في ظل هذه المحنة الوطنية القائمة اليوم ينهض بعض رجال الدِّين بعوامل فتنة؛ وكأنه لا يكفي هذا الخراب وهذه الدماء لكي يعقلوا ونعقل جميعاً.. فهاهم يخوضون معركة من نوع أخر اسلحتها سنة.. شيعة.. رافضة.. ناصبة شافعية، شمالية جنوبية وغيرها من الأسلحة الفتاكة التي لا خبرة ولا تجربة لنا في إدارتها.. وسيقود شيوعها إلى خراب ما حق، إنها أسلحة قديمة تستحضر لافتعال معارك نحن في غنى عنها، ولم تكن في يوم من الأيام جزءاً من تاريخنا، ياقوم نحن وُجِدنا في هذا البلد لنتعايش ونكون إخواناً متحابين، فما بال البعض يريد أن يَفرِّق ويقطع ما أمر الله به أن يوصل، ومتى كان التدَّين والتمذهب مدعاة للتمييز والإقتتال والكراهية؟ نتعايش منذ كان أجدادنا وإلى اليوم يتعايش أولادنا، لايعرف أحدهم الشيعي من السني، ولا يميز بين الزيدية والشافعية، ولا يفرق بين الإسماعيلي والصوفي.. فإذا بالمتعصبين ودعاة الكراهية والاستئصال يستدعون من التاريخ والتراث ما هو أسوأ وما هو ميت، يقمعون الجمال ويميتون الحي.. إنهم يحاولون إعادة فرز هذا المجتمع فرزاً على أسس دينية أو مذهبية وجهوية.. ألا يدرك هؤلاء ما يصنعون.. ألا تيقظ أفعالهم وتوجيهاتهم المدمرة المثقفين الوطنيين من سباتهم؟ كان أولئك ولايزالون يوصفون بأنهم "أمة" أو جماعة مهمتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقبلنا منهم هذا الدور رغم أنهم يفتشون عن الصغائر ويتكسبون بقول السوء ويفتشون عن عيوب الناس المستورة ليحتفظوا بوظائفهم، ويتمنون أن تلحق اللعنة بعباد الله إلى الأبد بينما الله قال إن إبليس ملعون "إلى يوم الدين" فقط وبعد هذا ها هم يتجاوزون كل القواعد التي استقر عليها المجتمع إلى إثارة التعصب المذهبي والسلالي ومحاولة فرز أبناء المجتمع إلى طوائف، وكل ذلك يتم باسم الله وباسم السنة والجماعة وباسم التشيع وباسم الجهات الجغرافية بل أن بعضهم عاد يفتش في هذه البيئة الوخيمة عن عاد وثمود وقحطان وعدنان.. إن صمت المثقفين الوطنيين عن هذا التدمير هو العار والخذلان بعينيهما.