صنعاء – سبأنت: حوار: د/ نشوان العطاب، تصوير: هادي الشبوطي استطاع مستشفى 48 النموذجي رغم حداثة عهده كمنشأة صحية وبعد مرور سنتين على تدشين العمل فيه، صنع نموذج طبي قد يحدث نقلة نوعية يتوقع أن تسهم في تغيير النظام الحالي للمستشفيات الحكومية, بل إن التجربة وبدون مبالغة ستكون خطوة نحو تحقيق حلمنا جميعا بتوفير التأمين الطبي الشامل لكافة أبناء الوطن الواحد. وبغرض التعريف بالمستشفى، وأملا في تعميم التجربة بما يساهم في التحول لطرق الإدارة الحالية للمنشآت الصحية في اليمن، ننشر هذا الحوار مع مدير عام مستشفى 48 النموذجي الأستاذ الدكتور ياسر أحمد عبدالمغني حول هذه التجربة.- البدايات الأولى: سبأ: كيف كانت البدايات الأولى لمستشفى 48 النموذجي؟ مدير المستشفى: كانت البدايات الأولى للمستشفى قبل الافتتاح بخمسة أشهر، وفي ذلك الحين لم يكن يوجد لدى المستشفى أي نظام تشغيل أو طاقم فني أو مالي أو إداري، حتى الكوادر الإدارية المساعدة كانت لا تمتلك خبرة كافية لإدارة المستشفيات. ولكن خلال فترة وجيزة تم تجهيز كافة متطلبات المستشفى، فتم إعداد مبادئ وقواعد أساسية للمستشفى كما تم تأهيل واختيار الكادر، بالإضافة إلى استكمال توصيف وظيفي متكامل ومنهجية ومرجعية لتشغيل المستشفى بحسب المواصفات العالمية. بعد ذلك تم إعداد قوائم الاحتياج من الأدوية والمستلزمات، ومن خلال الدعم المستمر من قائد الحرس الجمهوري قائد القوات الخاصة، استطعنا أن نضع تصورا جاهزا لاحتياج المستشفى. وعندما حدثت أحداث بني حشيش لم يستغرق الأمر أكثر من مجرد تواصل مع الشركات المعنية لتوفير المتطلب الذي تم رصده، وفعلا كانت البداية صعبة لاستقبال الحوادث الجراحية في مختلف الاختصاصات، إلا انه ومنذ اليوم الأول تم إجراء العمليات الجراحية سواء في مجال الجراحة العامة أو جراحة العظام أو جراحة المخ والأعصاب. وأتذكر أنه طوال تلك الأحداث لم يمت مريض واحد وصل إلى طوارئ المستشفى وهو ينبض بالحياة، حيث تم إجراء الإنعاش القلبي الرئوي لكثير من المرضى، كما انه لم يمت إلا مريض واحد نتيجة إصابته في الدماغ، فالحمد لله كانت تلك هي البدايات الأولى وأول تجربة. تم العمل بعد ذلك على رسم الخطة الإدارية للمستشفى باعتماد الدورة المستندية، وكذلك الموارد البشرية، كما تم استكمال التجهيزات والاحتياجات وأيضا الأجهزة والمعدات. - الخطة الإستراتيجية للمستشفى: س: ما هو الأساس الذي رسمت عليه الخطة الإستراتيجية للمستشفى؟ مدير المستشفى: أعدت الخطة الإستراتيجية للمستشفى اعتمادا على المبدأ العالمي تحليل جوانب القوة والضعف والفرص (strength, weakness opportunity analysis threat) والمبنية على جانبين رئيسيين: تحليل جوانب القوة والضعف بالتزامن مع تحليل العوامل الخارجية المناسبة، حيث سعى المستشفى إلى تحويل نقاط الضعف إلى قوة. فعلى سبيل المثال كان الكادر الذي تم توظيفه جديد ليس لديه خبرة وهذه كانت نقطة ضعف، لكننا حولناها إلى نقطة قوة بحيث تم تشكيل وتحويل الكادر وتوجيهه وفق المواصفات القياسية العالمية وأصبحت نقطة قوة. نقطة ضعف أخرى أن المختبر عندما افتتح المستشفى كان لا يحتوي أية أجهزة، والآن يمكن اعتبار مختبر المستشفى أحدث مختبر موجود في اليمن وفي المجالات المتعددة من حيث النوعية والتطور. أما الجانب الآخر من الإستراتيجية فيندرج في إطار محاولة إنهاء سفر المرضى للعلاج في الخارج، وركز على تحليل العوامل الخارجية حيث تم تقييم السوق المنافس في المستشفيات المختلفة سواء في القطاع العام أو الخاص مع دراسة احتياج المرضى اليمنيين، وبالتالي تم العمل بما من شأنه تقديم خدمة ليست متوفرة وموجودة في اليمن مثل إضافة الفحص الوراثي للحامض النووي (دي إن إيه) وفحص الجينات والتقنيات الحديثة للطب الشرعي وفق أحدث المفاهيم العالمية. وفي نفس الإطار تم الاهتمام بتطوير جراحة المناظير والحمد لله خلال تلك الفترة البسيطة هاهو كادر مستشفى 48 يزهو ويفخر بنوعية وعدد الحالات في جراحة المناظير المتميزة وبكوادر يمنية 100% والتي يمكن القول أنها تعتبر في الصدارة في اليمن من حيث الفترة الوجيزة والنوعية. - نقلات نوعية س: ما هي المراحل المحورية في تطور المستشفى؟ أولا: تنظيم المخيمات الطبية: مدير المستشفى: خلال تلك الفترة أنيطت بالمستشفى مهام إقامة المخيمات الطبية، حيث تم الانتقال إلى عدة محافظات وأقيمت المخيمات الطبية المتكاملة والتي بلغ عددها حتى الآن 13 مخيما طبيا تم خلالها معاينة وصرف الأدوية مجانا لحوالي 400 ألف حالة مرضية بالإضافة إلى إجراء أكثر من خمسة آلاف و300 عملية جراحية في الاختصاصات المختلفة، ورغم أن الفترة سنتين لكن الحمد لله تم التغلب على كل المعوقات، ولدينا خطة عمل سنوية في هذا الجانب. المستشفى الميداني: مدير المستشفى: بعد ذلك كلف المستشفى باستقبال جميع الحالات الجراحية المحولة من أحداث مديرية حرف سفيان، وفي ذلك الحين شهد المستشفى بفضل توجيهات رئيس الجمهورية نقلة في الخدمة النوعية بتوفير المستشفى الميداني على أرض المعركة مما خفف العبء على المستشفى لتقديم خدمة نوعية أفضل. تطبيق نظام المعلومات الصحية: مدير المستشفى: صاحب ذلك استكمال للبنية التحتية من خلال إدخال نظام المعلومات الصحية (Health Information System) والذي هدفت إلى إدارة المستشفى باستخدام شبكة موحدة للحاسوب، وعند تطبيق هذا النظام أبدى خبراء الشركة التي أدخلت النظام والتي تعمل في أماكن عدة في العالم استغرابهم من سرعة استجابة كادر المستشفى وتعاملهم مع النظام خلال فترة ستة أشهر فقط، وهذه الفترة تشمل التركيب والتدريب والإدخال. - شهادات دولية (JCIA): س: ما أهمية الحصول على شهادة الاعتمادية الدولية؟ مدير المستشفى: شهادة الاعتمادية الدولية للمستشفيات (JCIA) تمنح للمستشفى بعد أن يطابق المواصفات والمقاييس الدولية للمنشآت الصحية ومستشفى 48 بدأ مؤخراً بالسعي للحصول على هذه الشهادة. س: إلى أي مرحلة وصلتم في خطوات الحصول على هذه الشهادة ؟ مدير المستشفى: نحن أخذنا مرجعية حول ما هي المواصفات والمعايير التي يتم عليها التقييم وتواصلنا مع خبيرة في هذا المجال من الأردن وهي مسؤولة عن الاعتمادية في الاردن، وتم تشكيل 14 لجنة تخصصية.بعد ذلك تم إعداد السياسات والإجراءات الخاصة بكل لجنة وتنفيذ الخطوة الأولى وهي مرحلة التقييم الذاتي وعلى ضوءه أعدت خطة عمل (Action plan) لمدة سنتين، مضت منها سنة وبقى سنة. ونستطيع القول إنه تم تحقيق أكثر من 80 % من السياسات حتى الآن، ورفعت إلى لجنة الاعتماد وأقرت، كما تم تعيين مدقق جودة في كل قسم وهناك خطة عمل موجودة الآن للتطبيق على ارض الواقع، ولدينا خطة عمل خلال سنة لكي نكون مستعدين للتقييم النهائي للحصول على شهادة الاعتمادية الدولية (JCIA)، وفي هذا الخصوص أود أن أشير إلى أن ما حدث بمستشفى 48 يمكن اعتباره معجزة، وباعتراف الخبراء وهو الاستجابة من الكادر لمتطلبات الاعتمادية الدولية وذلك خلال فترة قصيرة جدا. س: هل من معوقات قد تحول دون الحصول على هذه الشهادة؟ مدير المستشفى: هناك بعض المعوقات البسيطة التي هي في تصميم المنشآت الطبية بحسب المواصفات العالمية، واعتقد انه لو كان هناك أي صعوبات في الحصول على الاعتمادية ستكون في هذه النقطة لكن انشاء الله عملنا على تلافيها في التوسعة الحالية للمستشفى من خلال ربطها بالمستشفى القديم. - شهادة الجودة العالمية للمختبرات (الآيزو 2009): مدير المستشفى: في إطار الخطة الاستراتيجية للمستشفى وبعد التحليل الذاتي العالمي وجدنا أن اليمن يفتقر إلى المجال التشخيصي المختبري، سعينا إلى توفير مختبر متكامل يدار وفق أحدث المفاهيم العلمية من خلال تطبيق مبادئ التحكم بالجودة الداخلية ومن ثم ننتقل التحكم بالجودة الخارجية والبروتوكولات والمقاييس العالمية، ومن ثم تقدمنا للحصول على شهادة (آيزو 2009 ) في مجال المختبرات، واستدعينا الخبراء في هذا المجال ورسمنا خطة عمل وإن شاء الله خلال شهر أو شهرين سنتقدم للحصول على الشهادة في مجال علم المختبرات. - التعليم الطبي المستمر: س: إلى أي مدى يطبق المستشفى مبدأ التعليم الطبي المستمر؟ مدير المستشفى: كان الاهتمام بإدارة التعليم الطبي المستمر أحد النقاط الهامة في تطوير المستشفى، فبعد استقطاب كبار الاستشاريين في الاختصاصات المختلفة للعمل بالمستشفى، تم إنشاء قاعة كبرى للمؤتمرات والندوات بحيث بات المستشفى قادرا على استضافة أي فعاليات علمية، بالإضافة إلى تنظيم الدورات التدريبية والحمد لله تم عقد الكثير من الدورات لتأهيل الكادر سواء كانوا اختصاصيين أو أطباء عموم أو تمريض، وهناك سجل يفخر به المستشفى بعدد دورات التدريب والتأهيل في هذا الجانب. وفي جانب آخر تم التواصل مع المعنيين في المجلس اليمني للاختصاصات الطبية، بهدف اعتماد المستشفى كمركز تدريبي للبورد العربي والبورد اليمني، ونسعى إلى أن تكون مجال الجراحة العامة والعظام والتخدير والعناية والمخ والأعصاب والباطنية كمرحلة أولية، ونهدف على المدى الطويل إضافة بقية الاختصاصات. س: ما مدى استعانة المستشفى بالكوادر الأجنبية؟ مدير المستشفى: هذه النقطة الثانية التي نزهو ونفتخر بها فطاقم المستشفى 98 % يمني وهي رسالة يجب أن يعيها كل شخص، انه عندما يتم الاختيار والإعداد والتأهيل للاستفادة من الكادر المحلي، ونادرا ما نستعين بكادر أجنبي خاصة في مجال الاختصاصات الدقيقة والمحدودة، والتي نحتاج إليها كما أن تعاملنا معهم محدود والنسبة قليلة جدا ويتم اختيار الكادر الأجنبي وفق احتياج المستشفى فقط. - الصورة النهائية للتحديثات: س: ما هي الصورة النهائية للمستشفى وما هي الصورة الأولية لأول مدينة طبية والتي أعلن عنها مؤخرا؟ مدير المستشفى: الصورة النهائية للمستشفى هي أن تكون مدينة 48 الطبية التي تحتوي على جميع التخصصات الطبية والتي ستعمل على الحد من السفر إلى الخارج وتعمل على تقوية الرابطة ما بين المريض والطبيب اليمني. وعلى أساس أن تكون مدينة طبية رائدة في مجال الخدمات الطبية والبحث العلمي ليس على مستوى اليمن ولكن على مستوى المنطقة بل وأوسع من ذلك، وهذا إذا اعتمدنا على المبادئ العملية لإدارة مثل هذه المنشئات وإن شاء الله سنصل إلى ذلك. - تجربة فريدة: مدير المستشفى: شاركت في مؤتمر في لبنان وقدمت تجربة المستشفى وكان هناك مشاركين من الشرق الأوسط وأيضا أوروبيين فواجهت صعوبة شديدة في إقناع الحاضرين بأن مثل هذه التجربة موجودة في اليمن، لكن الإجابة التي أقنعت الحاضرين وهي الحقيقة الموجودة أنه يوجد لدينا قائد للحرس الجمهوري أولانا الرعاية والدعم والثقة المطلقة وبفضل هذا تمكنا من تحقيق ما ذكرنا، عند ذلك اقتنع الحاضرون أن هذا التطور والجهد لا يمكن أن يكون نتيجة الصدفة ولكن يوجد له رعاية واهتمام. - إنشاءات مستقبلية: ينفذ الجانب الصيني حاليا المرحلة الثالثة مدينة 48 الطبية بسعة 120 سريرا وعلى أساس أنها ستخدم القطاع المدني وتستقبل حالات من المدنيين كذلك المرحلة الحالية للمستشفى زيادة السعة السريرية وأيضا عندنا خطة لإنشاء أول مختبر مرجعي في اليمن على غرار ما هو موجود في المدن الطبية العالمية، وكذلك سيكون مبني لعمليات التدخل الجراحي بالأشعة.. مركز سيكون الأول من نوعه في اليمن. وأيضا خلال العشرة الأيام القادمة سيتم افتتاح أول مختبر للفحص الوراثي والفحص الجيني في اليمن مع افتتاح أول بنك دم اتوماتيكي مع افتتاح أول مركز لتشخيص وعلاج أمراض الدم، والأجهزة الآن موجودة وتم العمل على تدريب وإيفاد المتخصصين في هذا المجال وهناك خطة عمل لتدريب الكادر للارتقاء بنوعية الخدمة في المستشفى. وبنك الدم الاتوماتيكي مفهوم حديث لإنشاء بنك الدم بحيث أنه يتميز بنظام يعمل على زيادة فعالية الاستفادة من المتبرع مثلا لو أردت أن تحصل على جرعة علاجية من الصفائح الدموية تحتاج إلى ستة متبرعين وبعد ذلك تعمل على فصل الصفائح وبعد ذلك تحصل على جرعة واحدة، الآن في هذه الطريقة سيأتي المتبرع ثم سيعمل الجهاز على سحب فقط الصفائح الدموية ويرجع بقية الدم إلى جسمه. النقطة الأخرى لدينا تصور لإضافة أجهزة جديدة لاستخراج الخلايا الجذعية وهناك تصور شامل يهدف إلى زراعة الخلايا الجذعية، وأيضاً نعمل على تطوير المختبر لإجراء فحوصات تطابق الأنسجة ما قبل عمليات زراعة الأعضاء والإمكانيات موجودة حاليا ونعمل على تطويرها وإن شاء الله لدينا خطة إلى نهاية العام لتجهيز المختبر بحيث ستكتمل جميع الفحوصات المخبرية الموجودة في الساحة الطبية. أما مركز تشخيص وعلاج أمراض الدم ستكون لدينا المقدرة على تقنية تغيير البلازما العلاجي (تي بي إي)، والتي يتم خلالها تغيير دم المريض بالكامل مثل بعض الأمراض المناعية وحالات التسمم والتي ثبت فعاليتها علميا في علاج مثل هذه الأمراض وخاصة في الإصابات الحادة. بحيث يتم سحب دم المريض بالكامل ومن ثم تصفيته من السموم والأجسام المضادة ومن ثم إرجاعه إلى جسمه وهناك فاعلية كبيرة ويمكن أن تستخدم في حالات السموم، وخلال تعاملنا مع الشركة في هذا المجال نتيجة لأن المستشفى كان من الرائدين في تقديم هذه التقنية الحديثة إلى اليمن فقد حصلنا على دعم كبير من الشركات حيث حصلنا على الأجهزة ووقعنا عقود تملك ولم يتم دفع سوى 50 % من ثمنها وقدمت الشركة لنا خصم 35 % من قيمة الأجهزة كذلك تبرعت لنا بأجهزة لمركز لعلاج أمراض الدم للفقراء مع تدريب وتأهيل الكادر، بالإضافة إلى خمس سنوات صيانة وكما نعلم أن كل سنة صيانة تكلف 15 % من قيمة الجهاز. - مركز للعلاج الإشعاعي لمرضى السرطان: مدير المستشفى: فيما يخص علاج السرطان بالإشعاع فإنه تم تجهيز مبني متكامل واختيار كادر مؤهل وتم التواصل والتنسيق مع اليابان واللجنة الوطنية للطاقة الذرية، وإنشاء الله خلال شهر إلى شهرين سيتم إرسال الجهاز من اليابان بعد أن تم التفاهم مع الجانب الياباني لموافاتنا بالنواقص، ولدينا خطط لتطوير علاج السرطان بالإشعاع وتشغيله وفق أحدث المفاهيم العالمية. - التأمين الصحي: س: ما هي خطط المستشفى في مجال التأمين الصحي ؟ مدير المستشفى: في اعتقادي أنه لن تتطور الخدمات الطبية سواء في المستشفى او في اليمن ما لم تكن هناك سياسة للتأمين الصحي، وبدون هذه السياسة سيشغل المستشفى سنتين إلى ثلاث سنوات ثم يتوقف وينهار، ولذلك عمل المستشفى حسب توجيهات قائد قوات الحرس الجمهوري قائد القوات الخاصة على إنشاء التأمين الصحي في الحرس الجمهوري، وتواصلنا مع الخبراء المعنيين في الأردن ولدينا خطة عمل، ونظرة القائد أن يتم نجاح فكرة التأمين في الحرس ، ومن ثم تعميمها على القوات المسلحة، ثم تعمم على بقية المدنيين في اليمن كامل ، وإن شاء الله تنجح التجربة خلال زمن بسيط.