الجميع مدعو للوقوف على ما حدث وما يحدث- اليوم- على الساحة المحلية، والكل مدعو أيضاً للتوقف قليلاً على إلقاء التهم والخطب العصماء وتحميل المسئولية كل طرف على الآخر. ليس أمام اليمنيين اليوم سوى الالتفاف حول مائدة الحوار، فبالحوار فقط يستطيع الجميع أن يقنعوا العالم بأن الوحدة والديمقراطية اليمنية على ما يرام وبأن الإرادة السياسية حريصة على تجنيب الوطن شر الويلات والصراعات والتمزق، الكل يكاد يتفق (سلطة معارضة) على أن اليمن تمر بظروف صعبة وقاسية تهدد وحدتها وأمنها واستقرارها، وبأن شريط الأزمات طويل على كافة الصعد، وليس هناك وقت للتذكير بالمخاطر التي تحيط باليمن، فالسفن الدولية والقوات الأجنبية على بعد عشرات الكيلومترات من سواحل اليمن بحجة حماية الأمن والسلام الدولي من خطر القراصنة الصوماليين، الذين ظهروا فجأة وبقوة تفوق ظهور القوات الدولية القادمة إلى المحيط الهندي وخليج عدن من كل حدب وصوب، وكل يدعي المشاركة في مكافحة القرصنة.. وتأتي الأحداث التي شهدتها بعض المحافظات الجنوبية، وظهور حركات انفصالية ومجاميع عسكرية شاهرة السلاح في وجه الدولة، لتأزم الأوضاع أكثر وتفاقم أزمات المشكلة الوطنية وتزيد من تعقيداتها، و لربما تعطي مفاتيح التدخل الإقليمي والدولي في مشكلة وطنية، وهو ما لا يتمناه أي مواطن أو سياسي أن يحدث.. الوضع اليوم يتطلب من اليمنيين مزيداً من التكاتف والتوحد ورص الصفوف وتقديم التنازلات الضرورية، لتتخطى اليمن أعقد محطاتها وأصعبها ولن يتم تجاوزها إلا بنتيجتين: إما السير صوب المستقبل بيمن موحد ديمقراطي عادل أو العودة إلى زمن الصراعات والمعاناة والتفرق لا قدر الله لذلك يجب أن تتوقف جميع أطراف الساحة السياسية عند أبعاد هذه المحطة بوطنية ومسئولية تامة، والاعتراف بأن الأخطار التي تهدد اليمن هي أكبر وأعمق من أي تهديد سابق، والمصالح العليا للوطن فوق كل مصلحة ذاتية وحزبية وسياسية وبما أن سقف هذه المصالح قد طغت على سقف المصالح العليا، وبما أن أصحاب هذه المصالح الخاصة لم يدركوا بعد الضرورة الوطنية لهذه المرحلة، وأن هناك اتفاقاً وإجماعاً للقضاء عليها مقابل المصلحة العليا للبلد، ستواجه القوى الوطنية تصلباً وتعنتاً من تلك القوى التي ترى في الإبقاء على مكاسبها ومصالحها الخاصة ومميزاتها، ولو على حساب انهيار وطن وتفتيت وحدته وتفريق شمله، فمراكز القوى وما فيا الفساد الوطني والقوى المتنفذة تقف اليوم مستندة إلى مصالحها وقوتها ثابتة وواثقة من قدرة تغلغلها في قنوات ودهاليز المصلحة العليا للوطن لمنع أي تقارب أو إيجاد حلول عادلة وموضوعية، وتدمير كل مبادرة تدعو لإجراء مصالحة وطنية، والمباشرة بإجراء إصلاحات سياسية شاملة، فهي تعني بأن ذلك لن يكون إلا على حساب مصالحها التي لن تفرط بها أبداً مهما كان الثمن، ولربما يقف الجميع ملياً عند هذه النقطة الحساسة وإعطاءها حقها في التفكير وإحباط ما قد تنوي أن تفعله تجاه أي مبادرة وطنية جادة لإخراج اليمن من أزماتها وإعادة المسار لروح الوطن والعافية إلى جسد الوحدة اليمنية وتوأمها الديمقراطية. إن الحوار الوطني الجاد هو المخرج الحقيقي للوطن، والانتصار على كافة المعوقات والمحاولات التي لن تكل على إفشال هذه الوقفة المسئولة، ولكن يتطلب ذلك أن يلج الساسة اليمنيون إلى غرفة الحوار الوطني، وهم مسلحون بالإرادة السياسية والحق بالمشاركة وطرح الرؤى والبرامج الجادة، دون إقصاء أو تهميش أو تميز لطرف على آخر.. حتى لا تتكرر الوقفات الحوارية الفاشلة، والوقت لن يرحم ولا يوجد الكثير منه حتى نهدره هذه المرة.