للصوم الكثير من الحكم الأسرار، وله فوائد عديدة في علاج الكثير من الأمراض والوقاية من أمراض أخرى ، فضلا عن فوائده الروحية لتقوية الروح حتى ترتفع عن حياة البهيمية وتحرير الإنسان من سلطان الغريزة ، بحيث ينطلق سجن جسده ويتغلب على نزعات شهوته ويتحكم في مظاهر حيوانيته ويتشبه لملائكة. تلك الموضوعات وموضوعات أخرى تتعلق بواجبات الصائم وآداب الصيام وتأثيراته الإيجابية على صحة الإنسان كانت مرتكز حوارنا مع الدكتور عبده عبدالله الحميدي الأستاذ المساعد لمادة التفسير بقسمي الدراسات الإسلامية لعلوم القرآن بكلية الآداب جامعة إب الذي يؤكد إن هناك خمسا من الحكم في الصوم تتصل بوقاية الإنسان من الأمراض الجسمانية وأخرى بوقايته من الآثام وحكمة ثالثة لحماية الروح من الانتكاس في الحياة البهيمية ، ثم اتقاء الحدود ، وخامسة لاتقاء النار يوم القيامة والفوز بالجنة . وإلى نص الحوار : - ماهي الحكمة من الصوم ؟ - الله سبحانه وتعالى لم يشرع حكما ولا عبادة إلا قرنها بالحكمة والأسرار وقد قال تعالى [ يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ] فقد أجمل الله تعالى لنا حكم الصوم وأسرار تشريعه بأوجز عبارة وأبلغ بيان .. فمن بلاغة القرآن حذف المعمول ليدل على التعميم وحذف المعمول للتعميم وهي دالة في قوله تعالى [ تتقون] لم يذكر لنا ما هو الذي نتقيه بالصيام لكي يناول أمورا كثيرة مما يخافه العبد على نفسه وروحه في دنياه وآخرته. وسأورد هنا بعض حكم الصوم نورد منها: أولا/ الصوم فيه وقاية من بعض الأمراض الجسمانية : أذكر منها نقلا عن أهل الاختصاص : 1- الوقاية من الزوائد والترسبات للجسم والخلايا المريضة , ففي حال الصوم يبدأ الجسم باستهلاك المواد الغذائية المخزونة فيه فإذا نفذت يبدأ باستهلاك أو إحراق أنسجته الداخلية وأول الأعضاء التي يتغذى عليها الجسم هي الأعضاء التي تكون مريضة وبديهي أن أول الخلايا التي تستهلك هي تلك الخلايا المريضة أو الهرمة وبهذا يكون الصوم كمشرط عمليات داخل جسم الإنسان للقضاء على كثير من الزيادات مثل الحصوة والرواسب الكلسية والزوائد اللحمية وأنواع البروز والأكياس الدهنية وأيضا الأورام الخبيثة ، فقد لوحض بالأشعة أن جميع هذه الزوائد يصغر حجمها أثناء فترة الصوم . كما أن الصوم يحمي الإنسان من مرض السكر وذلك لأن كمية السكر في الدم تقل عند الصوم إلى أدنى المعدلات وهذا يعطي غدة البنكرياس التي تفرز الأنسولين فرصة للراحة فمن المعروف أن غدة البنكرياس تفرز الأنسولين وهذه المادة بدورها تؤثر على السكر بالدم فتحوله إلى مواد نشوية ودهنية تترسب وتخزن في الأنسجة ولكن إذا زاد الطعام عن قدرة البنكرياس في إفراز الأنسولين فإن هذه الغدة تصاب بالإرهاق والإعياء ثم أخيرا تعجز عن القيام بوظيفتها فيتراكم السكر في الدم وتزيد معدلاته بالتدريج سنة وراء سنة حتى يظهر مرض السكر, وخير حماية للبنكرياس من هذا الإرهاق هو الصوم الشرعي . كما أن في الصوم وقاية من مرض النقرس وهو المسمى (مرض الأغنياء) وينتج هذا المرض عن زيادة التغذية والإكثار من اللحوم وفيه تزيد كمية أملاح البول في الدم ثم تترسب في العضلات فتسبب آلاما تشبه الروماتزم أو تترسب في الكلى فتسبب الحصوة أو تترسب في المفاصل الصغيرة فتسبب تورمها والحمية من الطعام علاج رئيسي لهذه الأمراض . والصوم وقاية من الأمراض الجلدية فهو يؤدي إلى تقليل نسبة الماء في الدم فتقل نسبته تبعا لذلك في الجلد وهذا الجفاف النسبي في الجلد ينتج زيادة مناعته ومقاومته للمكروبات ، ويقلل من حدة الأمراض الجلدية الالتهابية الحادة بمساحات كبيرة في الجسم ، كما أنه يخفف أمراض الحساسية وأمراض البشرة الدهنية ،اضافة ان إراحة الأمعاء من الطعام يقل إفرازها للسموم والتخمر الذي يسبب الدمامل في الجلد . والصيام أيضا خير وسيلة وعلاج لإنقاص الوزن و إزالة السمنة والكرشه فهو خير فرصة لعمل ( الريجيم) بشرط الاعتدال في الإفطار والسحور وألا يتخم الإنسان معدته بالطعام بعد الصوم وهو يتميز عن ( الريجيم ) بأنه أيضا عبادة وإغضاب للشيطان الرجيم . وفي الصوم إراحة للأمعاء والمصران الغليظ أيضا من الطعام المتراكم وبذلك يتخلص الصائم من الغازات والروائح الكريهة التي تنتج عن التخمة وسوء الهضم والتخمر في الأمعاء بسبب عدم قدرتها على امتصاص الطعام أو التخلص منه وقد كان الناس فيما مضى يعالجون الإسهال بالصوم وحده وقد وجدت مصحات عالمية تقوم على العلاج بالصوم كما ذكر هذا الأستاذ عبد الرزاق نوفل والدكتور أحمد شوقي الفنجرى في أبحاثهما عن الإعجاز العلمي بالقرآن الكريم ، وهذا غيض من فيض ربما يكشفه العلم الحديث مستقبلا. وقد لخص الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم كل هذه الفوائد والوقاية من الامراض بقوله ((صوموا تصحوا )) . = الصوم وقاية من الآثام: كيف يساعد الصوم الانسان على تجنب الآثام والخطايا؟ إن المسلم عندما يصوم إنما يرجو بصيامه أن يكون له وقاية من النار ويعلم أن الصوم لا يكون وقاية من النار إلا إذا حافظ عليه من التخريق، وخرق هذه الوقاية يكون بارتكاب المعاصي والآثام ، قال عليه الصلاة والسلام (( قال الله عز وجل .. كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)) وقال (( والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم )) ، وقال أيضا (( الصيام جنه من النار كجنة أحدكم القتال ما لم يخرقه بكذب أو غيبه )) ، فإذا أراد المسلم الحفاظ على صيامه فعليه ترك الآثام بكف سمعه وبصره ولسانه عن الحرام وأن يكف يده عن البطش الحرام ورجله عن المشي إلى الحرام وقد دل الحديث الصحيح على هذا فقال عليه الصلاة والسلام (( كتب على أبن آدم حظه من الزنى مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطى والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه )) . = الصوم يحرر الأنسان من سلطان الغريزة : دكتور عبده الحميدي لو تطرقنا الى الجانب الروحي للصيام .. كيف يساعد الصوم على سمو الروح ونقائها لدى الصائم ؟ - الصوم وقاية للروح من ارتكاسها في حمأة الحياة الحيوانية والبهيمية التي هي دأب الكافرين كما قال تعالى عنهم (( والذين كفروا يأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم )) ففي الصوم تقوية للروح حتى ترتفع عن حياة البهيمية ,ففرض الله الصيام ليحرر الإنسان من سلطان الغريزة ،وينطلق من سجن جسده ويتغلب على نزعات شهوته ويتحكم في مظاهر حيوانيته ويتشبه بالملائكة . ولهذا فليس عجيبا أن ترتقى روح الصائم ويقترب من الملأ الأعلى ويقرع أبواب السماء بدعائه فتفتح ويدعو ربه فيستجيب له ويناديه فيقول لبيك عبدي لبيك وفي هذا المعنى يقول النبي صلى الله عليه وسلم (( ثلاثة لا ترد دعوتهم ..الصائم حتى يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم )). = وقاية من النار .. وإتقاء الحدود : وكيف يكون الصوم إتقاء للحدود ؟ - إذا ترك الصائم المعاصي ومنها الزنا والسرقة وقتل النفس وقطع الطريق وإراقة الدماء خوفا على جنة الصوم ووقايته من النار ,فقد أتقى بذلك أن تقام عليه الحدود لعدم ارتكابه لها . وتجنب الصائم المعاصي وتركه طعامه وشرابه وشهوته من أجل الله تعالى وقايه له من النار كما جاء في رواية الترمذي عن أبي هريرة قول الرسول صلى الله عليه وسلم (( إن ربكم يقول كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف والصوم لي وأنا أجزي به والصوم جنة من النار ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وإن جهل على أحدكم جاهل وهو صائم فليقل إني صائم إني صائم )). = للصوم واجبات وآداب : ماهي واجبات الصوم التي يجب على الصائم الالتزام بها ؟ - هناك واجبات حسية تتعلق بالفم والفرج وهي الإمساك عن الطعام والشراب وكل ما يتناول عن طريق الفم وكذلك الإمساك عن مباشرة المرأة وهذا يتعلق بالفرج وكلا الأمرين قد ذكرهما الله تعالى في القرآن الكريم في قوله تعالى (( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ,علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم عفا عنكم والآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا وأشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل )) .. أي أتموا الإمساك عما ذكر حتى تغرب الشمس , كما يجب عليه النية من الليل لحديث الرسول الكريم (لا صيام لمن لم يبيت النية من الليل). وهناك واجبات معنويه على الصائم وهي الإمساك عن المعاصي التي ترتكبها الجوارح فعليه تصويم عينيه عن النظر إلى الحرام وأذنيه عن سماع الحرام ولسانه عن النطق بالإثم وقول الزور ويديه عن البطش الحرام ومزاولته ورجليه عن المشي إلى الحرام كما سبقت الإشارة في حديث الصحيحين (( كتب على أبن آدم حظه من الزنا فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع .. الخ )) فهذه المحرمات يجب تركها في رمضان وغيره من الشهور. ماذا عن آداب الصوم ؟ - آداب الصوم كثيرة منها ما ذكرته سابقا من حفظ الجوارح عن ارتكاب المعاصي ومنها الآداب الآتية : تعجيل الإفطار عند تحقق غروب الشمس وتأخير السحور لقوله صلى الله عليه وسلم (( بكروا بالإفطار وأخروا السحور)) ، ومنها إيثار الإفطار على رطب ثم تمر ثم ماء لما رواه الترمذي وحسنه عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم (( كان يفطر قبل أن يصلي على رطبات فإن لم يجد رطبات فعلى تمرات فإن لم يجد تمرات حسا حسوات من ماء )) ومن الآداب ايضا الأذكار التي تقال عقب الإفطار مباشرة وهي ( اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت)) رواه أبو داود وزاد أبو داود والنسائي في رواية ابن عمر (( ذهب الظمأ ابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله )) وفي كتاب ابن السني زيادة (( الحمد لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت )) ، ومنها ترك الوصال في الصوم فقد روى البخاري عن أبي هريرة قال (( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم فلما أبوا أن ينتهوا عن الصوم واصل بهم يوما ثم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال (( لو تأخر لزدتكم )) كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا , وفي رواية البخاري ومسلم من حديث عائشة : نهاهم عن الوصال رحمة لهم فقالوا إنك تواصل فقال : (( إني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقين )) , ومنها عدم الإفراط في الأكل والشرب بل يفطر على تمرات ثم يصلي المغرب ثم يتناول ما يقيم صلبه من الطعام فقد جاء في الحديث ((ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه )).