على الرغم من ارتباطها بالتعب والإرهاق والمخاطر الا ان ذلك لم يمنع المرأة العربية من اقتحام مهنة المتاعب والمخاطرة بنفسها في عالم الصحافة، لازلنا نتذكر أطوار بهجت التي قتلت في العراق، ومي شدياق التي اغتيلت في لبنان. كما لم ننس تغطية إعلاميات برزن بشكل ملحوظ في كثير من التغطيات الإعلامية في مناطق خطرة ونزاعات وحروب، كما حصل في حرب جنوب لبنان او العراق، حيث أثبتت كثير من الإعلاميات قدرتهن وتميزهن في التغطية الإعلامية دون خوف من المخاطر والصعوبات. لابد من التأكيد أولا على انه ليس كل الإعلاميات يقتحمن المجالات التي تعترضها مخاطر وصعوبات. فأغلب الإعلاميات العربيات بشكل عام خاصة الدول الموسومة بالمحافظة لا نجدهن الا في المواضيع السهلة اغلبها اجتماعية خاصة بالطفل والمرأة مع استثناء لبعض الدول التي وصلت فيها المرأة إلى مناصب إعلامية عليا ويرأسن تحرير صحف ومجلات سياسية وليست فقط خاصة بالطفل والمرأة كما هو حاصل في اليمن. الكثير من المعوقات والتحديات تعترض الإعلاميات بعضها مرتبط بالتحديات الاجتماعية ومنها مرتبط بتحديات ذاتية مرتبطة بقدرات الإعلامية نفسها كما تقول اغلب الإعلاميات اللاتي استطلعت صحيفة (السياسية) آرائهن في هذه الموضوع. وتناقش إعلاميات وحقوقيات يمنيات وعربيات من دول عديدة في صنعاء ضمن المؤتمر التنسيقي الأول للإعلاميات العربيات ينظمه ملتقى المرأة للدراسات والذي بدأ امس، أهم التحديات المعقدة التي تقف أمامهن وانتهزت (السياسية) فرصة وجودهن لاستطلاع آرائهن حول ذلك. *معوقات مشتركة تقول الصحفية في التلفزيون التونسي سُكينة عبد الصمد: "الإعلامية بصفة عامة لديها تحديات ولها مشاغل أكبر من الرجل، نحن نعيش في مجتمع ذكوري، نحن نحاول أن نتكلم على المجتمع العربي أكثر، فتونس كغيرها من البلدان العربية، لكن عندنا على الأقل مساحة أكبر في القوانين التي تسمح لنا بالعمل، لكنها تبقى مع ذلك العديد من العراقيل". وتضيف عبدالصمد: "نحن نعيش في مجتمع ذكوري لا يفسح مجالا كبيرا بالنسبة للمرأة كإعلامية، أو تكون قيادية في أي مكان آخر أو أي قطاع آخر فدائما تعترضها بعض الصعوبات، ولكن نقول ليس الرجل هو السبب في هذه العوائق ولكن على المرأة أيضا أن تعمل أكثر فهي مطالبة قبل الرجل بأن تثبت دورها الفعلي في الدفاع عن حقوقها للارتقاء بدورها والوصول إلى تحقيق ذاتها". وتدعو الصحفية سُكينة عبد الصمد الإعلاميات إلى تطوير أنفسهن لأنه "إذا طورت الإعلاميات إمكانياتهن الذاتية وامتلكن القدرة على المنافسة فانه يقدرن على إثبات أنفسهم في عملهن ووفي مشاركتهن في تنمية مجتمعهن ولن يكون ذلك سهلا أبدا". وتتفق معها الصحفية اليمنية وداد البدوي في ان "اهم ما يعيق عمل الإعلاميات هو وجود سلطة ذكورية على قمة هرم صناعة القرار الإعلامي". وتؤكد ذلك بما حدث معها مؤخراً في صحيفة محلية، حيث وجدت تعامل من قبل مع صحفيين لا يؤمنون بقضايا المرأة. ووجدتهم دائماً يتعاملون معها بانتقاص حتى على المستوى الماد كما تقول". مشيرة إلى أنها قد تجد زميل أقل كفاءة وإنتاج غير أن رصيده المادي أعلى. وتعتبر ان التحدي المرتبط بالخصوصية اليمنية هو "مجالس القات التي تؤرقنا كثيرا، ونجد أنفسنا كإعلاميات بعيدات عن القيادة ومراكز اتخاذ القرار بسبب ذلك". وتؤكد البدوي الى ان المجتمع لا يشكل عائقا أمامها , مضيفة : "أعايش المجتمع وأجد كثيرا من الناس فيه تدعمنى وتشجعني. لكن من يعيقنا فعلاً هو الأسلوب الذي يتعامل به قادة العمل الإعلامي في الصحف إلى جانب مجالس القات وبعض الزملاء". أما المحررة الصحفية مها القدسي من الحديدة التي انضمت إلى العمل الصحفي منذ خمس سنوات فتقول إنها "وجدت أن عدد الإعلاميات في الحديدة قليل جدا مقارنة بصنعاء، ومع ذلك فنحن نواجه الكثير من التحديات من أهمها النظرة القاصرة إلى عمل الإعلامية التي تعيقنا كثيرا في عملنا، إضافة إلى صعوبة الحصول على مصادر المعلومات". وتضيف القدسي أنها لا تحب السياسة، لهذا فإن اغلب مواضيعها مرتبطة بالطفل والمواضيع الاجتماعية. من جانبها، تقول المعدة والمذيعة في إذاعة اب ابتسام البعداني: "المعوقات كثيرة فهناك تحديات من المجتمع وتحديات ترتبط بظروف العمل نفسه". وتضيف البعداني : "كنت ادرس في تخصص الهندسة لكن بسبب عشقي للإعلام تركت الهندسة وانضممت الى كلية الإعلام بجامعة خاصة واثبت وجودي من خلال ثقتي بنفسي وقدراتي وإمكانياتي في إعداد وتقديم البرامج الإذاعية وقد وجدت تشجيعا من الأسرة وقيادة إذاعة اب". وتشير الى ان التحدي المهم بالنسبة لها هو التحدي الاقتصادي فهو بالنسبة لها "نقطة حساسة خصوصا وأنني لم احصل على درجة وظيفية رسمية إلى الآن، لكن رغم ذلك فإننا نعمل بجهد إبداعي بشهادة كثير من الإعلاميين الذين يزورون الاذاعة". *التحدي الذاتي رئيسة مركز الإعلاميات العربيات الأردنية محاسن الإمام كانت أول امرأة أردنية تتولى منصب رئيس التحرير في جريدة أسبوعية عام 1996 وتسلمت رئاسة تحرير صحف (قف, الرصيف, صوت المرأة, البلاد) ، إضافة الى كونها أول امرأة تنتخب لمجلس نقابة الصحفيين الأردنيين عام 1997. وتقول محاسن إمام: "قمنا بتأسيس المركز بهدف إيجاد مظلة للإعلاميات العربيات ومن أجل المدافعة عن حقوقهن، وفي البداية دربنا إعلاميات أردنيات ثم توسعنا ليشمل دولا عربية في سورية وفلسطين والعراق، وكان الهدف من ذلك معرفة المعوقات التي تعترض الإعلامية العربية، وتمكنا من التعرف على مشاكل الإعلاميات العربيات في كل الدول واستطعنا أن نتوصل إلى بعض الحلول". وتضيف محاسن امام ان ابرز التحديات "تختلف من دولة لأخرى إلى حد ما بحكم طبيعة العادات والتقاليد في كل بلد، لكن التحدي الأكبر هو التحدي الاجتماعي الذي يختلف أيضا من بلد لآخر، مثلا هناك بعض العادات التي تتحكم بطبيعة عمل المرأة لا تجعلها رائدة في هذا المجال، فهناك رفض لعمل المرأة في أوقات متأخرة من الليل، كما لا تستلم مناصب متقدمة للصحيفة إضافة إلى أن تغطية الأحداث الساخنة تكون من نصيب الرجل". وترفض محاسن أن تتخصص الإعلامية في جوانب اجتماعية بعينها وتقول: "نحن نرفض أن يملي رئيس التحرير أن تكون الإعلامية مختصة بجوانب اجتماعية، لا يمكن القبول بان تكون في قوقعة معينة، ويمكن للإعلامية تخطي ذلك بالتدريب المستمر والدخول في قضايا حساسة". لكنها تستدرك بالقول "التخصص في قضايا المرأة ليس عيبا على الإعلاميات إذا أحسوا أنفسهم غير قادرين على الإبداع في القضايا الأخرى". والأهم من ذلك كما تقول امام "ان تكون الصحفية مثقفة ومطلعة، حتى تتمكن من تغطية قضايا حساسة، وعندها الخبرة الكافية، وتعرف حماية نفسها كصحفية، وهناك زميلات أثبتن وجودهن، وعملن مراسلات حربيات، وغطين الحدث الساخن وبصورة أفضل من الزملاء الإعلاميين". وتؤكد "مهنة الصحافة يجب أن تعشق، وإلا لن تستطيع أية إعلامية او إعلامي الاستمرار فيها، فالصحافة هي ليست مهنة، بل هي إبداع". *حقوق مهدورة المتخصصة في المجال الحقوقي وحل النزاعات اللبنانية باميلا حجل ترى من جانبها أن النساء لا يقدرن على أن يحصلن على حقوقهم بالإجمال فكيف بالإعلامية. وتقول حجل : "الإعلام بشكل عام في العالم العربي صوته خافت، لا يقدر الإعلامي الرجل أو المرأة أن يقول الأشياء كما هي، هناك دائما سقف محدد لا يقدروا على تخطيه.خاصة المرأة الإعلامية فهي مهدورة الحقوق كامرأة وكإعلامية ولا تقدر أن توصل صوتها مثل الرجل". وتشير إلى انه "لا يوجد في لبنان تمييز بين الإعلامي الرجل والإعلامية المرأة، وأكبر مثال هو أن عندنا إعلاميات تعرضن للاغتيال، وشاركن أيضا في تغطية حروب". وتؤكد: "ربما تبرز المرأة الإعلامية في بعض الأوقات أكثر من الرجل". *حلول مهنية أما أستاذة الإعلام الدكتورة رؤوفة حسن فتعتبر أن التحديات بشكل عام واليمنية بشكل خاص هي "تحديات كبيرة؛ فاليمن - للسنة الثالثة على التوالي- تقع في آخر القائمة عالميا في حقوق المرأة. وهذا معناه ان المكتسبات التي حققتها المرأة اليمنية بدأت تخسرها". وتضيف حسن : "أما بالنسبة تحديات الإعلاميات فهي مشتركة مع الإعلاميين مثل مشكلات الحريات ومشكلة رؤية الإعلاميين لأنفسهم ورؤية المجتمع للإعلاميين، فهذه الرؤية فيها الكثير من التشويش والتشوه". وتؤكد ان "تصحيح هذه الرؤية يحتاج الى مجهود من قبل الإعلاميين أنفسهم ومن قبل الأجهزة المعنية خاصة النقابة ومراكز الإعلاميين وأنديتهم لتصحيح صورتهم، إضافة إلى أن عليهم أن ينتبهوا إلى ان العمل الإعلامي هو مكمل للتنمية المختلفة وإذا ما حدث أنهم مارسوا ممارسات متطرفة خارجة عن الحياد والايجابية والموضوعية التي يجب أن يتحلى بها الإعلامي أو الإعلامية فإن ذلك سيخل بالحرفية والمهنية المطلوبة ما يؤدي إلى الاستهانة بما يطرحون من قبل المجتمع". وترى حسن أن "الإعلاميات صعوبتهن أكثر من زملائهن من الرجال، فأغلب المؤسسات الإعلامية والصحف يترأسها ذكور، وهناك مقاومة داخلها لأية مواقع لزميلاتهم حتى لو كانت نقابية، وهذا يعكس أكثر الصور تخلفا، وهو مخالف بما هو مفترض من قادة رأي، والسبب في ذلك يرجع إلى صناعة القرار الرسمي او صناعة القرار الشعبي والانتخاب وهذه مشكلات يجب على الإعلاميين مخاطبة أنفسهم بها قبل مخاطبة الآخرين", مشيرة إلى وجود تحديات ايضا مرتبطة بحصر الإعلاميات في قضايا اجتماعية وقضايا الأطفال. وتذكر استاذة الاعلام مثلا "المؤتمر الأسبوعي للناطق الرسمي وزير الإعلام الذي نادرا ما تحضره إعلامية واحدة فقط، لكن الأخريات غير موجودات وقد يكون ذلك بسبب ان صحفهم لا ترسلهم او أنهن لا يتحمسن لتغطية القضايا السياسية. وهذه مشاكل متعلقة بالبنية الذاتية للمؤسسات الإعلامية ومتعلقة بالصحفيات أنفسهم. يضاف إلى ذلك تحديات مرتبطة بالظروف المادية ومشكلات أمنية ومشكلات العمل في المساء خاصة اذا كانت إعلاميات متزوجات". *خاتمة يبقى القول أن العمل الإعلامي لا يرتبط بجنس الإنسان، لأنه لا يمكن لأي قيادي إعلامي ان يمنع إعلامية او إعلامي لديه مواهب وقدرات إبداعية مميزة، فالإعلام يعتمد على المنافسة والإبداع وإذا ما تعرضت إعلامية او إعلامي لمضايقات من قبل قيادته او إدارته فهناك وسائل إعلامية منافسة تنتظره بفارغ الصبر.