لم يكن غياب البرلمانيين وهم جزء من المستهدفين الأساسيين في ندوة "رفع إدراك البرلمان فيما يتعلق بالتزاماته نحو حماية حقوق الإنسان والحريات طبقاً للمواثيق الدولية" التي عقدتها منظمة التغيير الخميس الفائت بصنعاء، سوى جزء يسير من التأكيد على أن إشكالية المنظومة التشريعية في البلاد يدخل فيها البرلمانيون أنفسهم. النائب فؤاد دحابة الذي حضر الندوة إلى جانب أحمد سيف حاشد رئيس المنظمة وعلى العنسي الذي وصل متأخراً، وعيدروس النقيب وجه في مداخلة له انتقاداً شبه لاذعاً، للطريقة القانونية التي يصل فيها زملاؤه البرلمانيون إلى مقاعدهم تحت قبة البرلمان. واعتبر البرلماني الشاب دحابة أن الدستور بكل ما فيه من تشريعات يعد أكبر المظلومين كونه يخرج من بوابة البرلمان وقد تعرض للانتهاك. ولم ينكر دحابة عجز البرلمان بتشكيلته الحالية عن حماية الحريات والحقوق ولاسيما الحريات الصحفية مثلاً، مبيناً بنبرة نقدية أنه يشترط لعضوية مجلس النواب القراءة والكتابة. وأشار إلى أن أمانة المجلس ترفض أية بادرة لتطوير البرلمانين والإنفاق من المال المخصص للمجلس على تدريبهم. ودعا دحابة إلى عقد مؤتمر يحضره علماء الدين والسياسة والإعلام والشريعة ليتفقوا حول شكل كافي يقلص صلاحية السلطة في الاعتماد على هذا العمد الشرعي من أجل تصفية حساباتها مع خصومها, معتبراً أن الإشكالية الحالية هي أن قوانين الوحدة جاءت مسلوقة وفيها نوع من الخلط والاستعجال. رئيس منظمة التغيير للدفاع عن الحقوق والحريات البرلماني أحمد سيف حاشد نوه في كلمته الافتتاحية إلى أن الندوة تهدف إلى إبراز تلك التعديلات الملحة التي يتعين على البرلمان في المستقبل إدراكها ويتبناها ضمن أجندته الرقابية لإصلاح حال الدستور والقانون لتوافق مع التزامات اليمن وتوقيعها على المعاهدات الدولية. في السياق، كشفت دراسة (حرية الرأي والتعبير والمعتقدات ودور البرلمان في حماية الحريات) التي نوقشت في الندوة، أن هناك عدة عيوب في قانون الصحافة, إلى جانب وجود تضارب في المادة السادسة من الدستور مع المادة الثالثة, وكذا التميز الجائر بحق الأقليات الدينية. وتناولت الدراسة التي أعدها أستاذ القانون الدولي العام والمنظمات الدولية وحقوق الإنسان المساعد بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء الدكتور محمد عبدالله نعمان، 3 قضايا أساسية في حرية الرأي والتعبير, حيث أشار الباحث في هذا الخصوص إلى أن مواد الدستور اليمني أساساً تتصادم مع بعضها كما هو الحال في المادة (6) التي تنص على التزام اليمن بكافة المعاهدات والاتفاقيات الدولية والمادة (3) التي تؤكد بأن الشريعة الإسلامية مصدر لكل التشريعات القائمة في البلد, مشيراً إلى أن أبرز عيوب قانون الصحافة هو تكريس القانون لمحاكمة الصحف الورقية فقط بكونه لم يتطرق للوسائل المرئية والمسموعة "الهدف هو تقيد الصحف الورقية لأنها غير مملوكة للدولة". وأشارت الدراسة, المتناولة في 11 باباً, إلى أن قانون الصحافة يتناقض مع الإعلانيين العالمين لعامي 1948 ,1966م, ناهيك عن كون المواد في القانون من 104-110تعاقب كافة العاملين في الصحيفة ومؤسسات الطباعة ومكاتب الترجمة مع استثنائها للقراء فقط, وعليها فإن الباحث أعتبر إفراد الباب السادس 11 مادة لمعاقبة الصحفيين في قانون الجرائم والعقوبات رقم (12) غير المواد الأخرى التي تلتقي في مجملها مع الأحكام الجزائية, التي تحكم بعقوبتين في نفس الوقت' جميعها عدها الباحث خروج عن أحكام الدستور, منوهاً إلى أن النظرة العقابية في القانون هو تجريم الآراء والأفكار. وأوضح الباحث أن هناك ممارسات حالية تتم خارج نطاق القانون وتتم بناء على أوامر إدارية أو توجيهات أمنية عليا من اعتقال للصحفيين ومصادرة للصحف وكذا إخفاء قسري, تعد بالأساس مخالفة للمادتين (48,47) من القانون. وفي تناوله لقضية حرية الدين والمعتقد, أشار أستاذ القانون إلى أن المعايير الدولية لا تقضي بفصل الدين عن الدولة, لكنها تطالب بعدم انتهاك حقوق الأقليات, وهي ما قال الباحث بأنها أغفلت في الدستور اليمني بمواده الجديدة, التي تعمد إلغاء نص دستوري قديم بأن جميع المواطنين جميعاً متساوين أمام القانون, واستبدالها بأنهم متساوون في الحقوق والواجبات. وهو ما اعتبره الباحث تراجعاً خطيراً ويتناقض مع المادة السادسة من الدستور اليمني. ولم ينس الباحث الإشارة إلى تعنت الدستور منع وصول شخص من الأقليات الدينية إلى مراكز عليا في البلد باشتراطه العقيدة الإسلامية في رئيس الدولة, بينما لم يمانع الباحث وصول شخص من أقليات في البلد طالما ملتزم أخلاقياً, إجحاف بالتزامات اليمن في تعهداتها الدولية فيما يتعلق بعدم تهميش الأقليات. وعن علاقة حرية التعبير بحرية المعتقد فقد أكد الباحث بأن حرية التعبير تمنح الشخص أن يجاهر بدينه. وحمل الباحث في تناوله لقضية البرلمان, مجلس النواب مسئولية حماية الحقوق والحريات, بكونه الجهة المخولة بالتشريع والمراقبة لأداء السلطة التنفيذية. وفي تقييمهم للدراسة التي نوقشت في الندوة، أكد عدد من المهتمين وجود إرث استبدادي بحق الحريات في الثقافة العربية الإسلامية. وفيما ذهب أكاديميون إلى أنه لا ضير في أن تكون الشريعة الإسلامية مصدراً لكافة التشريعات القائمة في البلد طالما تعرض المحكومون لانتزاع حقوقهم, أكد حقوقيون على ضرورة فتح باب التشريع على كل النوافذ بما فيها الاجتهادات الفقهية. وأشار الناشط الحقوقي باسم الحاج في ورقة تعقيبية على الدراسة، إلى أن الشريعة الإسلامية لا تتواءم مع المواثيق الدولية, لكون الثقافة العربية والإسلامية لا تحمل في مجملها تأكيد لحق التعبير, بقدر ما تحمله من إرث استبدادي لهذا الحق, ملفتاً إلى أن الدراسة لم تتطرق لتحليل البيئة السياسية والبنية الاجتماعية التي ولدت هذه الحالة من الانتهاكات لحرية الرأي وأنتجت جملة من الآليات والتشريعات المعيقة لهذا الحق. من جهته أشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء محمد الظاهري إلى وجود سطو من قبل النخبة الحاكمة على البعد التغيري في الإسلام, بحيث طغت على المقدس فيه وجعلت منه ديناً طقوسياً يأتي في المآتم السياسية. وقال الظاهري بأن لا ضير في أن تكون الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع الحالي في اليمن طالما يتعرض المحكومون لانتزاع حقوقهم.