بدأت صباح اليوم بقاعة العلامة عبدالقادر بن أحمد السقاف بمدينة سيئون محافظة حضرموت فعاليات المؤتمر الدولي للوسطية الشرعية والاعتدال الواعي الذي ينظمه دار المصطفى للدراسات الإسلامية ومؤسسة طابا للأبحاث والدراسات الإسلامية ومركز الإبداع الثقافي للدراسات وخدمة التراث. وبدأت فعاليات حفل الافتتاح بآيات من الذكر الحكيم تلاها الطالب عبدالله بن ابي بكر العيدروس ، ثم ألقى الحبيب العلامة ابوبكر العدني بن علي المشهور كلمة اللجنة التحضيرية حيث حيى حضور الحفل الكريم وتطرق إلى سرد بعضا من مزايا تريم التي أعطتها كل هذا التوهج لتتوج كعاصمة للثقافة الاسلاميه متطرقا في حديثه إلى ان العالم يبحث عن الاستقرار والسلام والرحمة والمحبة سوى ان كان السلام في المعاني الاسلاميه أو المعاني الانسانيه فغايات السلام واحده وان اختلفت الوسائل أو النماذج أو الأمم لكن الرسالة التي نحن بصددها تذكير كافة الجهات إلى أمرين أساسين عليهما يبنى إعادة مفهوم الوسطية الشرعية والاعتدال الواعي بلا خلاف . أولهما معرفة حقائق دعوة التوحيد ومفهوم الأحاديث منها والثاني رسالة السلام بالأمر والمحبة هاتان الدعوتان منذ عصر ادم ويمثل هذا المنهج في مدلول السلام الوسطية الشرعية والاعتدال الواعي المشروع احد أبناء ادم وهو هابيل ويمثل الوسطية المطلقة والاعتدال الذاتي الموقف الثاني من موقف قابيل الذي اتخذ من العنف والإرهاب والقتل منهجا لهذا العالم فنحن أمام منهجين بدا بعصر ادم إلى عصرنا هذا إلى ان يقضي الله امرا كان مفعولا، هاتان الدعوتان دعوة التوحيد والاتحاد هي أصلا من أصول بناء الشعوب على مراد الله ومن خلالها يبرز حقيقة مدلول المحبة في هذا العالم الإنساني ، الوسطية الشرعية والاعتدال الواعي هي مسائله فرعيه في هذا المدلول الواعي لمدلول التوحيد للحق سبحانه وتعالى والاتحاد على قواسم مشتركه بين الأمم والشعوب . وأشار الحبيب العلامة المشهور إلى ما تعرضت له العوالم لان الوسطية الشرعية والاعتدال الواعي يقوم على ركنين أساسين الركن الأول هو الدراسة الواعية في هذا العصر لكتاب الله تعالى باعتباره الحجة على العالم وليس الحجة للمسلمين وحدهم وكتاب الله هو الوثيقة الاساسيه لمدلول الوسطية الشرعية والاعتدال الواعي والمعادل الثاني هي السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة و السلام ،مضيفا إلى ان ما وصل العالم إلى ما هو عليه سوى كان اليوم أو بالأمس إلا لاختلال شروط معالجة الأمور بمفهوم الوسطية الشرعية والاعتدال الواعي. وقال: في هذا العالم قوتين قوة نورانيه وهي مبدأ الخير ويمثلها الأنبياء والرسل ووراثهم من العلماء العاملين ومن تبعهم بإحسان ، وقوة ناريه وهي مبدأ الشر ويمثلها الشيطان ووكلائه النفعيون والماديون الغارقون في الأرض بالدماء والفتن والتحريش وبين القوة النورانية والقوه النارية وسطيه مطلقه واعتدال مسيس يتأرجح بين الميل إلى الخير حينا والى الشر حينا آخر حسب رجحان كفة المودوعات في تلك ألاوعيه التي تحمله سوى كان في عالم الديانة أو كان في عالم الحياة المادية ، مهمتنا في الحياة ان نعمل مأمورين بأمر الله على ترجيح كفة الخير ونشر وسائل الخير في الأرض وربما لا نستطيع ان نجتث العمل الشيطاني الناري ولكن نحن دعاء إلى إقامة التبادل في هذا العالم فإن للخير مساحه وللشر مساحه . وان الأمر الذي يقتضي بمفهوم الوسطية الشرعية والاعتدال الواعي ان نرفع مستوى الخير حتى يترجح على الشر مختتما كلمته أملا بأن يخرج المؤتمر للعالم بورقة تحمل مضمونا واعيا لمعالجة شؤون الوسطية الشرعية والاعتدال الواعي وثباتها بالامه . من جهته ألقى الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ عميد دار المصطفى للدراسات الاسلاميه بتريم كلمه عبر من خلالها عن فضل الله علينا في إقامة مثل هكذا لقاءات مشيرا إلى دور مدرسة حضرموت في قوة التأثير على مستوى القرون في شرق الأرض غربها بقوة الوعي والفهم والاتصال بإرشادات الإله الخالق فيما يتعامل به مع أصناف الناس ، مؤكدا ان هذا مكمن القوه في عظمة هذه المدرسة مبيننا بعضا صفات المدرسة الواعية والوسطية وما يتعلق بحمل المسئولية متطرقا إلى دور علماء تريم في نشر الإسلام بالكلمة والمعاملة الحسنه حينما عاشروا أصناف من الشعوب والحكام . وألقى العلامة الأستاذ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي كلمة الوفود المشاركة توجه من خلالها إلى شكر القائمين على هذا المؤتمر متمنيا ان يكون المؤتمر مقربا للامه موضحا ان المشكلة التي يعاني منها العالم الإسلامي اليوم هي مشكلة التفرق على كافة المستويات قائلا لست معنيا عن الحديث عن الأسباب والمسببات أو الحديث عن العوامل الاجتماعية أو الفكرية التي نتجت مذاهب متصارعة ساهمت على هذا التفرق والشقاق ، وأضاف بل سأتحدث عن السبب هو اخطر من هذه الأسباب كلها وأعجب ان نتصور ان يكون الإسلام ذاته هو سبب التفرق الذي نعاني منه ولا يتأتى فعلا ان يكون الإسلام هو السبب لكن ألان الأمر منا إلى ان نتصور ان الإسلام غدا سببا من أسباب التفرق الذي سيطر على عالمنا العربي والإسلامي في هذه العصور . مضيفا ان من العجب ان يكون الإسلام الذي وحد الجهود بالأمس ووحد القوى المتقاتلة ووحدها في سراط واحد ان من العجب ان يكون الإسلام الذي فعل تلك المعجزة هو الذي يفعل اليوم نقيض ذلك هل يمكن ان يقوم الإسلام بعملين متناقضين بين عصر وأخر .. لا يتأتى ذلك ، مضيفا إلى ان المفتاح الوحيد هو الدين الذي شرفنا الله به مستطردا بأن كل ما أصاب ألامه اليوم هو بسب ابتعادها عن كتاب ربها وسنة نبيها . وفي حفل افتتاح المؤتمر الذي يعقد خلال الفترة من 21- 22 ديسمبر الجاري في اطار فعاليات تريم عاصمة الثقافة الإسلامية القي المستشار السياسي لرئيس الجمهورية الدكتور عبدالكريم الإرياني كلمة نقل في مستهلها تحيات فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية للعلماء والدعاة والمفكرين المشاركين في المؤتمر، وتمنياته بان تسهم مخرجات المؤتمر بوضع رؤية للوسطية والشرعية في الإسلام بعيداً عن التطرف لاسيما ان الدين الاسلامي الحنيف هو دين المحبة والوئام والتعايش والسلام . وقال " ما أجمل وما أروع أن ينعقد مؤتمركم هذا في محافظة حضرموت التي تنتشر فيها مراكز العلم والتعليم والاربطة التاريخية والعريقة منذ فجر الإسلام ، والأروع من ذلك كله أن ينعقد في رحاب الاحتفال بتريم عاصمة الثقافة الإسلامية وتاج المدن الحضرمية التي انطلق منها ومن مدارسها الدعاة حاملين راية الإسلام والسلام إلى أصقاع قارة آسيا شرقاً فكان فقهاؤها ودعاتها رواد الدعوة الإسلامية منذ بدايات القرن الخامس عشر الميلادي في الملايو التي تمثل ماليزيا اليوم وسنغافورة واندونيسيا التي هي أكبر دولة إسلامية والفضل كل الفضل في ذلك يعود إلى أبناء حضرموت وفي مقدمتهم أبناء مدينة تريم. وتطرق الدكتور الإرياني إلى دور ابناء مدينة تريم في نشر قيم الإسلام وفضل علمائها في التأليف والتفسير والتاريخ وعلوم الفلك مما أهلها لأن تكون عاصمة للثقافة الإسلامية .. مشيرا إلى أن دور محافظة حضرموت في تغيير حياة الملايين عبر التاريخ على الرغم من محدودية سكانها وقلّة مواردها قد شكل ظاهرة فريدة في التاريخ البشري .. منوها إلى أن أبناء هذه المحافظة لم يحشدوا الأساطيل ولم ينصبوا المدافع كما لم يرفعوا السياط والسيوف لكي يحققوا معجزة انتشار الإسلام من حيدر أباد في الهند إلى بلاد الفلبين .. وقال المستشار السياسي لرئيس الجمهورية " كثير من الناس لا يعرفوا أن الديانة الإسلامية عندما انتشرت في أسبانياوالفلبين خلال القرن التاسع عشر كانت هي الديانة الأولى وعاصمتها مانيلا واسمها الحقيقي ( أمان الله ) ولكن الإسلام الذي انتشر على أيدي أبناء حضرموت بالقدوة الحسنة والعمل الصالح والسلوك القويم قُضي عليه أو كاد بالمدافع والسيوف الإسبانية وحتى اليوم فأن أبناء حضرموت الذين مازالوا يعيشون في ما تبقى من المجتمع الإسلامي بجنوبالفلبين يُسمّون ( المخدومين ) أي ان أبناء المجتمع يرعونهم ويخدمونهم طواعية لأنهم هدوهم إلى الإسلام بالقدوة والموعظة الحسنة". واكد بأن الإسلام قد عرف بين الملايين في شرق وجنوب آسيا بالوسطية والاعتدال، كونهما يعنيان أولاً وقبل كل شيْ القبول بالآخر والتعامل معه بالحسنى بعيداً عن الإكراه والقسرية .. مشيرا الى أن دعاة اليمن من ابناء حضرموت ذهبوا قبل ما يزيد عن 500 سنة إلى مجتمعات كانت أغلبيتها الساحقة تدين بالوثنية وتؤمن بالخرافات لكن ابناء هذه المجتمعات تحولوا الى الاسلام دون قسر أو إكراه بفضل ما مثله أولئك الدعاة من طهر وسلوك قويم وصدق في المعاملة واحترام للآخرين. كما اكد الدكتور الإرياني الى اننا اليوم في أمس الحاجة لأن نذكر أنفسنا ونعرّف الآخر بأن جوهر الإسلام هو الاعتدال والوسطية وأن نردد دائما ما قاله رسولنا الكريم عليه الصلوات والتسليم ( من قال أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا رسول الله فقد عصم مني ماله ودمه ).. وقال " ما بالنا اليوم نشجب وندين بل وحتى نكفر من شذّ خاصة وان هذا الابتعاد لايخرج عن جزيئات القاعدة الأساسية التي وضعها رسول الانسانية عليه افضل الصلوات وازكى التسليم ، وأين نحن اليوم من ذلك الخلق العظيم حتى أصبحنا نتشاجر أحيانا ونتقاتل أحياناً أخرى على اختلاف في الهيئة عند الصلوات أو القول " آمين " سراً أو جهراً أو الجهر بالبسملة ، أو قول " حي على خير العمل " . واضاف " أليس الأجدر بنا وكلنا مسلمون مؤمنون نقول " لا إله إلا الله محمد رسول الله " أن نقتدي بنبينا المصطفى القائل " لا تفضلوا بين أنبياء الله " وأكد الدكتور الارياني أن هذا المؤتمر وبهذا الحضور الذي يضم نخبة من العلماء والمفكرين والدعاة من اليمن وخارجه، لهو أكبر دليل على أن اليمن الواحد الموحد كان وسيظل منارة علم ووسطية واعتدال وتسامح مع الآخر . كما ألقى وزير الثقافة الدكتور محمد أبوبكر المفلحي كلمة اللجنة الفنية لتريم عاصمة الثقافة الإسلامية، أكد فيها أن قيم الوسطية والتسامح والروحانية تجد في مدينة تريم أرضاً مهاداً وموقعاً لسمو النفس ومعراج الروح إلى الجوهر الأصيل للدين الإسلامي ، دين المحبة والتسامح والوسطية . وقال "مدرسة حضرموت بكل ما تمثله من تواضع وحب للآخرين وانفتاح على التراث الإنساني، تعد مثال مضيء على قيم الإسلام وأخلاقه العظيمة التي تعلو فوق التعصب والانغلاق والتطرف وكراهية الآخر وهي صفات كان لأعداء الإسلام الدور الكبير في إلحاقها بالإسلام حتى تُبعِد العالم عن صفاء وبهاء هذا الدين العظيم الذي أمرنا بالدعوة لمبادئه السمحاء بالحكمة والموعظة الحسنة وكان في صميم دعوته رحمة للعالمين، وهذه الرحمة معيار السلوك الإسلامي وميزان أفعال المسلمين وأقوالهم وهي تنمي قيم التسامح والاعتدال والوسطية وترفع أخلاق التواصل والتعارف بين الأمم والشعوب وتدعو إلى التقارب والتعاون والسلام". واشار وزير الثقافة الى الدور البارز الذي لعبته مدرسة حضرموت الإسلامية المتسامحة خلال مراحل الهجرات الشهيرة إلى الهند واندونيسيا وبلاد جنوب شرق آسيا التي لها الدور المهم في التواصل بين الشعوب حيث بلغت تلك الهجرات ذروتها في بدايات القرن التاسع عشر وهناك تأسس مجتمع مهاجر استطاع أن يحدث أثراً كبيراً في تكوينات تلك المجتمعات .. لافتا إلى أن المهاجرين الحضارمة قد تمكنوا بإخلاصهم وحبهم للآخرين وتسامحهم من الاندماج في تلك المجتمعات مما ساعدهم على اكتساب حب أهل تلك البلاد واحترامهم وضربوا أحسن الأمثلة في التسامح والإخاء.. وقال الدكتور المفلحي مخاطباً العلماء والدعاة والمفكرين الإسلاميين المشاركين في المؤتمر " نحن نعرف أن لديكم مايفيض من الأفكار والآراء التي تكشف عن ما في الإسلام من قيم وأخلاق رفيعة تدعو إلى الوسطية والاعتدال وترفض الغلو والتطرف وتبين كذلك احترام الإسلام للآخر وحقه في عقيدته . واشاد بكل من أسهم في التنظيم والإعداد لهذا المؤتمر الدولي الهام الذي يأتي انعقاده ضمن فعاليات تريم عاصمة للثقافة الإسلامية 2010م التي تعبّر بحق في مضمونها ومعناها ، عن صفات هذه المدينة وأخلاق أهلها خلال مراحل التاريخ المختلفة. من جانبه أكد محافظ محافظة حضرموت سالم أحمد الخنبشي الحاجة إلى ترسيخ وتعزيز قيم الوسطية والاعتدال في الوعي والسلوك والقيم الأخلاقية .. لافتاً إلى دور العلماء البارز باعتبارهم ورثة الأنبياء في ظل تعاظم الهجمة الشرسة التي تسيء للإسلام والمسلمين وتصورهم على أنهم قتلة وإرهابيين نتيجة لبعض السلوكيات الخاطئة لعدد من أبناء الإسلام وقيامهم بأعمال تتنافى مع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وشريعتنا السمحاء ، ومنها قتل النفس التي حرّم الله قتلها إلاّ بالحق ومايعنيه ذلك من تهديد للسلم الاجتماعي في أوطانهم بشكل خاص وفي البلدان الأخرى بشكل عام مما ترتب على ذلك جلب الضرر الكبير على بلدانهم وعلى الإسلام والمسلمين. واشار إلى أن المؤتمر الذي جعل من مدرسة حضرموت أنموذجاً حيّا للاعتدال والوسطية يعتبر عرفانا لهذه المدرسة ولعلمائها ومشايخها وللأدوار التي لعبوها في مختلف مراحل تطور الفكر الإسلامي بكل جوانبه منذ اللحظات الأولى التي وفد فيها وفود حضرموت لإعلان إسلامهم على يد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم مرورا بحمل راية الإسلام إلى العالم أجمع .. داعيا العلماء إلى تنوير وتبصير المواطنين بكل ما يفيدهم في دينهم ودنياهم. وتخللت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر قصيدة شعرية بالمناسبة للشاعر الدكتور عمر علوي بن شهاب وعرض فيلم وثائقي عن مدينة تريم وأدوارها الإسلامية المختلفة . هذا وكان المستشار السياسي لفخامة رئيس الجمهورية الدكتور عبدالكريم الإرياني يرافقه وزير الثقافة ومحافظ المحافظ ووكلائها قد افتتحوا اليوم المعرض الثقافي المقام على هامش المؤتمر. واطلعوا على محتوياته من الصور التي تحكي نماذج في فنون العمارة الإسلامية بمدينة تريم وخرائط لهجرة الحضارمة اليمنيين من موطنهم الأصلي إلى مختلف بقاع العالم ودورهم العظيم في نشر الدين الإسلامي الحنيف فضلا عن صور أخرى للمكتبات الثقافية القديمة في تريم والكتب والمؤلفات المختلفة لمجموعة من العلماء والمؤلفين في حضرموت بالإضافة إلى نماذج من صحف مخطوطة كانت تصدر في حضرموت في خمسينيات القرن الفائت. وعبر الدكتور الإرياني عن سعادته بما شاهده في هذا المعرض وما احتواه من وثائق ومعلومات عن حضرموت وتأريخها الساطع في نشر الدين الحنيف