبرة والكفاءة. فأهمية الدور الذي تقوم به منظمات المجتمع المدني ينبع من كونها الشريك الرئيسي في الإصلاح السياسي وفق شروط المنظمات الدولية المعنية بالإصلاحات. وهذا يعود على الاختلال السياسي وما تبعه من اختلال اقتصادي واجتماعي ولا يمكن النظر إلى الايجابية بمعزل عن التطرق للسلبية وهذا ما يمكن إسقاطه على التجربة البرلمانية اليمنية فالملاحظ أنه رغم سلبيات الأداء البرلماني وتوحش التدخل السلطوي في ظل غياب التوازن السياسي عقب حرب صيف 1994م إلا أن من الايجابيات أنه كلما زادت الأغلبية للحزب الحاكم زاد تميز البرلمانين المعارضين والمستقلين فحزب كالإصلاح أضيف إلى البارزين في كتلته في الدورة الانتخابية الأخيرة شخصيات ممتازة كالنائب شوقي القاضي وعبد الكريم شيبان استطاعا تغطية الفراغ الذي تركه المحامي محمد ناجي علاو وسالم بن طالب كما أضيف إلى البرلمان كتلة رائعة من الحزب الاشتراكي اليمني استطاعت أن تغطي دور المناضل الصلب يحي منصور أبو إصبع الذي نهبت دائرته في وضح النهار ووجد على عشال وصخر الوجيه بجانبهم أشخاص يؤدون دور الضمير الحي للمجلس كما كان يفعل سعد الدين بن طالب وغيره ممن فقدهم البرلمان وكسبتهم منظمات المجتمع المدني وبقي البرلمان ساحة للكشف عن قيادات جديدة تؤدي دور وطني غاية في الروعة في ظل ظرف غاية. خاتمة: عندما كتب الصحفي عبد السلام جابر عن الكويت التي زارها ضمن وفد صحفي وطلب أن نتقدم كيمنيين بالاعتذار للكويت عن موقفنا معها أثناء الاحتلال العراقي لها في العام 1990 ضجت بعض الصحف والكتبة (إيهام) واحتجت على هذا الطلب الذي لا يقدر (قيمتنا) نحن اليمنيين مقارنة بالكويت وأعتبر الرافضون للاعتذار أننا أهم من أن نعتذر للكويت وهي الدولة الصغيرة والتي ليس لها تاريخ عريق مثل تاريخنا إلى آخر المبررات الشوفينيه التي لا يتمسك بها إلا الفارغين من المضمون والمسكونين بأواهم العظمة التي لا تتعدى مخيلتهم لا أخفى عصبتي للكويت كنموذج لدولة عرفتها وعشت فيها سنوات طويلة ذلك لا يعني انتفاضي من أهمية ومكانة بلادي اليمن في داخلي كموقف عاطفي على الأقل. لكن ما يصيبني بالغثيان هو سماع لغة الغرور والتعالي التي يتمسك بها دعاة الوطنية والقطرية ضيفي الأفق. فالقياس لمدى ما حققته الدول ينطلق من المرحلة التي بلغتها في الإدارة وكفاءة إدارة الحوار داخلها والخطوات التي قطعتها في التنمية ولمسها شعبها من هذه التنمية وهذا ما أنجزته الكويت وعجزت غيرها.