أحيانا تضعنا الأيام أمام عدّة خيارات، ونجد أنفسنا وسط الكثير من التساؤلات، فنبدأ رحلة بحث ودراسة واستشارة، لنقرر بعدها ماذا سنختار، فمن يقرر ويحدد معنا تلك القرارات الآباء أم الأمهات؟ وكيف مستوى تنفيذنا لها واقتناعنا بها؟ تعد الأسرة "مؤسسة اجتماعية" مبنيّة على شراكة زوجية، والمشاورة مطلوبة من قبل الزوجين، فلا يتخذ أحدهما قرارا ويطلب من الأخر سوى التنفيذ.. السياسية طرحت تساؤلا على الأزواج حول من هو صاحب القرار العائلي في المنزل؟ ** ديكتاتورية القرار السائد في مجتمعنا أن الرجل هو صاحب القرار الأول والأخير في المنزل، وينفرد بجميع القرارات العائلية، فنجده يهمّش رأي زوجته التي يبقى عليها فقط التنفيذ دون مناقشة أو اعتراض.. فها هي إحدى الزوجات تقول إن زوجها هو من يتخذ القرارات الأسرية دون أن تطلع عليها، وأنه دائما يفاجئها بتلك القرارات التي تتخذ دون علمها، وتضيف أن زوجها دائما ما يعلل تصرفه ذلك به أفضل منها في اتخاذ القرار؛ لأنها متسرعة. غالبا ما يكرر الأزواج الذين التقيناهم عبارة "رب الأسرة".. "أكثر معرفة".. "أكثر دارية "، عند السؤال حول من يتخذ القرار، وهذا ما أورده لنا العقيد المتقاعد عبد القادر العواضي، الذي يتحدث بكل بقوة: "أنا من يحدد ويصنع القرار العائلي؛ لأني رب الأسرة وأعرف أكثر من زوجتي التي أترك لها القرارات اليومية كالشراء والتسوق وغيرها", نموذج يتكرر كثيرا داخل الأسرة اليمنية، التي يعطى الرجل فيها حق اتخاذ القرار وحده.. ولكن هذه القاعدة قد تنعكس بنسبة قليلة جدا، فنجد أن المرأة هي المهيمنة لأسباب قد تتعلق بشخصية كلا الزوجين أو سبب ضعف الإمكانيات المادية للزوج أو تمتع الزوجة بمراكز أعلى منه اجتماعية أو علمية أو مهنية.. هذا ما قاله أحد الأبناء إن أمّه هي القوة المسيطرة في المنزل، وهي صاحبة القرار، وأن الأب لا يتداخل في اتخاذ أي قرارات. ** تشاور يغلب على بعض الأسر أسلوب التشاور في أخذ القرار، وهو لا يعني الفرض من قبل طرف على الطرف الآخر، فيمكن التشاور بين الطرفين، فإذا طلب الرجل النصح والمشورة من الزوجة لا ينقص من قيمته أو رجولته، وكذلك الحال بالنسبة للمرأة مهما كانت درجتها العلمية أو الاجتماعية إن هي أخذت بمشورة الزوج، فلا يعني النقص التقليل من أهميتها. وهذا ما يفعله الدكتور أحمد مارط - رئيس قسم الدم العام في المستشفى العسكري بصنعاء- حيث يقول إنه يبحث مع زوجته عن القرار، ويتشاور معها، وفي النهاية هو صاحب القرار.. ويثق كثيرا بقرارات زوجته، خاصة تلك التي تتعلق بأموار المنزل كالتسوق وشراء مستلزمات المنزل والأولاد، فهذه هي القرارات التي لا يتدخل فيها وتتخذها زوجتها دون مشاورته. ويتبع المهندس فاروق جازم، الذي يعمل في الخطوط الجوية اليمنية، الأسلوب نفسه، حيث يشاور ويحاور قبل اتخاذ القرار، الذي هو من يتخذه في النهاية، ويفضّل أن تكون زوجته صاحبة القرار دون تدخل منه في القرارات اليومية في المنزل، كإدارة شؤونه ومستلزماته.. وفيما يتعلق بتلك القرارات المصرية التي لها علاقة بالأبناء فإنه صاحب القرار بعد المشورة. ** قرارات يومية في حياتنا اليومية نتخذ الكثير من القرارات، منها الصغيرة أو اليومية كنوع الطعام والملابس ومستلزمات أخرى كالتنزه والفُسح، ومنها الكبيرة أو المصيرية كالزواج, العمل, اختيار تخصص الدراسة أو الإقدام على عمل ما. وأكثر ما ورد على ألسنة الأزواج هو أن يتركوا تلك القرارات الصغيرة أو اليومية للزوجة، أما القرارات المصرية فيكون صاحبها الرجل.. ويبرر نبيل، الذي يعمل محاسبا في أحد البنوك، استئثاره بالقرارات؛ لأنه "أكثر عقلانية" منها. ويضيف أن زوجته تتخذ قرارات دون أن تحكِّم العقل، ولكنها تحكِّم عواطفها أكثر، على عكسه تماما، فهو يحكِّم عقله قبل كل شيء، لكنه مع ذلك يترك لزوجته القرارات اليومية التي تتخذها، كتصريف شؤون المنزل الداخلية. ** واقع آخر الملاحظ هذه الأيام أن العلاقات الأسرية الحديثة تغيّرت كثيراً عمّا كان سائداً، وهي تسير حقاً نحو قدر أكبر من المشاركة والإقرار بتغير دور المرأة، فلم يعد الرجل هو الآمر الناهي في اتخاذ القرار والتحكِّم في شؤون الزوجة والبيت والأطفال. فوجدت نتيجة ذلك مفهوم الشراكة في اتخاذ القرار، فالشراكة في الحياة الزوجية ليست شراكة في المكان أو الشكل الاجتماعي، إنما هي شراكة عقلية في الأفكار والمعتقدات واحترام الرأي الآخر.. ويسرد لنا الدكتور عبد الرقيب الذبحاني، مدير عام مختبرات الذبحاني الطبية، أن القرار يجب أن يُتخذ بمشاركة من الجميع، آباء وأبناء وأمهات، وألاّ يحتكر أحد منها القرار. وباعتراف بحق الآخرين في اتخاذ القرار، يضيف عبد الرقيب أن تلك القرارات المصيرية التي لها علاقة بالأبناء ودراستهم وتخصصيهم تأخذ باستشارة الجميع.. باستثناء تلك القرارات اليومية التي تتخذها الزوجة في المنزل. ** من ينفذ؟ وبعيد عن صناعة القرار قريبا من تنفيذه، كانت لنا وقفة مع الأبناء لنسمع آراءهم حول مستوى تنفيذهم لتلك القرارات، وبما يثقون.. فقد احتلت قرارات الأب الثقة لدى الأبناء الذين استطلعت آراؤهم وتعليلهم لذيلك يعود إلى أن الآباء سلطتهم قويّة وعقلانيين في اتخاذ القرار، وعلى عكس الأم التي تكون عاطفية ومتسرعة في قراراتها. يدفع الخوف من غضب الأب الأبناء إلى تنفيذ تلك القرارات رغم عدم اقتناعهم بها، وهذا ما يفعله محمد عبد القادر (طالب في الثانوية) الذي يثق كثيرا بقرار أبيه، حيث يقول إنه ينفذ بعض القرارات التي يصدرها أبوه وليست كلها، بمعنى أنه ينفذ ما يراه مناسبا.. ويتفق معه فادي، الذي ينفذ بعض تلك القرارات ولست كلها. ويقر محمد أن الخوف من رد فعل أبيه هو ما يدفعه إلى تنفيذ تلك القرارات التي يشرف أبوه على تنفيذها، وتظل الفتاة على عكس الأبناء، حيث تنفذ ما يطلب منها دون رقابة, وتنفذ حنان صالح كل تلك القرارات، فلا تختار أحدها وتترك الآخر، وإنما تنفذ كلها سواء تلك التي يصدرها أبوها أو أمها. وتقول هناء إنها تنفذ تلقائيا تلك القرارات بغض النظر عمّن اتخاذها، فهي قرارات صائبة ولا تحمل إلا الخير لها. ** ختاما نقول إن رسولنا الكريم (عليه الصلاة والسلام) كان يشاور زوجاته في أمور حياتهم، ولم يكن يستأثر بالقرار وحده، فكان مبدأه التشاور والحوار.. فلماذا لا يحذوا الأزواج حذو رسولنا (صلى الله عليه وسلم). صحيفة السياسية