بدأت مساء اليوم في الرياض أعمال القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية في دورتها الثالثة.. بمشاركة الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية وقادة ورؤساء وفود الدول العربية الشقيقة. وافتتحت القمة والتي يرأسها ولي العهد السعودي نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز، نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، بكلمتي مصر رئيس القمة الثانية والسعودية رئيس القمة الحالية . وتحدث الرئيس المصري محمد مرسي في كلمته في الجلسة الافتتاحية، عن أهمية القمة .. مشيراً الى انها تنعقد في أهم مراحل الأمة العربية التي شهدت الكثير من التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية . وأكد أن مصر تتطلع إلى التعاون مع الدول العربية لمواجهة جميع التحديات الحالية والاستفادة من جميع الفرص المتاحة للوصول إلى تطلعات الأمة العربية من أهداف وتكامل، وبما يحقق للأمة العربية المكانة التي تستحقها بين أمم العالم . وأوضح أن المبادرات المطروحة أمام القمة الحالية تستحق البحث في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والرامية إلى تحسين الأوضاع العربية .. مشدداً على أهمية صياغة الخطوط الاسترشادية وخط السياسات الاقتصادية للوصول إلى أهداف وتطلعات الدول العربية ومضاهاة ما تحقق على المستويات الدولية . وأفاد الرئيس المصري أن معدل التجارة البينية العربية يعد من المعدلات الضعيفة للغاية مقارنة بحجم التجارة العربية مع الدول الأجنبية .. مطالباً بالعمل من أجل إنشاء السوق العربية المشتركة التي تعمل على إقامتها الدول العربية وتصبو إليها شعوبها . وعدد الرئيس محمد مرسي التحديات المشتركة التي تواجه الأمة العربية، ومن بينها كيفية التعامل مع الآثار السلبية للعولمة والمنافسة القوية للصادرات الأقل تكلفة والتراجع عن الاعتماد على البحث والتطوير العلمي . وأكد أهمية دراسة كيفية التنسيق المشترك في مواجهة الاضطرابات المالية والتقلبات في أسعار الصرف والتصدي لمشكلة البطالة المرتفعة خاصة لدى الشباب العربي مقارنه بدول العالم الأخرى وضرورة رفع نوعية التعليم والتدريب والتأهيل خاصة في قطاع التعليم الفني لسد نقص الكوادر العربية في المجالات المؤهلة . كما أشار إلى من إن التحديات التي تواجه الأمة العربية تجاوز إشكاليات المرأة في المجتمع ودورها في التنمية وإدارة عملية الإصلاح والتطوير، خاصة فيما يتعلق بمجال تبني السياسات الاقتصادية وتوفير الموارد المائية اللازمة لدعم التنمية وتلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان، خاصة في الحاجة لإنتاج الغذاء لسد الفجوة . وشدد الرئيس المصري بأنه يتوجب على الدول العربية الاستغلال الأمثل للمياه الجوفية والأمطار والسدود وتحلية مياه البحر في الزراعة والري والتعاون مع التحديات التي تواجهنا في طريق التنمية المستدامة . عقب ذلك، ألقى ولي العهد السعودي نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، والتي رحب فيها برؤساء الوفود المشاركة في القمة . وأكد الأمير سلمان بأن المرحلة الحالية والدقيقة التي تمر بها الأمة العربية، تتطلب من الجميع التكاتف وتكثيف الجهود الجادة والمخلصة من أجل التغلب على التحديات التي تواجه الدول العربية، والسعي نحو تعزيز العمل العربي المشترك، وبما ينعكس إيجاباً وبشكل ملموس على حياة المواطن العربي، ويحقق له الرفعة والرقي والعيش الكريم . وبين إن القضايا التنموية الملحة التي تواجه الدول العربية ازدادت صعوبة وتعقيداً مع التطورات الأخيرة التي يشهدها عالمنا العربي .. مشيراً إلى قضايا الفقر والبطالة والمرض، مما يستدعي بذل كافة الجهود والاتفاق على أفضل السبل لمواجهتها والقضاء عليها . وأكد الأمير سلمان أهمية دور مؤسسات العمل العربي المشترك وضرورة دعمها وتعزيز قدراتها من أجل تمكينها من أداء الدور المناط بها بكفاءة أكبر في المشاركة الفعالة بتنفيذ المشروعات العربية المشتركة . ودعا إلى زيادة رؤوس أموال المؤسسات المالية العربية وبنسبة لا تقل عن 50 في المائة من قيمتها الحالية، حسبما يراه محافظو تلك المؤسسات، وذلك لتتمكن من مواكبة الطلب المتزايد على تمويل المشروعات التنموية العربية ودعم الدول العربية وخاصة الأقل نمواً منها . كما دعا الأمير سلمان إلى زيادة رؤوس أموال الشركات العربية المشتركة القائمة، وبنسبة لا تقل أيضاً عن 50 في المائة من قيمتها الحالية، من أجل توسيع أعمالها وتعزيز مشاركتها مع رؤوس الأموال العربية من القطاع الخاص .. معلناً استعداد المملكة للمبادرة بدفع حصتها في الزيادة التي يتم الاتفاق عليها . وطالب القطاع الخاص العربي لأخذ زمام المبادرة في قيادة قاطرة النمو في العالم العربي، من خلال زيادة حجم التبادل التجاري والاستثماري العربي البيني، وعلى الحكومات العربية بذل كافة الجهود لتذليل العقبات التي تعترض مسار القطاع الخاص العربي وتهيئة المناخ المناسب لتشجيع انسياب الاستثمارات العربية البينية . كما دعا إلى إقرار الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية بصيغتها المعدلة المدرجة على جدول أعمال القمة الحالية .. معرباً عن أمله في أن تشكل عامل جذب للاستثمارات العربية بما توفره من تسهيلات وضمانات، داعياً في نفس الوقت رجال الأعمال والمستثمرين العرب إلى اغتنام هذه الفرصة والعمل على الاستفادة مما توفره لهم هذه الاتفاقية من مزايا . وأشار ولي العهد السعودي إلى مستوى التبادل التجاري بين الدول العربية والذي لا يرقى إلى مستوى الإمكانات والطموحات .. مؤكداً أن ذلك يتطلب من الجميع العمل الجاد والمخلص لبناء التكامل الاقتصادي العربي المنشود . وفي هذا الصدد دعا الأمير سلمان إلى استكمال متطلبات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى قبل نهاية العام الجاري، والعمل على إتمام باقي متطلبات الاتحاد الجمركي العربي وفق الإطار الزمني الذي تم الاتفاق عليه سابقاً وصولاً للتطبيق الكامل له في عام 2015م . وختم ولي العهد السعودي الكلمة بالترحيب بمبادرة المساعدة من أجل التجارة للدول العربية التي أطلقتها المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة في سبيل دعم المساعي لزيادة حجم التبادل التجاري العربي البيني .. معلناً استعداد المملكة العربية السعودية لدعم هذه المبادرة والمساهمة في موازنتها وبما يُمكنها من الانطلاق ووضعها موضع التنفيذ بأسرع وقت ممكن . كما ألقى الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي كلمة، أشار فيها إلى ما تشهده المنطقة العربية حالياً من تحولات كبرى وتتطلع الشعوب العربية إلى إصلاح أوضاعها، وتطوير مجتمعاتها، وتحقيق التنمية المستدامة، والعدالة الاجتماعية. وقال إن الجامعة العربية تسعى من هذا المنظور إلى وضع البرامج والمشروعات التي تمثل أولوية للعمل التنموي العربي المشترك، وتأخذ في الاعتبار أسباب الحراك الذي تشهده المنطقة والمطالب المشروعة للشعوب العربية . وأوضح الدكتور العربي أن الجامعة ستعرض على القمة العادية المقبلة في دولة قطر، بعض الأفكار التي تمثل أولويات لعملية التطوير.. مؤملاً أن تنظر فيها القمة وتتخذ القرارات المناسبة للشروع في التنفيذ في هذا الإطار الزمني المحدد . وأكد حاجة المنطقة العربية إلى مزيد من المبادرات التي تسهم بشكل فاعل ومباشر في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية .. مشيراً في هذا الصدد إلى مبادرة أمير دولة الكويت حول المشروعات المتوسطة والصغيرة وملك البحرين باحتضان مملكة البحرين لمشروع البورصة العربية المشتركة . وتحدث عن تغير منهج معالجة القضية الفلسطينية، من خلال تركيز المجتمع الدولي ممثلاً في مجلس الأمن على إنهاء النزاع برمته عن طريق إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة في إطار زمني محدد، وذلك بدلاً من أسلوب إدارة الأزمة المتبع منذ أكثر من 20 عاماً الذي ثبت عدم جدواه . كما طالب الشركاء الإقليميين والدوليين كافة بمواصلة جهودهم للتخفيف من وطأة الاحتلال والعدوان الإسرائيلي الغاشم على الأراضي الفلسطينية، وما ينتج عنه من آثار بالغة الخطورة على الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها صعوبة تقديم الخدمات الرئيسة والاحتياجات الضرورية، علاوة على ازدياد نسب الفقر والبطالة والإعاقة . وتحدث العربي عن حل للأزمة السورية .. مشيراً إلى أن جميع الاتصالات التي أجراها الممثل الخاص الأخضر الإبراهيمي لم تثمر حتى الآن عن أية بارقة أمل في وضع هذه الأزمة على طريق الانفراج وبدء المرحلة الانتقالية التي تقررت منذ ستة أشهر . وفي هذا الشأن وضع العربي "خارطة طريق" تتمثل في نقطتين، الأولى دعوة مجلس الأمن بأن يجتمع فوراً ويصدر قراراً ملزماً بوقف فوري لإطلاق النار حتى يتوقف شلال الدم في سوريا، والثانية إنشاء قوة مراقبة دولية للتحقق من أن القتال قد توقف، حتى يمكن أن تتحقق طموحات ومطالب الشعب السوري الذي انتفض من أجلها . كما تحدث عن تأثر تدفق الاستثمار إلى الدول العربية بسبب التطورات السياسية في المنطقة .. مؤكداً أهمية النظر في تعديل الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال بالدول العربية، والمرفوعة للقمة لاعتمادها في صيغتها المعدلة، بحيث تتواءم مع المتغيرات الجديدة على الساحتين الإقليمية والدولية، ولتوفير المناخ الملائم لزيادة الاستثمارات العربية والمساهمة في توجيها إلى داخل المنطقة العربية، بهدف الحد من البطالة والفقر . وعد موضوع الطاقة المتجددة أحد المشروعات المهمة المعروضة على القمة من خلال وثيقة الإستراتيجية التي ترسم رؤية مستقبلية للوطن العربي في مجال الطاقة المتجددة إلى آفاق عام 2030م، باعتماد سياسات وطنية وإقليمية تسهم في تهيئة المناخ لتطوير التقنيات وتعزيز آليات التعاون الإقليمي والدولي وتشجيع القطاع الخاص على المشاركة في تطور استخدامات الطاقة المتجددة. كما كشف أمين عام جامعة الدول العربية عن حوار عالمي يبدأ بعد إجراء تقييم لمدى تنفيذ الأهداف التنموية للألفية بهدف وضع الأولويات العالمية لتحقيق التنمية المستدامة ما بعد عام 2015م . وأكد في هذا الشأن ضرورة وضع رؤية عربية تمثل أولويات المنطقة في هذا الحوار العالمي المنتظر نحو التنمية المستدامة . كما أشار إلى أن تحسين صحة المواطن العربي والتصدي للأمراض يُعد من القضايا الحيوية في العالم العربي .. مبرزاً أهمية خطة العمل التي تم اعتمادها في الرياض في "المؤتمر الدولي لأنماط الحياة الصحية والأمراض غير السارية في العالم العربي والشرق الأوسط" في سبتمبر 2012م . وتطرق إلى الدور الفاعل للقطاع الخاص العربي .. مبيناً أن الأمانة العامة للجامعة بالتعاون مع الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية، ومجلس الغرف السعودية نظمت مؤخراً، منتدى القطاع الخاص العربي الذي عقد بالرياض، ومنتدى الشباب العربي الثالث ومنتدى المجتمع المدني العربي الثالث .. معرباً عن أمله في تبني القمة لنتائج هذه المنتديات . عقب ذلك ألقى أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح كلمة، أشار فيها إلى أن بلاده ترى بأَن العمل المشترك ينبغي له أن ينأى بعيداً عن أي تأثيرات للخلافات السياسية، بوصفه أنجع السبل نحو العمل المشترك . وعد الشيخ صباح ما تحقق عبر القمتين السابقتين انجازاً نوعياً على مستوى العمل المشترك، بيد أنه لازال دون مستوى الطموح المنشود مما يتوجب معه مواصلة الجهد وتجاوز العديد من العقبات التي تعيق العمل المشترك . ورأى أن الدول العربية مطالبة بمضاعفة الجهود والتعاون المشترك في التركيز على مجالِ العملِ التنمويِ والاقتصاديِ والاجتماعيِ والتنسيقِ في برامجها وسياساتها الاقتصادية والماليةِ وسَن القوانينِ والتشريعات اللازمة لتحفيز التجارة البينية وتشجيع وحماية الاستثمار وتيسير حركة رؤوس الأموال وتشييد البنى التحتية المشتركة للمساهمة في إيجاد اقتصاديات قوية ومتينة توفر فُرص العمل المنتج لأبناء الأُمة العربية . كما أشار إلى مبادرة الكويت الخاصة بإنشاء صندوق لدعمِ مشاريعِ القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة في الوطن العربي والتي تم دعمها من قبل الدول العربية .. مبيناً انه تم تفعيل الصندوق وتوفيرِ ما يناهز 60 في المائة مِن رأسماله البالغ ملياري دولار من خلالِ مساهمة 15 دولة حتى الآن ليبلغ مَجموع القروضِ التي خَصصها الصندوق 245 مليون دولار .. داعياً باقي الدول العربية إلى الانضمام للمشروع العربي حتى يستكمل أهدافه المرجوة . ونبه سمو الشيخ صباح الأحمد الصباح إلى ضرورة مواجهة الكارثة الإنسانية التي يتعرض لها الأشقاء في سوريا في ظل استمرار آلة القتل والدمار التي تحصد آلاف الأرواح وتدمر كل ما حولها دون تمييز بسبب عدم تجاوب النظام مع جميع المبادرات على المستويين الإقليمي والدولي .. داعياً الدول العربية لدعم مبادرة الأمين العام للأمم المتحدة بعقد مؤتمر دولي للمانحين لدعم الوضعِ الإنساني للشعبِ السوري في 30 يناير الجاري بدولة الكويت للمساهمة الفعالة في المؤتمر والمساعدة على توفير الموارد المالية المستهدفة لمواجهة احتياجات الأشقاء . عقب ذلك أعلن ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبدالعزيز انتهاء الجلسة الافتتاحية للقمة وعقدت جلسة العمل المغلقة الأولى.