تختل كل القيم العربية وتسقط الأقنعة التي تغطي الوجوه الوحدوية والقومية وتكشر عن ذاتيتها المخبأة في أعماق الشخصية العربية لتنهش التنظيرات والشعارات القومية وتضرب ما تبقى من أوراقها فوق حائط الفرقة والتخلف والشتات، فما يجمع الأمة العربية من قواسم وحدوية مشتركة تحسدها عليها بقية أمم الأرض تتفتت عند هزيمة لكرة القدم، بالأمس عاشت الأمة العربية أحد فصول المهزلة المفجعة التي تتعايشها هذه الأمة دون أن تجد أي قراءة منطقية لأحداثها أو حتى معطيات لإفرازاتها. مشاهد المهزلة.. المناسبة مباراة فاصلة لكرة قدم بين منتخبين عربيين مصر والجزائر.. المكان دولة عربية وهي السودان.. الهدف تأهل فريق إلى نهائيات كأس العالم.. تتوالى بعدها المشاهد بسرعة متناهية فالدولة السودانية تنسى كافة جراحاتها ومعاناة مواطنيها وجريرة الحرب في شرقها وجريرة الانفصال في جنوبها ولهيب التخلف الحضاري الذي يحاصر الحياة للمجتمع السوداني وتتخذ الحكومة السودانية كل الاحتياطات العسكرية والأمنية والشرطية لاستقبال هذه المناسبة المستفحلة في الخطورة والمتوترة المشاهد والمداخل والمفجعة في مخارجها، فالعلاقة البينية العربية العربية مهددة بالانتحار جراء نتيجة مباراة لكرة القدم والجماهير العربية على موعد مع انفجار غل وحقد وكراهية عربية غير مرئية تحملها الجماهير المصرية والجزائرية معهما إلى السودان والتي يقع عليها التخفيف من محصلة ذلك والتقليل من سفك الدماء، تنقضي المباراة وتنتصر الجزائر بهدف يتيم كان كافياً لاشعال بركان الغضب والكراهية المحبوس وتتبادل الجماهير المصرية والجزائرية مشاهد المهزلة التي نجمت عن تراكمات حصدتها موقعة القاهرة قبل ذلك بأيام وخرج الجمهور الجزائري هائجاً مفتخراً بفرسانه الذين بحسب ثرثراتهم أعاد لهم طعم الانتصار وحقيقة الفحولة العربية وأكدت عوامل التميز والرجولة والقوة لتهجم كالبحر الهائج على كل ما يدل على أنه مصري بشر وحجر في كل مكان تتقيأ السم الذي تجرعوه في التحريض والتهيج والتشنج وتنسى عروبتها ووحدتها وقضيتها لتفاجأ بردة فعل أكثر قوة التشنج من قبل المصريين الذين سخروا كافة إمكاناتهم للنيل من كل جزائري وسوداني وعربي وقيم القومية والوحدة العربية، ويتجمع الجميع مرة أخرى أمام طبول الحرب التي قرعها أجدادهم قبل1500عام في حرب داحس والغبراء وارتهن الجميع للموروث القبلي البغيض ليثبت كل للآخر بأنه الأجدر والقبيلة الأقوى أخذوا يقرعونها دون أن يعيروا من وقتهم وجهدهم وعقولهم لحظات لمراجعة المواثيق المقدسة التي تجمع شعوبهم وأمتهم ووحدويتهم وعروبتهم وكرامة أمتهم التي مرغتها هزائم العدو الصهيوني ومرمطتها مظاهر الشقاق والكراهية وأمراض التعبئة الهمجية للقيادات والحكومات العربية لتظهرهم أمام العالم كأمة ضحكت من جهلها الأمم. فأي وحدة عربية يتحدث هؤلاء عنها إذا كانت نتيجة مباراة كشفت عن هشاشة التعاضد والتكاتف العربي وأعطت إجابة شافية لحقائق التخلف العربي ونقاط ضعف التوحد في الصف العربي التي تبدأ من عقولنا وثقافتنا الاستكبارية وتنتهي بالعدو الذي صنع منها سرقوته وأقوى عناده في نهب وتغييب الحقوق العربية وجبروته في هدر الكرامة العربية واسترخاص دماء العرب ومقدساتهم؟!